برلماني يحرك سيبويه في قبره … وتلفزيونات الجزائر تتجادل حول المغرب!
«والله إن سيبويه كان يتملل في قبره» جملة علّق بها السياسي والجامعي المغربي عبد الرحيم بوعيدة على النائب البرلماني هشام أيت منا الذي شوهد عبر القنوات التلفزيونية والإلكترونية، وهو يجعل من اللغة العربية مسخرة أمام الناس: تأتأة وتمتمة وتهج وقلب للكلمات وتشويه لمعانيها وتفوه بمفردات غامضة… حدث هذا خلال اليوم العالمي للغة الضاد، فكان ذلك احتفالا مخزيا بها تحت قبة البرلمان المغربي!
هذه الواقعة عكست المستوى الحقيقي لعدد من البرلمانيين المغاربة الذين يجهلون لغة بلادهم، وحين يتحدثون بها يظهرون كما لو أنهم تلاميذ في الأقسام الابتدائية الأولى.
على أن المسألة تتعدى الاستهتار باللغة الرسمية المقررة دستوريا وبالناطقين بها، لتصل إلى مستوى العمل التشريعي في البرلمان. فكيف يُنتظر من أولئك البرلمانيين أن يسهموا في إثراء السياسات العمومية وفي مساءلة الحكومة، وهم يجهلون اللسان الذي يعدّ حامل خطابات ومضامين ومواقف؟ والحالة هذه، هل يكون بمقدورهم أن يفهموا، قبل أن يناقشوا، مشاريع المراسيم والقوانين ذات الانعكاس المباشر على المواطنين وعلى الدينامية الاقتصادية والإدارية والاجتماعية؟
لطالما شنّفت أحزاب الأغلبية الثلاثة في المغرب أسماعنا بأنها ستستقطب «الكفاءات» إلى البرلمان والحكومة، فكانت المحصلة برلمانيين أميين أو شبه أميين، ووزراء هبطوا بالمظلات في فضاء يجهلون كيفية التواصل معه بلسان أهله!
الوزير الذي نسي أنه محام!
… وعاش المغاربة حتى رأوا كيف تحوّل محام مغربي إلى خصم لزملائه، بعدما آل إليه كرسي الوزارة، ولم يجد مَن يذكّره بالمقولة المأثورة «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك».
إنه وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الذي استأسد على المحامين المحتجّين على فرض جواز التطعيم شرطًا لولوج المحاكم، واعتبروه مخالفًا للدستور والمواثيق الدولية.
ونقلت الكاميرا مشهد الوزير، وهو يرغي ويزبد في البرلمان، ويحاول أن يجعل من زملائه أصحاب البذلة السوداء كما لو أنهم «خوارج» شذّوا عن السياق العام الذي توجد فيه الدولة المغربية منذ حوالي 12 قرنا «وهي دولة لم يزعزعها ولن يزعزعها أي أحد» وفق تعبير الوزير… لكن، لم يقل لنا معاليه، هل احتجاجات المحامين السلمية والحضارية يمكن أن تؤدي لا قدر الله إلى زعزعة الدولة؟
كل ما يطلبه المحامون ومعهم المواطنون المغاربة كافة هو أن تفسّر لهم الحكومة الموقرة هذه المعادلة الملتبسة: التطعيم ضد فيروس «كورونا» اختياري؛ جواز التطعيم إجباري… «وكفى الله المؤمنين القتال». القتال هنا مجازي بالطبع.
ملاكم في البرلمان الأردني!
أما في الأردن، فقد كان القتال حقيقيا لا مجازيا، حيث بدا النواب وقد جعلوا من البرلمان حلبة للملاكمة والمصارعة، وأحصى مدوّنون عدد اللكمات التي وجهها نائب برلماني إلى بعض زملائه، حيث بلغت ثماني لكمات، عدا عن الصفعات والركلات الطائشة وغيرها من وسائل الدفاع والهجوم والقتال، ليكون النائب الملاكم بطل 2021، وفق تعبير أحد المغردين الأردنيين. كما استحق بذلك أن يحتل موضوع الساعة في برنامج «ترندينغ» على «بي بي سي عربية» وفي غيرها من البرامج والنشرات الإخبارية لمجموعة من القنوات العالمية، فضلا عن مئات التعليقات الساخرة. أما البطل المعني ففسّر عنتريته بكونها «غضبة لله» بعد قيام نائب بشتم الذات الإلهية وشتم الأعراض.
المناوشات بدأت حين طُرح اقتراح يقضي بتضمين كلمة «الأردنيات» في تعديلات دستورية تتحدث عن «حقوق الأردنيين وواجباتهم». لكن، سرعان ما تحولت جلسة البرلمان إلى «ريمونتادا» تاريخية، حسب وصف أحدهم، على غرار ما يقع في المباريات الرياضية، حيث يعود فريق ما إلى منازلة خصمه، فيلحق به انتصارا كاسحا، بعدما يكون قد تلقى هزيمة نكراء منه.
وانقلب السحر على الساحر!
القنوات التلفزيونية الجزائرية غضّت الطرف عن قضايا المواطنين والمواطنات، وصار كل همّها التركيز على خريطة الوطن العربي التي أثيرت الزوبعة بشأنها.
القصة بدأت حين تحدث الإعلام المغربي عن كون جامعة الدول العربية اعتمدت خريطة لا حدود فيها بين الأقطار العربية، ولم تضع خطوطا تفصل المغرب عن صحرائه، وأوصت الجامعة كل المنظمات التابعة لها باعتماد الخريطة نفسها في جميع نشاطاتها.
القنوات الجزائرية اعتبرت نفسها معنية بالموضوع، رغم أن الأمر لا يتعلق بحدود بلادها، بل بنزاع مفتعل حول الصحراء المغربية، فكلّفت نفسها بالرد نيابة عن جبهة «البوليساريو» التي تتخذ من بلدة تندوف الجزائرية مقرا لها ولآلاف اللاجئين الصحراويين.
الطريف في الأمر أن إحدى القنوات الجزائرية سعت إلى الاستعانة بعمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، أملا في تأكيد أطروحتها، لكن السحر انقلب على الساحر!
ماذا قال عمرو موسى؟ قال حرفيا: «هناك خريطة معروفة تاريخيا لدى الجامعة، ليس فيها حدود بين الدول العربية. وهذا هو موقف الجامعة التي كانت قائمة على فكرة الوحدة العربية وما يستدعيه ذلك من تضامن وتعاون وتكامل».
يُستنتج من كلام موسى أمران: أولهما، تفنيد أطروحة تزعم وجود دولة اسمها «الجمهورية الصحراوية» فالدول الأعضاء في الجامعة هي التي تشير إليها أعلامها على الخريطة.
والأمر الثاني تأكيد الأمين العام السابق على فكرة الوحدة التي هي أساس وجود الجامعة العربية وهدفها المركزي، وهي فكرة تتعارض مع خلق كيانات وهمية داخل الدول العربية، وتقسيم هذه الأخيرة إلى دويلات صغيرة. وأي مؤمن بالفكر القومي والعروبي لا يمكن إلا أن يكون ضد دعاة الانفصال والتقسيم.
لمن تتبع الصحراء؟
المثير للانتباه هو التناقض الصارخ الذي وقع فيه كاتب وإعلامي جزائري استضافته قناة «الحوار» للتعليق على قضية الخريطة، فقال إنه سبق له أن زار الصحراء الغربية، وخرج باستنتاج مفاده أن الناس القاطنين في الخيام مع إبلهم وماشيتهم يقولون إنهم صحراويون ملكيون ويؤمنون بانتماء الصحراء إلى المملكة المغربية، لكن في المدن توجد وجهة نظر مختلفة، حيث يقول الشباب هناك (والعهدة عليه) إذا لم تكن الصحراء مستقلة، فعلى الأقل نكون تابعين للجزائر! (أقلت للجزائر؟) ثم يضيف كلاما آخر: «حين تتأمل في العادات والتقاليد واللباس… تجد هذه أراض من بلاد شنقيط.»
«بشويش بشويش» كما يقول إخواننا الكرام في الشام! حدد لنا يا رجل، بالضبط لأي جهة يتبع الصحراويون، في تقديرك الشخصي؟ هل للمغرب؟ أم للجزائر؟ أم لموريتانيا؟ أم لجبهة البوليساريو؟
الجواب جاء في الحلقة الأخيرة من برنامج «نقاش على المباشر» الذي تبثه قناة «النهار» إذ تساءل أحد الضيوف قائلا «لماذا نتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب ونريد أن نقسم هذا البلد؟» أما ضيف آخر، فوجّه انتقادات للدولة الجزائرية بخصوص ما يجري في سوريا، إذ تساءل: كيف لا تقف مع الشعب السوري ولا تنتقد بشار الأسد؟ واستطرد قائلا «ما دامت الدولة الجزائرية هي التي تقدّم النصائح، فكان الأولى بها أن تنصح النظام القائم في سوريا بأن يكفّ عن قتل النساء والأطفال والمدنيين العزل» ليؤكد أن براميل النظام هي التي تسببت في هجرة ملايين السوريين من بلادهم.
كلام لم يتبخر في الهواء، بل وثقته مواقع الفيديو شاهدا على مرحلة، اختلط فيها الحابل بالنابل!
عام سعيد، وكل عام وأنتم بخير.
كاتب من المغرب