علي محمود الشيخ علي
في وقت مبكر تعرفت على هذه الشخصية العراقية الوطنية / القومية الفذة، وهزني هذا البطل الكبير من خلال قراءتي وتأثري العميق بكتابه ” محاكمتنا الوجاهية “، وعندما تشاهد وتلمس صلابة وقوة الشخصية الوطنية / القومية العراقي، فإنما هي مؤسسة على هامات عراقية عالية الجبين تمثل أصدق تمثيل الكبرياء الوطني / القومي العراقي، وعندما تقرأ هذا العنفوان العراقي يتجلى في شخصية أبطال … في مآثر يجترحونها في سوح النضال … لا تستغرب … إنها متوارثة … كابر عن كابر … حتى صار للبطولة وللتضحية تقاليد … صار العيش بذل عار ما بعده عار، والاستشهاد يتشرف به الأحفاد بعد الأجداد يرفعون له الراية … ويؤدون له التحية ..
علي محمود الشيخ علي الهيازعي العبيدي (ولد عام 1901 ببغداد وتوفي فيها عام 1968) درس الحقوق وتخرج منها محامياً، وعمل في السياسة حين أنتخب نائباً عن محافظة الديوانية عام 1922. وشغل وزارة العدلية عام 1937. كما شغل منصب وزير الخارجية لفترة قصيرة بدلاً عن الوزير المستقيل صالح جبر.
ثم شغل منصب وزير الخارجية مرة أخرى عام 1941 في وزارة رشيد عالي الكيلاني، ثم شغل منصب وزير العدلية في العام نفسه في وزارة الكيلاني الرابعة.
كان وزيراً في حكومة الكيلاني الرابع التي شهدت أحداث مايس 1941 والتجأ مع باقي الوزراء والمسؤولين إلى إيران، وهناك ألقي القبض عليهم من الإنكليز الذين احتلوا إيران، وجرى تسفيره إلى جنوب أفريقيا، ثم إلى المستعمرة البريطانية روديسيا (زمبابوي اليوم) وأعيد بعد نهاية الحرب مع زملاؤه المعتقلين من الوزراء والضباط الأحرار، والمسؤولين، وقدموا للمحاكمات التي قضت بإعدام الضباط العقداء الأربعة : فهمي سعيد ومحمود سلمان، وكامل شبيب، وصلاح الدين الصباغ، والوزير محمود السبعاوي. وحكم عليه بالسجن، وأطلق سراحه في حزيران / 1947
ولنزاهته المعروفة، عاد ليشغل منصب وزير المالية في وزارة مصطفى العمري، لفترة قصيرة في تشرين الثاني / 1952 بدلاً من الوزير المستقيل، إبراهيم الشابندر، ثم أستمر في منصبه في وزارة نور الدين محمود.
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، بدأ الإنكليز بتصفية حساباتهم في العراق، والتركيز على تصفية حقيقية للتيار الوطني / القومي في الجيش العراقي. ومن المعروف أن لكل جيش عقيدة سياسية / عسكرية، والجيوش ليست ملابس خاكي ورتب وتشكيلات … الجيوش مؤسسة للدفاع الوطني، ينبغي أن تكون هناك خدمة إلزامية لجميع المواطنين، وعقيدة وطنية يؤمن بها الجيش كهدف مشروع للقتال، وهذه العقيدة تحدد طبيعة الأنتماء الوطني والقومي، والجيش بلا عقيدة ما هو إلا مؤسسة قتالية احترافية لا مثل ولا قيم عليا، هو أداة الدولة الضاربة، يوجهها حيثما يكون ذلك (ضرورياً)، وجيوش الدول الإمبريالية تجند أبناءها، وغالباً من أبناء شعوب أخرى، لتحقيق أهداف لا علاقة لها للدولة الوطنية بها. هي أهداف توسعية أعتدائية الطابع، الجنود فيها وقود ماكنة الحرب، بل وكانت غاية الإنكليز سوق فرقتين من الجيش العراقي ليقاتل الألمان في شمال أفريقيا، وهو ما رفضه قادة الجيش الوطنيين، وقد أضمرها الإنكليز لينتقموا من الجيش العراقي وقادته.
لذلك حرصت بريطانيا على تصفية الجيش العراقي فقلصت عدده من 4 أربع فرق إلى فرقتين، وقلصت عتاده وتسليحه، واستولت بلا حق على مصنع البنادق (Lee enfield 303) الذي كان باكورة التصنيع العسكري، وقامت بأعتقال عدد كبير من ضباط الجيش، وسرحت وأحالت إلى التقاعد بقوائم كبيرة ضباط من الجيش كانوا موضع شبهة في وطنيتهم، وحكمت بالإعدام على قادة فرق الجيش:
- العقيد الركن كامل شبيب، قائد الفرقة الأولى، اعدم عام 1944
- العقيد الركن فهمي سعيد، قائد الفرقة الثالثة، اعدم عام 1944
- العقيد الطيار محمود سلمان، قائد القوة الجوية، أعدم عام 1944
- العقيد الركن صلاح الدين الصباغ، قائد الفرقة الرابعة، اعدم أواخر عام 1945
ونصبت المحكمة العسكرية في معسكر أبو غريب في جو وإجراءات إرهابية، وبدأت تنظر في الدعاوي وتصدر أحكاماً قاسية، وفي كل وجبة تضم أحد الضباط المحكوم عليهم بالإعدام، وهذا الأجواء التي أراد الإنكليز لها أن تكون مرعبة كان صمود المعتقلين رائعاً يسخر من الموت وأحكام الإنكليز، وفي هذا الجو تحديداً قدم الوزير علي محمود الشيخ علي للمحاكمة، دون أن يهتز موقفه قيد أنملة رغم الموت المحدق به، فطيلة مرافعته وحيثما يرد أسم رئيس الوزراء المطلوب للمحاكمة غيابياً يخاطبه ” معالي رئيس الوزراء ” ويدافع عن موقف الحكومة في إجراءاتها الشرعية في الدفاع عن سيادة العراق ضد الإنكليز، ويختتم دفاعه الذي يمثل مرافعة في حقوق العراق.
يختتم دفاعه بالقول بما معناه ” وإني في هذا اليوم وفي موقف هذا، وأنا أدرك حجم الضغوط على البلاد وعلى المحكمة، ولكني وقد رباني هذا الوطن وهذبني وصيرني شيئاً، والله لن أخون العراق … والله لن أخون العراق، وأني لأدرك أن مجد الأوطان والأمم لا يبنى إلا بجماجم أبناءها، ويشرفني أن أكون أحداها ..” .
هذا مختصر لما جاء في دفاع البطل علي محمود الشيخ علي أوردها في كتابه ” محاكمتنا الوجاهية ” والذي كنت أحفظ عن ظهر قلب صفحات منه، ولكن العمر وعاديات الزمان جعلتنا ننسى الكثير من نصوصها ولكن عنفوانها يشد همة أي مناضل وطني شريف، وكبرياء في استقبال الموت.
وشجاعة علي الشيخ علي ونزاهته، وسمعته الكبيرة هي التي دعت النظام الملكي إلى إعادة أستيزاره بعد خروجه من السجن، عام 1952 وعاش هذا الرجل الكبير حتى عام 1968 دون أن يعرف عنه إخلالاً بالمسؤولية، أو ما يشين سمعته الوطنية الكبيرة.
الصورة أدناه : غلاف كتاب على محمود الشيخ علب ” محاكمتنا الوجاهية “.