علي حسين
ظلت ابتسامتها الرقيقة والحنونة، تفضح عن طيبة متناهية، وفي الوقت نفسه تخفي، مشاعر الأسى حيال ما وصل إليه العراق. آزادوهي صاموئيل التي تمنت أن تحضنها بلادها، وجدت نفسها في نهاية عمر من الطموح والعمل تعيش الغربة،
ولم تكن تعرف، لا هي ولا نحن محبوها، أن النهاية ستكون في سطور قليلة اختتمت بها حياة امرأة وفنانة رفضت الاستسلام وغردت خارج السرب.. وأنا أطيل النظر لملامح وجه آزادوهي صاموئيل المحببة إلى النفس أقرأ فيه رحلة التعب والمواجهة ممتزجة بأفراح ومسرات الماضي.. تعب في العينين وابتسامة يختلط فيها الحزن والشرود وبساطة ترتفع على التصنع فأغمض عيني وأنا أتخيل صوتها ممتزجاً بعبارات عذبة “شلونك عيوني”. امرأة لا توحي ملامحها وحركاتها بأنها ممثلة وأنها بعد تتقمصت ذات يوم شخصية من شخصيات يوسف العاني أوغائب طعمة فرمان، في الحالتين مع آزادوهي الإنسانة وآزادوهي الممثلة نجد أنفسنا في حضرة امرأة اختصرت حياتها بكلمتين؛ المحبة والبساطة.
وأنا اقرأ خبر رحيلها، طافت بذاكرتي صورة آزادوهي صاموئيل وهي تقف على خشبة مسرح قاعة الخلد في كرادة مريم عام 1969 لتقول لفاضل خليل: “حسين.. أوف شوكت راح نرتاح، ونعيش ببيت نظيف كله ضوه وعصافير؟”، حياة هانئة كانت تتمناها (تماضر) بطلة “النخلة والجيران” وهي نفس الحياة التي تمنتها الفتاة الأرمنية التي اقتحمت معهد الفنون الجميلة في الخمسينيات لتسجّل نفسها أول طالبة تدرس فن التمثيل في العراق.
لم تكن الفتاة الجميلة تحلم أنها ستجلس مع إبراهيم جلال وتمثّل على خشبة واحدة مع يوسف العاني، وتتحدث مع زينب، وتسمع حكايات “الخال” خليل شوقي، وتحظى باهتمام قاسم محمد، كانت آنذاك، تملك حلماً كبيراً لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبث الفرح في نفوسهم، جاءت آزادوهي من عائلة أرمنية، نقلت وعيها ووطنية عائلتها وعذابات المرأة العراقية إلى كل أعمالها الفنية، فهي من جيل مأخوذ بحب المعرفة، وبالإصرار على أن ينشغلوا بهموم الناس البسطاء.
تنتمي آزادوهي إلى طائفة من الممثلاث الأثيرات على قلب المشاهد.. ممثلة تتمتع بعفوية لها طعم خاص يترك أثراً في النفس.. حين تشاهدها تشعر وكأنك التقيت بإنسان قريب إليك تعرفه منذ زمن طويل.. فعند هذه الفنانة قدرة عجيبة على تشرب الحياة اليومية وحياة الشخصية التي تمثلها .
هل كانت آزادوهي تعتقد يوماً أن الفن لم يعد طريقاً إلى عقول الناس وقلوبهم؟، وأننا تحولنا إلى بلاد استبدلت تحايا العَلَم بأهازيج طائفية؟، وأن الناس ستنشغل بحكايات ” سانت ليغو؟، وتقلبات نواب الصدفة؟، .
” عمة آزاو ” كما تتمنى ضاحكة أن أقول لها- وأنت تغادرين عراقك الذي عشقتيه بكل جوارحك، لا أملك إلّا أن أواصل الحلم مثلك بعراق نظيف يملأه الضوء”.