حين تتظاهر الخرافة.. احتمِ بعقلك
حين تتظاهر الخرافة.. احتمِ بعقلك
نستطيع الآن أن نقول إن «الدين» قد فقد جوهره، وتغيرت آليات الرسالة السامية لتصبح «رسالة همجية» تسير فى الاتجاه المعاكس للتحضر والمدنية.. اتجاه لا يجافى العلم والمنطق فحسب، بل يُظهر المسلم فى صورة هزلية مثيرة للشفقة والسخرية معاً.. فمن يهتف بأنه «المهدى المنتظر» ومن يدعى بصوت مثير للرعب أن «الوضوء» كفيل بالقضاء على فيروس كورونا.. أما الإسكندرية فقد انفردت بنغمة نشاز وصورة قبيحة ومريبة أيضاً وكأن مستشفى المجانين قد فتح أبوابه، أو خرج علينا المشعوذون والدجالون يرددون الأدعية من نوافذ منازلهم وعبر مكبرات الصوت، فى عدد من الأحياء.. وينظمون مسيرة للدعاء والتكبير، لرفع بلاء الوباء عن البلاد!!.
وبحسب دعوة الخائن «معتز مطر»، وبيان مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان الإرهابية، «الذى تأكد للبعض صحته»، فإن الجماعة دعت إلى عدم الاستجابة لدعوات الدولة بالبقاء فى المنازل (لإرباك النظام وإفقاده القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية للشعب).. بالإضافة إلى الضغط حتى يضطر النظام إلى نشر الجيش فى مختلف المحافظات (لتخفيف الضغط عمن يسمونهم «مجاهدين فى سيناء» وإرباك حسابات التأمين الاستراتيجية على المستوى الإقليمى).. ومن ثم العمل على نشر وباء كورونا بين الجنود والضباط.. وقد رأيت فيديو لأحد أنصار الإخوان يحرض على نشر الفيروس فى صفوف الجيش لأنه الهدف الرئيسى لكافة التنظيمات الإرهابية والدول الراعية لها.
هنا لا بد أن نفرق بين نوعين من البشر.. الأول: هو شخص فقد السيطرة على نفسه ورفض واقعه ليخرج من دائرة العقل ويعيش فى وهم «الخلافة الإسلامية» مثلاً، وهذا إنسان مصاب بالبارانويا «جنون العظمة» ويتسم بالعدوانية الشديدة لفرض واقعه الوهمى، (إذا اعتبرنا أن عاصمة الدعارة «إسطنبول» صالحة لأن تكون دولة الخلافة، وأن القواد «أردوغان» يمكن أن يكون خليفة للمسلمين).. أما النوع الثانى: فيعانى من الخوف، والاضطهاد، ويشعر بالظلم ويعيش فى حالة «وسواس قهرى» ويتخبط فى خندق جدرانه معتمة ويتعايش مع أشباح الحسد والأعمال السفلية وزواج الجن بالإنسان وقدرة الجان على تغيير القدر وتحويل بوصلة حياة الإنسان.. ولهذا هو دائم «الذكر والترنح» على إيقاع منتظم لا تفهم منه إلا «تهتهة»!.
فإذا ما سيطر مريض «البارانويا» على مريض «الوسواس القهرى» ستجد نفسك فجأة أمام «حلقة زار» فيها ما لذ وطاب من الخزعبلات والشعوذة السياسية.. وهكذا خرج عشرات (من السلفيين والخلايا الإخوانية النائمة) فى مظاهرة بالإسكندرية يعلنون رفضهم لاحتلال «كورونا» لأراضينا وسيطرته على مصير البشر.. يلعنونه ويسبونه مطالبين بإسقاطه عن عرش الفيروسات!!.
عقب ما حدث بالإسكندرية فوجئت بالسيدة التى تساعدنى فى أعمال المنزل على الهاتف تسألنى عن الكنيسة التى يوجد بها القس «مكارى يونان» لأن لديها قريبة «ملبوسة»!!.. بعصبية شديدة أجبتها بأن الكنائس والمساجد جميعها مغلقة.. فقد استنفدتنى فى حوار طويل حول مشكلة قريبتها الملبوسة من قبل.
هذه هى الحرب الحقيقية.. الإرهاب من خلفنا والخرافة من أمامنا.. فتحسس عقلك!.
لو لم تنشر «دار الإفتاء المصرية» عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، دعاء التحصين من الوباء، لكان من الممكن أن تجد «مؤسسة رسمية» تواجه معك محاولات اختراق ضلوعنا بالخرافة والسعى لتمزيق الدولة بسلاح «الشعوذة الدينية»!.
لو حسم «الأزهر» معركة «السطو على الحكم» باسم إقامة دولة الخلافة لفقد الإخوان والسلفيون مصداقيتهم وشعبيتهم بين البسطاء والجهلة.. لكن المؤسسات المذكورة لم تعلن انتهاء دولة الخلافة ولم تقل إنها «بدعة سياسية».. فمعظم من ينتمون لتلك المؤسسات ستجد فى خطابهم كلمات: (قائد مسلم، دولة إسلامية، تطبيق الشريعة الإسلامية).. وهو خطاب لا يختلف كثيراً عن خطاب المرشد السابق للإخوان، الأشهر والأشرس «مهدى عاكف»، الذى قال عن الحاكم «مسلم ماليزى أفضل من مسيحى مصرى»!!.
نحن ندور فى حلقة مفرغة من الهوس الدينى، الهوس الذى يغيّب العقل الجمعى ويسخّره لفكرة أن الإسلام «دين ودولة».. وفى الواقع هم أفرغوا الدين من محتواه فى محاولة الاستيلاء على الدولة!.
إنها معركة بين التطرف الدينى من جانب والعلم والتنوير على الجانب الآخر.. لكن فصيل الإسلام السياسى يحاول انتزاعنا «عنوة» من دورنا الرئيسى فى نشر الوعى وسبل الوقاية من فيروس كورونا لمواجهة طاعون التدين الشكلى وفيروس تسييس الدين.. إنها مقدمة خاطئة، «بمنطق الانتهازية الدينية والسياسية»، يُفترض أن تصل بنا لنتيجة مغلوطة مفادها أن «الدعاء» هو البديل الآمن للمصل والعلاج.. وأن الله قد استجاب ورفع البلاء عن «المؤمنين وحدهم» وطهّر الأرض من الكفار الذين ينشرون الإلحاد وما يستتبعه من زنا ومثلية جنسية.. إلخ!.
ولن يتردد هذا التيار، «بعملائه من الإخوان والعمائم المتطرفة»، فى تناول العلاج من أجنبى كافر قد يكون مخنثاً أو مثلى الجنس.. وهو يدعو الله أن يخسف به الأرض فى نفس اللحظة!.
ما حدث بالإسكندرية مهزلة بكل المقاييس، لكن المأساة الهزلية أننا نخصص المليارات لمؤسسات رسمية لتقول لنا دعاء التحصين من كورونا!.
عندما تصطدم بالخرافة ارفع راية، كن موقناً بأن العلم والتنوير سينتصران.. واحتمِ بعقلك.