الدرونز»… عقوبة إعدام بلا محاكمة
جاء في بيان لوزارة الدفاع البريطانية أن سلاح الجو الملكي البريطاني نفذ عمليتين ضد تنظيم «داعش» في شمال العراق خلال شهر آب/ أغسطس. كلاهما بواسطة طائرة بدون طيار ( درون) من صنف ريبر، موضحا بأن العمليتين هما جزء من مساهمة بريطانيا في التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش» في سوريا والعراق. حيث تقوم الطائرات بشن ضربات على «أهداف إرهابية عند الحاجة». تبين تفاصيل العملية الاولى، أن الدرون تعرف على «إرهابيين عند مدخل كهف لداعش، على بعد 85 ميلاً غرب كركوك. وبقي الدرون يراقب الموقع عن كثب ثم نفذ طاقم الدرون، في 20 آب، هجومًا بصاروخ « هيلفاير» بعد أن تاكد من عدم وجود مدنيين قد يكونون معرضين للخطر. «أصاب الصاروخ الهدف بدقة، ولوحظ أن الانفجار يخرج من جزء آخر من شبكة الكهوف، مما يشير إلى أن تأثير السلاح قد وصل إلى عمق الكهوف».
الملاحظ أن البيان لا يذكر عدد القتلى، تماشيا مع سياسة أمريكا والكيان الصهيوني، في إهمال ذكر الضحايا، أيا كانوا، بل يركز على إثبات دقة تصويب الدرونز، والحرص على سلامة المدنيين، وشرعية وقانونية استخدامه كسلاح للقتل، في بلد، ليس في حالة حرب مع بريطانيا. مما يثيرعدة نقاط مثيرة للجدل. من بينها زعم صناع السلاح ودعاة حرب الطائرات بدون طيار أنها الأسلم بالنسبة الى الجنود، لأنها تقلل من الحاجة الى وجودهم على الأرض وبالتالي تعرضهم للخطر، متعامين عن حقيقة أن ثمن سلامة الجنود في أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني يدفعه المدنيون على الأرض. اذ ليس من الممكن معرفة ما يحدث على الأرض بدقة من على بعد آلاف الأميال. صحيح أنها تسمح للجنرالات والسياسيين بمشاهدة الحرب التي يشنونها على الجانب الآخر من العالم، على الهواء مباشرة، بواسطة شاشة من أي مكان في العالم، والانتشاء لتحقيق «الانتصار» إلا أن هذا لا يعني سلامة المدنيين بل سهولة شن الحروب عن مبعدة. فبينما تدعي بريطانيا، مثلا، أن مدنيًا واحدًا فقط قُتل في آلاف الضربات الجوية والدرونز البريطانية في العراق وسوريا، أعلنت منظمات تسجيل الضحايا والصحافيين عن آلاف القتلى في غارات جوية للتحالف.
وقد عاشت أربعة بلدان هي افغانستان وسوريا وليبيا وغزة جحيم «الأمان» الذي توفره الدرونز، في شهر نوفمبر / تشرين الثاني 2019، حيث قُتل جراء «دقة» استخدامها 41 مدنيا بينهم 11 طفلا. ففي أفغانستان، قُتل 6 قرويين كانوا يرعون الماشية ويجمعون الأخشاب. وفي سوريا تم ضرب مجموعة من خمسة مدنيين كانوا يقطفون القطن، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة خمسة. وفي ليبيا قتل 10 عمال مهاجرين في مصنع بسكويت وبعد عشرة أيام، قُتلت عائلة من العمال المهاجرين النازحين بما في ذلك 6 أطفال مع عاملين يقومان بتوصيل المياه للأسر النازحة. واعترفت قوات الكيان الصهيوني بقتل ثمانية أفراد من عائلة رسمي السواركة ( 45 عاما) في غزة.
وليس صحيحا ما تدعيه البيانات الرسمية بأن استخدام الدرونز، في العراق وبقية الدول، يتم لتوجيه ضربات ضد تنظيم داعش. ففي 12 آب، من العام الماضي مثلا، هاجمت ثلاث طائرات درون تابعة للكيان الصهيوني إحدى قواعد «الحشد الشعبي» في بغداد، ما أدى إلى انفجار 50 طنا من الأسلحة بذريعة ضرب صواريخ إيرانية كانت في طريقها إلى سوريا ولبنان.
هناك عدة منظمات أوروبية وأمريكية مستقلة، تقوم برصد استخدام الدرونز للتجسس والاغتيال وآثارها على حياة المدنيين
الجانب الآخر الأكثر اثارة للجدل هو استخدامها من قبل أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني في عمليات القتل المستهدف، أي القتل العمد مع سبق الإصرار لأفراد مختارين من قبل دولة ليسوا رهن الاحتجاز لديها، كما فعلت أمريكا في باكستان واليمن، ويواصل الكيان الصهيوني استهداف قادة المقاومة الفلسطينية في غزة. واذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو من أصدر تعليمات تنفيذ عملية قتل سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أثناء وجوده بالعراق، بداية كانون الثاني/ يناير 2020، دلالة ازدياد الاعتماد على الدرونز لتنفيذ عمليات الاغتيال الحكومية، فان التوسع الكبير لحرب الدرونز كان قد بدأ في عهد الرئيس باراك أوباما الذي أمر بضربات لـ «مكافحة الإرهاب» ونفذتها وكالة المخابرات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة في البنتاغون، أكثر بعشر مرات من سلفه جورج بوش.
هناك، بالتأكيد، جوانب ايجابية متعددة للتطور التكنولوجي السريع للدرونز، إلا أن الجانب الأكبر الذي نتلقاه في العالم العربي، منذ اختراع الدرونز، هو الاستخدام العسكري القاتل حيث تعيش شعوب لبنان والعراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا، تحت أزيز وصواريخ حرب الدرونز البريطانية والأمريكية والكيان الصهيوني. مما يقودنا إلى التساؤل عن مدى معرفتنا، كشعوب، بهذا السلاح المهيمن، حاليا، على جانب مهم من حياتنا ويوشك، نتيجة تطوره وسياسة الدول المنتجة له وسهولة الادعاء بدقتهس؟ باستثناء عدد من المقالات والمتابعات الصحافية، لم أعثر على موقع عربي متخصص بهذه الآلية التي غيّرت هيكيلية الجيش الأمريكي وشكل الحروب.
الا أن هناك عدة منظمات أوروبية وأمريكية مستقلة، تقوم برصد استخدام الدرونز للتجسس والاغتيال وآثارها على حياة المدنيين. من بينها منظمة Drone wars. وموقعها الالكتروني غني بالمعلومات والوثائق وتحيين المتابعات لكل ما له علاقة بالاستخدام العسكري للدرونز في جميع انحاء العالم، وقد أصدرت المنظمة بمناسبة احتفالية تأسيسها العاشر، كتيبات وتقارير التقارير ورقية متوفرة لمن يرغب. وفي تلخيصه لعمل المنظمة، يقول مدير المنظمة كريس دول «أحد الجوانب الرئيسية لعملنا هو تحدي السرية التي تحيط باستخدام الدرونز»، محذرا من عدم وجود قوانين محلية أو دولية تمنع استخدام الدرونز في عمليات القتل مما سيؤدي الى توفيرها لأي شخص كان يود استهداف مسؤول او قائد متهما اياه بانه إرهابي، خاصة «و أن أي شخص منا معّرض للاتهام بالإرهاب».
المنظمة الاخرى هي «ريبريف» التي تصف برنامج الدرونز القاتلة لوكالة المخابرات الأمريكية المركزية بأنه «عقوبة إعدام بدون محاكمة» معلنة معارضتها للاستخدام غير المشروع للدرونز المسلحة خارج ساحة المعركة في أي مكان في العالم. قائلة «لقد قتل هذا البرنامج أكثر من 4000 شخص، حتى الآن، معظمهم لا يزالون بلا أسماء». بالنسبة الينا، هناك حاجة ملحة للتوعية بنوعية الحرب التي تخاض باسمنا وبتكنولوجيا واستخدامات نتلقى الجانب القاتل منها، ونظرا لغياب أي جهد حكومي في هذا المجال، قد يكون العمل سوية مع المنظمات والنشطاء الفاعلين هو الحل الأفضل، حاليا. ولأن مسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة قد تكون مبادرة ترجمة عمل احد المواقع حلا يجنبنا جهد وتكلفة اعادة اختراع الجاجيك « اللبن بالثوم».
كاتبة من العراق