في لبنان: البؤس برعاية رسميّة … ورياضيّ جزائريّ يدفع ثمن تعاطفه مع فلسطين
لبنان بلد منكوب اقتصادياً سياسياً واجتماعياً. مهزوم على كافة المستويات وبكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم يبق منه سوى بعض الذكريات العابرة التي يعيش على أطلالها مواطنه، علها تصبرهم على قرف الحاضر.
لبناننا «الأخضر» يُحتضر :
فساد وطمع وسرقة. لا مياه ولا كهرباء ولا أدوية. حتى علاج مرضى السرطان غير متوفر. ولا حتى مسكنات تخفف آلامهم!
يصرخون من شدة الوجع ولا أحد يكترث لهم.
فسياسيّونا مشغولون فقط بعقد صفقات السرقات المربحة، وشن الحملات الانتخابية، متمسكين وبكل وقاحة بكراسيهم!
أما جوع الناس وآلامهم وأحلامهم المهدورة فهي لا تعنيهم بشيء لا من قريب ولا من بعيد. فكيف لهم أن يتأثروا إن فرغت المطاحن؟ أو إن كانت كمية القمح المتوفرة في المخازن تكفي لشهر واحد أو يوم أو حتى ساعة واحدة؟!
كله يهون ما دامت بطونهم الكبيرة متخمة بالطعام والمال وتكاد تنفجر من شدة الجشع!
ويا ليتها تنفجر وتريحنا، بدلاً من سلسلة الانفجارات الكارثية التي تلقي بشبحها المخيف فوق هذا البلد، من مصيبة مرفأ بيروت، وصولاً لمصيبة أخرى ضخمة تهز بلدة بنعفول في قضاء صيدا ليلة أمس. هكذا يعيش الموطينون حلقة جديدة من الرعب والدمار واللهيب والموت.
فوق هذا كله، تعود أيضاً أزمة النفايات و»بقوة» لتغطي شوارع العاصمة وضواحيها.
لقد انتشر مؤخراً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وبصورة واسعة، فيديو لأحد المواطنين كان قد صوره من شرفة شقته في إحدى عمارات الضاحية يبرز تكدس أكياس النفايات فوق بعضها البعض على طول الشارع وعرضه، وتعثر مرور السيارات من جانبها.
إذاً أين الأمل في مستقبل أفضل بعد كل هذا الخراب؟ وماذا تبقى من «باريس الشرق» بيروت؟
لقد تعب اللبنانيون ووصلوا إلى حد الانهيار الكامل.
فديوهات كثيرة انتشرت لمواطنين ومن أماكن مختلفة وهم يصرخون بأعلى أصواتهم مواجهين الفساد والظلم.
كان أبرزها لرجل مسن وهو يقول بحرقة من داخل أحد المصارف في لبنان:
ما بدي روق (لن أهدأ). عم تسرقني. ما مسامحكم ليوم الدين!
إغضب يا عمي كما تشاء. هذا الحق الوحيد الذي مازلت قادراً على تحصيله في هذا البلد. ولكنهم لن يكترثوا لصرختك وصرخات كل اللبنانيين داخل وخارج الوطن. إنهم شلة تماسيح لا شيء يؤثر بهم.
وفيديو آخر من داخل الجامعة الأمريكية في بيروت لطالب يواجه رئيس الحكومة نجيب مقاتي، فيما كان الأخير يمارس رياضة المشي داخل صرح الجامعة، طبعاً برفقة عدد من حراسه وذلك لشدة «محبة» الناس له.
صرخ الطالب قائلاً: طلاع على طرابلس العالم عم تموت من الجوع وأنت عم تمشي هون ومبسوط بحالك.
وفي حديث لصفحة «ميغافون» الإخبارية يصرح الطالب جاد هاني أن أحد مرافقي ميقاتي شتمه واستهزأ بمظهره الخارجي. ولكن المسؤول لم يكترث للحادثة وأكمل سيره قائلاً:
«صفوف الجامعة من ورا إجرينا»!
إجريك ويديك لك وحدك!
(الرد موثق بانستغرام أيضاً)!
هذه اللغة السوقية المتعالية لا تحرج أحداً سواك.
أما الجامعة الأمريكية في بيروت فهي تقف وتستمر بفضل هؤلاء الطلاب الأحرار الذين خرجتهم عبر السنوات وسلحتهم بالقوة والعلم والثقافة لمواجهة الفساد والفاسدين.
بهم وبأمثالهم من الشبان والشابات قد ينهض لبنان يوماً، نافضاً عنه الرماد محلقاً من جديد.
أوكرانيا بسمنة وفلسطين بزيت
ومن لبنان إلى فلسطين. نزيف دائم واحتلال وقح يسعى بشتى الوسائل إلى تكريس شريعة الغاب منتهكاً حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يأبى الاستسلام.
ولأن فلسطين قضية كاشفة أوضحت لنا مدى الانحياز غير النزيه للقضايا العادلة حول العالم. ففي حين يدعو الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى الفصل بين الرياضة والسياسة ها هو يرضخ اليوم أمام رفض الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لمشاركة منتخب روسيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في الدوحة. أما إسرائيل التي تحتل فلسطين لأكثر من سبعين عاماً فيحق لرياضييها المشاركة في المحافل الرياضية الدولية، كما لو أنها دولة شرعية في المنطقة!
وخير دليل على عدم النزاهة والنفاق والتناقض في الأحكام هي قصة فتحي نورين، لاعب الجودو الجزائري. فبعد مرور عشر سنوات على معاقبته ظلماً بحجة خلط السياسة بالرياضة، لدعمه القضية الفلسطينية ورفضه مقابلة لاعب اسرائيلي على أرض الملعب، نرى اليوم كل الاتحادات الكبرى تدعم أوكرانيا رياضياً وتضرب بعرض الحائط كل الأحكام والقوانين التي كانوا يدعون إليها.
طرح المثال الروسي لا يعني أننا نتعاطف مع بوتين وطموحاته التوسعية في شرق أوروبا. فنحن شعوب أيضاً محتلة ونعي تماماً معنى اغتصاب الأرض. لكن وددنا أن نلقي الضوء على المعايير المزدوجة التي تعطي الأولوية لقضايا وتتنكر لقضايا أخرى توازيها في العدالة وتسبقها، إن لم تكن أكثر قدسية منها.