التيزاب والذبح والرصاص.. قصص وحقائق عراقيات في الحجر المنزلي
تلقت امرأة عراقية في منتصف العشرينات من عمرها رصاصة في الجبين على يد زوجها في محاولته لإنهاء حياتها إثر خلافات تفاقمت بينهما خلال فترة الحظر الوقائي المفروض في عموم العراق إثر جائحة كورونا التي نجم عنها جرائم عنف شنيعة من قتل واغتصاب.
ووصلت المرأة إلى مستشفى الجملة العصبية شرقي العاصمة بغداد، مضجرة بدمائها التي أخذتها إلى غيبوبة، إثر الرصاصة المنطلقة من سلاح استخدمه زوجها لحسم الخلاف.
وأجرى الأطباء لها عملية جراحية لإنقاذها من أثر الرصاصة التي اخترقت رأسها من الأمام وخرجت من الخلف.
وقالت إحدى الطبيبات في المستشفى إن “المرأة وصلت إلى المستشفى في السابع من الشهر الجاري ونقلت إلى العناية المشددة بعد إجراء العملية الجراحية لها وهي تعاني من نزف داخلي شديد قد يفقدها حياتها في أية لحظة”.
وأضافت الطبيبة، “علمنا أن زوجها أطلق عليها رصاصة، وأمر التحقيقات ومعرفة الملابسات متروك للجهات المعنية”.
وذكرت “أن ذوي المريضة لم يسمح لهم بالدخول إلى الغرفة التي ترقد فيها، كونها في العناية المشددة، حفاظا على حياتها وسلامتها”.
تبدد الأحلام
تقول امرأة جاءت إلى مختبر للتحليلات المرضية في قضاء بلد (جنوبي محافظة صلاح الدين، شمالي العراق)، قبل أيام، ونقل مصدر طبي قصتها “فرحت عندما تقدم لخطبتي شاب موظف متعلم يسكن في المدينة، لأنني كنت أتصور أنه سيأخذني من الريف إلى الجنة…المدينة التي طالما حلمت برؤيتها والعيش فيها…لكن أحلامي قتلت كلها ولو كنت بقيت لدى أهلي دون زواج أفضل لي مليون مرة على الأقل”.
وتضيف “استيقظ من الرابعة والخامسة فجرا كل يوم واتجه إلى البستان الذي تملكه عائلة زوجي في قضاء بلد، للعمل الشاق وأعود منه لعمل الخبز في التنور، وأنجز لهم وجبة فطار، وأحمم أطفالي وأكمل جميع أعمال المنزل حتى أفقد الشعور بظهري من شدة التعب”.
وتستطرد المرأة، أنها “جاءت لإجراء تحليل لدمائها كي تتأكد من أنها حامل أو لا، وعليها علامات خوف وحزن من أنها خسرت طفلا في أحشائها إثر ضرب مبرح تعرضت له على يد وقدم زوجها”.
جلست المرأة على كرسي صغير تنتظر نتيجة التحليل للتأكد من أنها حامل وأجهضت جنينها، بسبب نزف غزير أصابها بعد تعرضها للضرب، ولم يتوقف طيلة الليل.
وروت المرأة قصتها أثناء انتظارها نتائج التحاليل، بعد أن سألتها إحدى المحللات، ما الذي حصل؟
“زوجي موظف وتعرفين هو جالس في البيت بسبب الحظر، وغاضب دائما، يضرب أطفالنا على أتفه الأسباب، ولما رأيته يضرب ابني ضربا شديدا وقفت أمامه لحماية ابننا لكنه ضربني أنا أيضا، ثم أسقطني أرضا وبدأ يركلني بشدة على بطني ما تسبب لي بالنزف”.
نتائج التحاليل أثبتت أن المرأة غير حامل، وما بقي أمامها سوى الذهاب إلى طبيبة نسائية تشخص النزف الحاد من رحمها من الضرب الذي بات يتكرر أكثر في حياتها التي كانت تحلم بها “رغيدة وسعيدة”.
حصيلة أممية
عن ارتفاع حالات العنف ضد النساء تحديدا في عموم المحافظات العراقية، كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، حسب المعلومات المسجلة من نظام توجيه المعلومات للعنف الاجتماعي لشهر آذار الماضي، فإن العنف من قبل الأزواج بحق النساء، هو الأساس بنسبة 86%.
وأضاف الصندوق، “يتبع تعنيف النساء العنف إثر العادات الاجتماعية المشجعة على الأذى بنسبة 14%، والزواج بسن مبكر بنسبة 13%”، مشيرا إلى أنه “لا توجد إحصائية رسمية حكومية تبين عدد المعنفات في العراق”.
وينوه الصندوق، إلى أنه “بشكل عام حتى قبل انتشار وباء كورونا وفرض حظر التجوال الوقائي في عموم العراق، فإن العنف تجاه النساء لا يتم الإفصاح عنه بما فيه الكفاية، وذلك بسبب وصمة العار الاجتماعية، والخوف من الرد على العنف”.
ويلفت إلى أن “حالات العنف المسجلة تم الإبلاغ عنها بشكل طوعي، أو الإشارة بها للجهات المعنية، بطريقة سرية وبعد الحصول على موافقة مسبقة من الناجين، وعلى الرغم من أن هذه المعلومات غير موثقة إلا أنها مفيدة جدا”.
حجر قاتل
يؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، ازدياد التوتر في المنازل بسبب الحجر، مما يشكل مشاكل جديدة قد تؤدي إلى ارتفاع حالات العنف خصوصا الأسري من قبل الأزواج أو من بقية أفراد الأسرة.
ويفيد بأن “إغلاق مراكز حقوق المرأة وغياب ممثلين حقوق الإنسان في العراق بالإضافة إلى المعوقات الأخرى للوصول إلى الناجين من العنف، يكون عقبة جديدة أمام الإبلاغ عن حالات عنف التي يتعرضون لها لا سيما النساء”.
خطة إنقاذ
وأضاف صندوق الأمم المتحدة إلى أن “الكتلة الفرعية للعنف الاجتماعي التابعة له، ستقوم بإجراء تقييم سريع لجمع المزيد من المعلومات المؤكدة عن حالات العنف في العراق بحق النساء وإلقاء نظرة عن كثب حول تأثير الفايروس على الإنسان في المدن العراقية”.
وأعلن الصندوق أنه “يعمل مع الجهات المعنية من أجل إقرار قانون مناهضة العنف الأسري في العراق، الذي هو حاليا مع مجلس النواب العراقي”.
بالإضافة إلى ذلك صرح الصندوق أن “تسهيل وصول المعنفات إلى الخطوط الساخنة وتأمين طريقة للسيطرة على هذه الحالات عن بعد وتوفير مستلزمات الصحة الأساسية وخدمات العدالة والخدمات الاجتماعية، وحفظ الأمن بالرغم من إغلاق المحاكم بشكل قسري، أو وجود قضاء لحل مشاكل العنف الاجتماعي، ليس بأمر كاف”.
وأكمل “يجب أيجاد حل شامل للوصول إلى النساء في ابعد الأماكن ليتم إنقاذهن، ويجب تحديث مسارات الإحالة لعكس الوضع الحاضر”.
واختتم صندوق الأمم المتحدة للإسكان في العراق حديثه ملمحا إلى “ازدياد التقارير حول العنف الاجتماعي بعد تفشي وباء كورونا من خلال مخاطبات مفتوحة من قبل مدراء المنطقة لصندوق الإسكان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لغرض تقديم الخدمات المتوفرة وتوفير بدائل لغرض سلامة النساء والفتيات في بيوتهن، وأيضا مساعدة الناجيين في ظل هذه الظروف”.
مأساة
حتى قبل نحو يومين تعرضت امرأة في منطقة الغزالية الواقعة غرب العاصمة بغداد، لعنف مروع على يد شخص تحرش بها وقامت بتوبيخه لكنه رد عليها بانتقام شنيع مستخدما مادة ماء النار، أو النيتريك الكيميائي الذي يذيب الجلد، ويترك تشوها لا أمل في تجميله أبدا مع تدمير للنفس والمستقبل.
وقبلها أقدمت ملاك وهي امرأة تبلغ من العمر 20 عاما، على الانتحار بسكب مادة من مشتقات النفط على جسدها، وإشعال النار بها، إثر خلافات مع زوجها، في محافظة النجف.
وتناقل الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورها مع تسجيل مصور يظهرها ترقد في مستشفى تصرخ ألما، حتى توفيت بعد 10 أيام من الحادث، إثر تسمم نتيجة الحروق.
قصص أخرى، ترفض الأغلبية من النساء، والفتيات البوح بها، تحت ما يسمى “وصمة العار”، و”العيب”، والسمعة السيئة إذ تصف اللواتي يذهبن إلى مراكز الشرطة للشكوى ضد معنفيهن بأنهن سيئات الصيت ولا يحفظن بيوتهن وعلى ما عليهن هو التحمل من أجل الأطفال أو الحصول على الطلاق بعد معاناة طويلة.
ولا يخفى على مواقع التواصل الاجتماعي تفاقم العنف الذي تتعرض له الفتيات والنساء خلال فترة الحظر الوقائي المفروض ضد كورونا، منها قيام رجل بقتل زوجته، وإحراقها في محافظة كربلاء، الأسبوع الماضي، وآخر أقدم على ذبح زوجته وأطفاله في منطقة البلديات المحجورة كليا بكتل كونكريتية، خلال الشهر الجاري، وغيرهم.