سوريون وعرب يودعون آخر مطربي الزمن الجميل… وقصة من عجمان تشكل ذاكرتنا من جديد
لم يكن رحيل «شيخ الكار» و «الأستاذ» صباح فخري بالأمس مجرد رحيل لمطرب سوري واسع الشهرة عربياً وعالميا، لكنه كان أيضاً فاجعة خلفت حزناً عميقاً في نفوس محبيه على مساحة الوطن العربي.
لقد شكلت أغانيه الوجدان الفني لأجيال عربية متعاقبة. حتى أن قناة الحرة الأمريكية وصفته «أبو كلثوم» السوري في إشارة إلى مكانة «الأسطورة» الست أم كلثوم في نفوس المصريين والعرب.
هكذا ترك «المؤذن» في دائرة أوقاف حلب إرثاً فنياً غنياً من موشحات ومقامات وقدود حلبية.
تميز صباح فخري بصوته وأدائه الفريد على خشبة المسرح. فقد أحيا أولى حفلاته في عام 1948 في القصر الرئاسي في دمشق في زمن الرئيس شكري القوتلي.
دخل اسم صباح فخري – كما جاء في العديد من المواقع الإلكترونية – موسوعة غينيس للأرقام القياسية، عندما غنى في عاصمة فنزويلا كاراكاس لمدة عشر ساعات متواصلة دون توقف في عام 1968.
كما ورد اسمه في موسوعة ميكروسوفت «أنكرتا» بصفته رمزا من رموز الغناء العربي الشّرقي الأصيل.
وتميز «أمير الطرب» بقدرته على الحفاظ على تفاعل جمهوره معه أثناء الغناء على المسرح لساعات طويلة. قال في مناسبات عديدة إن تفاعل جمهوره معه، يلعب دوراً مهماً في إبداعه.
على صفحات الـ«سيوشال ميديا» نجح السوريون لأول مرة في الفصل بين الفن والسياسة.
فقد عبر أنصار الثورة السورية عن عميق حزنهم على رحيل «شيخ الطرب» كذلك فعل الموالون للنظام.
جاء في تغريدة للسيناريست السورية ريما فليحان: «رحيل قامة فنية سورية كبيرة وعلامة فارقة في تاريخ الطرب الأصيل. رحيل صباح فخري الذي ملأ ملايين القلوب بالطرب والبهجة بصوته العذب».
أما الممثل الموالي لنظام الأسد عباس النوري فقد كتب على صفحته في فيسبوك: البقاء لله والله مُختصر ْالقيّمْ / رأيته وأراه كبقيةٍ من رجال نهضة رحلو في حلب/ ليس صوتاً فقط . كان حالة من الإستلهام المثمر البديع لكل من أبدع في حضرة شيوخ الثقافة والغناء والإنشاد ثم الطرب في حلب/ قرأت كلمات ما غنّاه قبل أن أطرب له/ والعشق باقٍ لصباح ٍ جديد في حلب/ صباح فخري… لا زلت فينا وفي السماء.. كل الرحمة.
وكتب المخرج السوري المعارض لنظام الأسد هيثم حقي على صفحته: «وداعاً صباح فخري وداعاً أبو محمد.. رغم الرحيل ستبقى صوت حلب الذي يصدح في كل مناسباتنا وكل سهراتنا وفي كل بقاع بلادنا.. وعندما سيذكر الطرب سيذكرك الملايين وأنت تنثر البهجة والجمال قدوداً ومواويل .. وسندور ونحن نسمعك ونستمتع برقصتك المميزة.. وداعاً للغياب وبقاء للحضور الدائم بصوتك الذي عشقه الملايين ومنحهم لحظات لا تنسى من نشوة الطرب الأصيل .. وهاهي حلب تنعيك جسداً وتستعيد أغانيك.. وأكاد أراك وأسمعك في كل بيت من بلدنا الحزين الذي منحته من جديد بغيابك لحظة حب وجمال وطرب».
عربياً، كتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج: «غيب الموت نهار اليوم، الفنان العظيم صباح فخري الذي جعلنا صوته نحب أنفسنا ونحب تاريخنا الإنساني الحي، ونقتنع بأن في الحياة ما يهز جمالنا المدفون تحت الرماد والهزائم والأقدار التي فرضوها علينا».
لقد فقدنا الجزء الأهم من بقايا الزمن الجميل. لروحك الرحمة والسلام أيها الخالد دوماً فينا. أنت لم تمت إلا قليلاً لأنك هنا، في الأعماق، حيث لا قوة تسرقك منا، ولا حتى الموت».
أما الموسيقار العراقي نصير شمه فغرد بالقول: العملاق صباح فخري قال لنا وداعاً. ولأننا دائما نكتب قصص البطولات فلقد كتبته مخيلتي بطلا لا يموت».
ورثته أيضاً الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي بقولها: «رحل صباح فخري سيّد الطرب الأصيل ، وآخر مطربيّ الزمن الجميل، الصوت الذي رافق مشاعرنا و بهجتنا وأشجاننا متربّعا على عرش فن الغناء والقدود الحلبية.. به ينتهي زمن كبار سادة الطرب».
هكذا إذا يودعنا صباح فخري، لكنه سيكون ضيف أمسياتنا التي لن تكتمل بدون أغنياته الخالدة فينا: «مالك يا حلوة مالك» و«خمرة الحب اسقينيها» و«يا طيرة طيري» و«قدك المياس» و«يا مال الشام» و«أنا في سكرين من خمر وعين» وموشحات «يا شادي الألحان» و«ابعتلي جواب».
ما من كلام يقال في غياب كهذا سوى: أحر العزاء لحلب الجريحة.
ضوء في آخر النفق
كثرة الأحزان والمصائب التي تلتف حول عالمنا العربي أفقدتنا القدرة على الأحلام. لقد قزّمتنا المآسي وأنستنا طعم الفرح.
بتنا لا نصدق أن هناك غداً أفضل ولا نتأمل في شيء. نعيش لنعد أياماً متشابهة في سوادها.
لكن تأتي قصة ما لتعيد تشكيل ذاكرتنا من جديد. فتستفيق بعض الحواس التي كانت تغفو في داخلنا.
نتذكر أن هناك أملا لا يموت وبأن الأحلام ما زالت ممكنة.
لقد انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي قصة رجل سوري يقيم في إمارة عجمان في الإمارات العربية ويعمل في مطعم بدخل سيىء جداً ولساعات طويلة على أمل أن يتمكن من إحضار زوجته التي ما زالت تسكن في سوريا ولم يرها منذ أكثر من سبع سنوات إلى الإمارات.
لم يستطع جمع ثمن إصدار الفيزا، فلجأ إلى شرطة عجمان يستسمح المسؤول بإصدار الفيزا بسعر أقل نتيجة سوء وضعه المادي والصحي.
لم يمر أسبوع على زيارته للمركز حتى تلقى اتصالاً من الشرطة تطلب منه عدم التحرك من مكانه وبأنها في طريقها إليه. خاف الرجل خوفاً شديداً.. وبدأ يتخبط وهو يفكر في كل الاحتمالات التي قد تدفع رجال الأمن لزيارته.
وسرعان ما وصلت ثلاث سيارات شرطة وأخذته من مكان عمله باتجاه المطار. حزن الرجل لأنه لم يكن يرغب بالعودة إلى سوريا ولم يفهم سبب ترحيله فهو لم يطلب سوى الرحمة.
لكنه تفاجأ بوقوف السيارات أمام باب الطائرة الآتية من دمشق. ولم تكن إلا ثوان معدودة حتى رأى زوجته تنزل منها. لقد قامت السفارة الإماراتية بحجز تذاكر الطائرة وإصدار الفيزا في دمشق.
وفي طريق العودة إلى البيت وهو في عز فرحته يتصل به حاكم إمارة عجمان شخصياً ليهنئه بوصول زوجته ويخبره بأنه تعين في مقر ديوان إمارة عجمان وبمرتب كبير.
نعم النهايات السعيدة ما زالت ممكنة. وهناك ضوء لا يخفت أبداً مهما طال الوجع.