غادة السمان .
أعادوا من جديد إلقاء الأضواء على جريدة «شارلي ايبدو» الأسبوعية الفرنسية، بمناسبة بدء محاكمة المتهمين بقتل 11 محرراً فيها على يد إسلاميين جرحتهم سخرية تلك الجريدة الكاريكاتورية من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وتركيز سخريتها على المسلمين عامة ونبيهم خاصة، وكانت ردة فعل الأخوين «كواشي» بالقتل، حيث صرعا بالرصاص 11 محرراً في جريدة «شارلي ايبدو» بعد اقتحامهما لها، وكان ذلك عام 2015 . ويومها، تبنت الصحافة الفرنسية شعار «أنا شارلي»، وخرجت تظاهرة مليونية تحت شعار «أنا شارلي»، دلالة على حرية الصحافة الفرنسية في كتابة ما تشاء. من طرفي كتبت يومئذ: «أنا لست شارلي ولست قاتل شارلي»، لأنني لا أميل للقتل كحل لجرحنا كمسلمين أمام ذلك الاستخفاف بسيدنا محمد والديانة الإسلامية، لكن قتل المحررين ورسامي الكاريكاتور في أسبوعية «شارلي ايبدو» ليس الحل، بل بالحوار. فالقتل ينشط موجة «الإسلاموفوبيا»!
وتصادف ذلك أيضاً مع قتل من وُجد في مخزن لبيع الطعام اليهودي في سوبر ماركت (كاشير) وهو الطعام اليهودي (الحلال). وثمة الآن 12 من المتهمين تتم محاكمتهم بتهمة القتل والإرهاب، ولما يصدر الحكم بعد.
«شارلي» استغل المناسبة مالياً!
كما كثير من القراء، اشتريت العدد الذي صدر بمناسبة محاكمة «الأخوين كواشي» 11 (إرهابياً!) مسلماً، كما يدعونهم. وليس فيه، في نظري، ما يستحق القراءة، ولكن لفتني أنهم أعادوا نشر الكاريكاتور الساخر من سيدنا محمد، الذي استفز الأخوين كواشي.
وهكذا اشترى هذا العدد كثير من القراء مثلي و(استغلوا) في صحيفة شارلي مناسبة مصرع 11 محرراً لبيع كثير من النسخ، ونجحوا في ذلك، وقاموا (بتسويق) دم قتلاهم!
لكن جريدة (لوباريزيان) الباريسية الراقية التي غطت المناسبة إعلامياً، ذكرت في عددها 23640 أن مبيعات جريدة «شارلي ايبدو» هبطت كثيراً في الأعوام الأخيرة بعد مرور الزمن على التظاهرة تحت شعار «أنا شارلي» حتى كادت لا تغطي نفقات إصدارها.
هل حرية القول مصونة حقاً؟
ليس صحيحاً أن بوسع المرء أن يرسم أي كاريكاتور يحلو له (حتى ولو كان يهين سيدنا محمد والمسلمين). ثمة خط أحمر ضد أي كلمة أو كاريكاتور عن «غرف الغاز» الهتلرية التي قُتل فيها كثير من اليهود. وهو موضوع لم نر أي كاريكاتور حوله في «شارلي ايبدو» أو سواها، ولا يجرؤ حتى السياسي الفرنسي في الحديث عنها. وأذكر مرة أن جان ماري لوبان، والد المرشحة للرئاسة الفرنسية التي ورثت عنه قيادة حزبه (بالإرغام) مارين لوبن، قال إن أرقام اليهود الذين قتلوا في غرف الغاز الهتلرية مبالغ به. فأقيمت القيامة عليه، فهذا الموضوع خط أحمر، ولم تقم (شارلي ايبدو) أو سواها بالسخرية من غرف الغاز مثلاً. فلماذا يحق لمن يشاء السخرية من الإسلام ونبيهم، ولا يحق لأحد قول كلمة أو رسم كاريكاتور حول «غرف الغاز» الهتلرية؟
الرئيس ترامب: فضح الأسرار العائلية!
ماري ترامب، ابنة شقيق رئيس U.S.A السيد ترامب، أصدرت كتاباً حوله بيع منه في الأسبوع الأول لصدوره مليون نسخة في المكتبات الأمريكية، عنوانه «لديه الكثير، ولا يكفيه شيء أبداً»، وعلى غلافه صورة (عمها) ترامب شاباً صغيراً. وتصف فيه عمها ترامب بأنه كذاب وأناني وعاشق لنفسه لأنه تخلى عن شقيقه مدمن الخمرة واسمه فرِد ترامب، الذي مات بذبحة قلبية عام 1981 وكان عمره 42 سنة، كما قطع المساعدة المالية عن ابن شقيقه المريض ويليام. وهذه الحقائق كلها لا تدهشنا كعرب عمن أهدى القدس إلى إسرائيل ونقل سفارة دولته إليها.
فالرئيس ترامب لم يبال بأسرته فحسب، بل أساء إلى الشعب الفلسطيني كله. وبوسع أسرته أن تغفر له استخفافه بهمومها، أما كعرب، فمن الصعب أن نغفر له قصة (حبه) مع نتنياهو، وكلما صلى عربي في «المسجد الأقصى» المستباح فقد يدعو عليه!
الرئيس سعد الحريري وكهرباء بيروت!
في زيارة لي إلى بيروت، أسعدني سماع صوت الرئيس الحريري وهو يقول إنه سيعيد التيار الكهربائي إلى بيروت بعد عام.
وهكذا سجلت التاريخ في دفتري الصغير وقررت العودة إلى بيروت في ذلك التاريخ. ولكن الوعد لم يتحقق للأسف، واستقال الرئيس الحريري، وحــــدث الانفجــار الرهــــيب في المرفــــأ، ناهيك عن وباء كوفيد 19، وتهدمت بيوت 300 ألف مواطن لبناني، وقتل حوالي 200 تحت الركام وثمة آلاف الجرحى.. ولم تعد الأولوية للحديث عن إعادة المال الذي أودعه الناس في البنوك إليهم، وإعادة دورة الحياة والاعتبار المالي إلى لبنان في العالم الاقتصادي.
من سيكون «بطل لبنان»؟
وعلى الرغم من كل ما تقدم من كوارث، سيظل «بطل لبنان» وشخصيته الأولى المفضلة هو من سيعيد إلى الناس كلهم التيار الكهربائي. فالهموم والكوارث في ضوء الكهرباء ليلاً أقل إيلاماً منها في عتمة الظلام.
ترى مَن سينجح في إعادة الضوء إلى بيوت الناس الذين لا يملكون المال للاشتراك في مافيا المولدات الكهربائية، وما زالوا يتحملون ضوء الشمعة في القرن 21 !
حين أعود من بيروت إلى باريس وأضغط على زر فيسطع الضوء، أعرف أكثر من أي فرنسي قيمة تلك النعمة.
أعيش في باريس منذ 36 عاماً ونيف، ولم ينقطع مرة التيار الكهربائي عني، ولكن ماذا ينقصنا كلبنانيين لننعم بهذا الاختراع القديم المسمى بالكهرباء؟.. أعتقد أن من ينجح في قمع مافيا استغلال الناس لحاجتهم إلى الكهرباء، سواء في البواخر أو في معامل محلية أو على أي نحو ما، هذا السياسي الذي يعيد الكهرباء إلى لبنان.. سيصير «بطل لبنان» الحقيقي؛ لأنه سيقدم خدمة لباقي مواطني بلده. فمن الذي سينجح في ذلك؟