التجاوز على الحدود تعدي على السيادة
زهير كاظم عبود
تشكل سيادة الدول سيطرتها الكاملة داخليا على المساحة الجغرافية التي تقيم عليها ، وقانونيا وفق مباديء القانون الدولي شروطا أساسية للأستقلال ، وتعني بسط النفوذ الكامل لسلطة الدولة والالتزام بحقوقها القانونية ، ولهذا تؤكد دساتير الدول على الاستقلالية وشكل النظام القائم ، والعراق من بين الدول التي تؤكد ذلك ، ويلتزم بمراعاة حسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاخرى ، وان يقيم علاقاته مع الدول الاخرى على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل .
وتقع على عاتق العراق التزامات دولية يتم احترامها والتقيد حرفيا بما نصت عليه ، وهذه الالتزامات تقع ايضا على دول الجوار بما يقع عليها من التزامات ومصالح مشتركة مع العراق وأحتراما لمواثيق العهد الدولي ولائحة حقوق الإنسان .
غير ان ما يتم تغييبه عن المختصين بالشأن القانوني في العراق وجود اتفاقيات ( سرية ) بين العراق وبين دول الجوار ومنها الجارة تركيا ، وفي زمن الدكتاتورية تم عقد عدد من هذه الاتفاقيات التي تخرق سيادة الدولة وتتعدى على الاستقلالية ، حيث ترجع تركيا إلى اتفاق قديم، أبرمته مع سلطة صدام حسين، للتوغل عسكريا وجويا، تحت ذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، لتسفر عن ضحايا من المواطنين العراقيين بالعشرات شهرياً…دون ان يتم نشر تلك الاتفاقية في جريدة الوقائع العراقية .
ومع نهاية حقبة النظام الدكتاتوري بقيت تلك الاتفاقية نافذة لم يتم تغييرها او ايقاف العمل بها ، ووصل الأمر أن يتم التجاوز على المسافة المحددة في تلك الاتفاقية المخلة بالسيادة ، وأن يصل الأمر الى بناء قواعد عسكرية ثابتة على الأراضي العراقية ، والجانب التركي يتحجج بأنه وسع من مسافة التجاوز مع النظام الجديد ، ولم نسمع او نلمس أي تكذيب او تبرير لهذه التجاوزات ، وتكررت تلك التجاوزات المتمثلة باستخدام القوة والقصف الجوي من الجانب التركي بزعم ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وفي كل مرة فأن الضحايا دائما هم من أهالي المنطقة من إقليم كردستان العراق .
واذا كان صدام يبرم الاتفاقيات التي تهدر كرامة وسيادة العراق من اجل المحافظة على كرسي السلطة فما مبرر السلطة الجديدة التي تزعم انها تتمسك بالسيادة والاستقلال والدستور ؟
لم نلمس أي اكتراث او اهتمام بالتضحيات والخسائر الناجمة جراء تلك العمليات العسكرية ، حيث يتم قتل المدنيين وتشريد أهالي المنطقة من الفلاحين والفقراء ، وتهديم بيوتهم وحرق مزارعهم ، دون ان نجد سوى عبارات الاستنكار والشجب التي لا تعيد الحياة ولا تجلب الأمان والخبز للناس .
للأسف لم توضح الحكومة الاتحادية ولا حكومة اقليم كردستان عن حقيقة وجود تلك المعاهدات التي يرفضها الشعب ، والتي تخالف الدستور ومفهوم السيادة ومبدأ عدم التجاوز على الدول ونبذ سياسة التعدي وألأعتداء والاحتلال ، وحري بمجلسي النواب في بغداد واربيل أن يوضحا بشفافية وصدق صحة التنازلات والاتفاقيات التي تم إبرامها مع الجانب التركي وأسباب ذلك .
أن ملاحقة عناصر سياسية مناوئة لدولة ما خارج حدودها لايمنحها الشرعية والمنطق الذي يسمح لها بالملاحقة ، وكل جريمة تقع فوق الأراضي العراقية تكون من اختصاص القضاء العراقي التحقيق فيها والمحاكمة ، مثلما ان كل ملاحقة او جريمة تقع فوق الأراضي التركية تكون من اختصاص السلطات التركية .
لم يكن الاعتداء السافر الذي نفذته الفوات التركية الواسع وعلى مناطق متعددة في محافظة دهوك الاعتداء الأول ولا الأخير ، حيث سبق وان وقعت مثل هذه الاعتداءات القاسية على مواطنين عراقيين مدنيين وآمنين خسروا فيها أرواحهم وبيوتهم واستقرارهم دون ان يجدوا من يدفع عنهم هذا الاعتداء ، وغالبا ما يقع الاعتداء العسكري بالقصف المدفعي مصحوبا بقصف جوي من طائرات عسكرية تركية تخترق الأجواء العراقية ، والأمعان بأصرار على عدم احترام السيادة العراقية والاستهانة بحق العراق وانتهاكا للقانون الدولي والمعاهدات الدولية .
ان تقديم شكوى الى الأمم المتحدة يعد طريقا قانونيا لإيقاف التعنت والتجاوز الذي يتكرر من الجانب التركي ، بالإضافة الى ايقاف الاستيراد وهو يشكل عصب ومورد كبير للدولة التركية وهي تعيش اليوم أسوء مراحلها الاقتصادية .
ولايمكن ان يتم السكوت عن جملة الاعتداءات التي تكررت من الجانب التركي ، وان نولي أهمية كبيرة لإيقاف هذه التجاوزات وإنهاء كل أشكال التواجد العسكري والأستخباري التركي فوق الأراضي العراقية ، وان تكون أصوات الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات المعنية من المجتمع المدني أول المهتمين عن هذا الجانب والمدافعين عن سيادة واستقلال وكرامة العراق .