استيزار المرأة في العراق وأفغانستان… هل هذا هو السؤال؟
في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين، وأجهزة الإعلام الرسمية في الغرب، عموما، إستنكارا لعدم إستيزار المرأة الأفغانية في حكومة طالبان، التي تم تشكيلها مؤخرا، وعدم تخصيص نسبة تمثيل سياسي لها، في أي موقع آخر، تعيش المرأة العراقية المُغّيبة مثل نظيرتها الأفغانية، في ظل صمت مطبق من قبل ذات الجهات. وإذا كانت حركة طالبان معروفة، بموقفها من المرأة، وهناك خوف عام من عدم تغير موقفها، حاليا، على الرغم من تصريحاتها، فان محنة المرأة العراقية أكبر وأعمق من ذلك. فهي، تعيش، منذ إحتلال العراق، بقيادة أمريكا في عام 2003، تراجعا مستمرا في ذات الحقوق التي يُفترض من حركة طالبان تطبيقها بعد توليها الحكم. وهي حقوق لا خلاف إطلاقا حول وجوب أن تتمتع بها المرأة. فمن المُسّلمات أن حقوق المرأة هي حقوق الإنسان، وضمانها مسؤولية أخلاقية وقانونية، في عالم يُفترض فيه العمل على تطبيق حقوق الإنسان، في جميع البلدان، في أرجاء العالم، بلا تمييز.
إلا أن تجربة 18 عاما في العراق، تجعل من الصعب على أي متابع لوضع المرأة، ناهيك عن المرأة نفسها، ألا يقارن بين التصريحات والممارسات الفعلية على الأرض، فيما يخص مدى تطبيق حقوق الإنسان، خاصة المرأة. ومن الصعب ألا يخلُص المرء إلى الضرر الكبير الذي تسببه سياسة إزدواجية المعايير التي تمارسها أمريكا وبريطانيا، خاصة، تجاه قضية المرأة في البلدان المحتلة، وبعد أن بات مفهوم « حقوق الإنسان» مرتبطا بالغرب، واستغلال ما تتعرض له المرأة، كورقة لعب سياسي لفترة معينة، سرعان ما تنتهي حال إنتفاء الحاجة اليها، لتنتهي المرأة كخاسرة أولى، في كافة المجالات من التعليم والصحة إلى العمل وحرية الحركة إلى المساواة في التمثيل السياسي، بكافة المستويات، كما يبين حال المرأة العراقية بوضوح شديد. وإذا كانت خسارة العراقيين، نساء ورجالا، فادحة في سنوات الاحتلال، جراء التخريب المنهجي المتبدي بالطائفية والفساد والاعتقالات والقتل وانتشار الأرهاب بكافة أنواعه، فأن خسارة المرأة مضاعفة لأنها باتت المعيل الأول للعائلة، في بلد تحتد فيه المنافسة على العمل، حسب المحاصصة الطائفية والحزبية، مما أبعدها عن النضال العام.
ويقودنا الجدل الدائر حول عدم إستيزار نساء أفغانيات، إلى متابعة سيرورة إستيزار المرأة العراقية وتفكيك إدعاءات « تحرير» المرأة والوعود المبذولة لها بالأطنان عن المساواة، في ظل العملية السياسية التي أسسها الاحتلال، والتزمت بها الحكومات العراقية المتعاقبة. حيث تميزت الفترة التي تلت الغزو، مباشرة، بنشاط «نسوة استعماريات» اخترن أن يكن وجها للاحتلال بخطاب غالبا ما يستبدل أو يعارض القضايا الوطنية والاجتماعية والطبقية الأساسية، بقضايا التمايزات الأخرى مما أنتج نخبة تحترف العمل «النسوي» على حساب النشاطات النسائية والنضال الشعبي المتنامي عضويا من داخل المجتمع نفسه. وما يجعل وضع المرأة العراقية نموذجا لتفكيك إدعاءات تحسين مشاركتها السياسية مقابل حرمان الأفغانية أن العراق « شريك» لأمريكا حسب «اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية العراق».
هل استيزار المرأة، كما يُطرح عالميا ومحليا، أحيانا، هو الحل لوضع المرأة المتدهور، تعرضها للعنف، وحرمانها من حقوقها الأساسية في التعليم والصحة والعمل؟
وحسب بيان للادارة الأمريكية في نيسان/ أبريل من العام الحالي « جدّد الجانبان التأكيد على علاقتهما الثنائية الوطيدة، والتي تعود بالنفع على الشعبين الأمريكي والعراقي. في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة والبيئة، والمسائل السياسية، والعلاقات الثقافية». مع ملاحظة تفادي ذكر حقوق الإنسان، خاصة المرأة التي أستخدمت قضيتها لتسويق الغزو، لتُركن جانبا ولم يعد وجودها في الحكومة ومراكز اتخاذ القرار السياسي، أمرا يستدعي الاهتمام.
بالنسبة الى عدد الوزيرات، ضمت الحكومة الانتقالية برئاسة إياد علاوي (2004 ـ 2005) ست وزيرات. لينخفض العدد تدريجيا، حتى اختفى تماما، في حكومة عادل عبد المهدي، في عام 2018. وكان عبد المهدي قد أُجبِر على الاستقالة تحت ضغوط المتظاهرين في إنتفاضة تشرين/ أكتوبر 2019 التي ساهمت فيها المرأة بقوة أعادت الأمل بإستعادة المرأة موقعها الطبيعي في النضال الشعبي العام. وكانت وزارة المرأة قد ألغيت في حكومة حيدر العبادي (2014 ـ 2018). أما الحكومة الحالية، برئاسة مصطفى الكاظمي، فتضم وزيرة واحدة من أصل 22 وزارة. وإذا اضفنا الى الإقصاء الوزاري، فرض رجال الدين السياسي تفسيراتهم الطائفية المتماشية لا مع التدين كمعتقد شخصي، بل مع سياسة الأحزاب المتبنية لهم، وغالبا ميليشياتها، على عضوات البرلمان والمرأة عموما، لوجدنا أنفسنا أمام تساؤلات لم تفقد أهميتها رغم قدمها.
هل استيزار المرأة، كما يُطرح عالميا ومحليا، أحيانا، هو الحل لوضع المرأة المتدهور، تعرضها للعنف، وحرمانها من حقوقها الأساسية في التعليم والصحة والعمل؟ كيف يمكن الفصل بين العنف الشخصي والعام حيث تختلط العائلة، والعشيرة، والتقاليد المجتمعية بعنف الدولة والميليشيات والمنظمات الإرهابية؟ كيف الفصل ما بين الخاص والعام ؟ وما هو الفرق بين الوزير والوزيرة اذا كانت العملة اليومية المتداولة، سياسيا ومجتمعيا، هي الفساد بأنواعه المتمثل بالاحزاب التي ينتمون اليها؟ وهل يكفي الحصول على المناصب وترداد الشعارات، بدون الأصغاء الى أصوات النساء على الارض، وعزل النضال النسوي عن الشعبي التحرري العام، لمسح الحيف الذي تتعرض له المرأة؟ ان متابعة نضال المرأة العراقية والفلسطينية وكل البلدان التي عاشت أو تعيش الاحتلال والهيمنة الامبريالية تبين ان تجربة المرأة في بيئتها، ونضالها العضوي المشترك مع الرجل لترسيخ حق المواطنة، قد يحمل الإجابة على عديد التساؤلات، كما تُذكرنا الأكاديمية الأيرانية إلهي روستامي بوفي في دراسة لها عن مقاومة النساء الأفغانيات ونضالهن في أفغانستان ومجتمع الشتات، قائلة : « مع استمرار العنف ضد النساء والتمييز الجنسي وعلاقات الجندر التقليدية، تبنت الدول العظمى والمؤسسات المالية والعسكرية لغة النسوية وخطابها. وقد أُعيد تعريف هذه المفاهيم لتعني ان الغرب، وبالاخص الولايات المتحدة، متحضر، بينما الثقافات الأخرى تقع على هامش البربرية. جرى التلاعب بهذه المسائل بنجاح منقطع النظير، لتبرير الحرب والسيطرة الامبريالية».