المليشيات الطائفية المسلحة في الحشد الشعبي، المخاطر المحتملة، فما العمل؟
قيمتك ليست في عيون الناس، بل هي في ضميرك، فإذا ارتاح ضميرك ارتفع مقامك. أنيس منصور
لم يعد سراً على أحد وجود ما يزيد عن 67 ميليشيا طائفية شيعية مسلحة، تمتلك منها إيران 41 ميليشيا وتتوزع الميلشيات الأخرى على عدد آخر من الأحزاب الإسلامية السياسية العراقي والمرجعيات الدينية العراقية. (راجع: صالح محمد، ما هي المليشيات الشيعية المقاتلة بالعراق؟ (ملف+ إنفوغراف) موقع عربي21-، في 3 تشرين الأول/نوفمبر 2016). وأكثر المليشيات عدداً وتسلحاً وقدرات مالية ونفوذاً سياسياً واجتماعياً، وأشدها خطورة على العراق ومستقبله هي تلك التي ترتبط مباشرة بإيران وبالمرجعية الدينية والسياسية الإيرانية (39 +2 تابعة لحزب الله)، أي كلها خاضعة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي، كما ترتبط بممثل المرشد والحرس الثوري الإيراني وجيش القدس الجنرال الإيراني قاسم سليماني وتخضع لقيادته وإرادته وتوجيهاته، وهي من إرادة وتوجيهات الخامنئي والدولة الإيرانية. أما المليشيات الشيعية الأخرى، فمهما كان نفوذها العراقي وحجم عددهاوتسلحها، فهي في المحصلة النهائية غير قادرة علىالزوغان الفعلي عن إرادة أو مصالح إيران في العراق،وتُجبر بهذا القدر أو ذاك على التعاون مع المليشيات العراقية-الإيرانية، ولاسيما الرئيسية منها، ولاسيما فيلق بدر بقيادة هادي العامري، وعصائب الحق بقيادة قيس الخزعلي، وكتائب حزب الله بقياد جعفر الغانمي.. الخ.
جميع هذه المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة تعمل تحت عباءة الحشد الشعبي، وقادتها هم قادة الحشد الشعبي ورئيس الحشد الشعبي المباشر هو فالح فياض، الخاضع بالتمام والكمال لإرادة قاسم سليماني. ورغم الحديث عن استقلالية “سرايا السلام”فهي أيضاَ ضمن الحشد الشعبي، وبالتالي فاستقلاليتها نسبية، وهي تخضع من حيث المبدأ لقرارات رئيس الحشد الشعبي فالح فياض، مع إنها من حيث الواقع العملي تحت قيادة السيد مقتدى الصدر. جميع هذه الميليشيات تمتلك جزئين، جزء ضمن الحشد الشعبي، وجزء أخر إطار الحشد الشعبي، وأحدهما يستكمل الآخر.
حين نكل رئيس الوزراء العراقي الأسبق بالجيش العراقي من خلال فرض الهزيمة عليه دون إبداء أي مقاومة أو خوض المعارك ضد عصبات داعش الإجرامية التي اجتاحت الموصل وعموم نينوى في حزيران من عام 2014، وسيطرت على كل ما يملكه الجيش العراقي في نينوى من سلاح وعتاد وعربات وأموال، ومارست الإبادة الجماعية والتشريد والسبي والاغتصاب والقتل على شعب نينوى، ولاسيما الإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان، إضافة إلى معاناة الكثير من المسلمين العرب السنة، وحين أصبح العراق كله مهدداً، دعت المرجعية الدينية الشيعية في النجف إلى الجهاد الكفائي، فتطوع الناس واستطاعت الميليشيات المسلحة المنظمة احتواء المتطوعين وتشكيل الحشد الشعبي منهم ومن تطوع من خارجهم، وأصبحوا القوة الثانية في العراق بعد الجيش، ثم حولهم العبادي إلى قوة عسكرية رسمية تحت قيادة الدولة وجزء من القوات العسكرية العراقية، ولكنها حافظت على استقلاليتها عن الدولة والحكومة ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة عملياً، وأصبحت جيشاً داخل جيش يتحرك بأوامر من قادته العراقيين وبأوامر قاسم سليماني. إذا كان الكثير من المتطوعين أو حتى جماعات منه في الحشد الشعبي قد ساهموا فعلاً في عملية تحرير الموصل واستشهد الكثير منهم، فأن المؤسسة لها إرادة وأهدافاً ومصالح أخرى لا تلتقي بأي حال وفي وضعها الحالي مع إرادة وأهداف ومصالح الشعب العراقي. والكثير من العراقيين الذين يؤمنون بهذه الحقيقة يخشون الحديث عنها لأن مصيرهم مصير من ينتقد إيران، كما حصل للأديب والروائي العراقي الشهيد الدكتور علاء المشذوب لأنه انتقد الخميني حيث وجهة له ثلاث عشر رصاصة لترديه قتيلاً وجسدت الحقد والكراهية والعدوانية الغاشمة للقتلة ومن أرسلهم لقتله، أو حتى اعتقال رئيس “لواء أبا الفضل العباس” أوس الخفاجي، وميليشيته التي هي جزء من الحشد الشعبي، وموالية لإيران أيضاً، لأنه أشار بكلمة قصيرة إلى إن إيران وراء اغتيال المشذوب. وبعد اعتقال الخفاجي صدر بيان عن أجهزة الأمن العراقية تؤكد بعدم علمها عن سبب اعتقال الحشد الشعبي للخفاجي. أي إن قرار الاعتقال صدر عن الحشد الشعبي وقائده فالح الفياض، الذي هو في الوقت نفسه مستشار الأمن القومي في العراق، دون علم أجهزة الدولة العسكرية، ومنها الأمن العراقي. وهذا الرجل يراد له أن يكون وزيراً لداخلية العراق لتصبح إيران السيدة بلا منازع في العراق، وأكثر مما هي عليه الآن. لقد كان من واجب المرجعية الدينية الشيعية أن تؤكد انتهاء الجهاد الكفائي بعد تحرير نينوى ومناطق أخرى من اعراق من عصابات داعش الإجرامية وتؤكد ضرورة حل الحش الشعبي.
على وفق التقاليد الشيعية المؤمنة بولاية الفقيه، فأن المقُلِد يخضع لفتوى ولي الفقيه دينياً وسياسياً، وبالتالي فأن جميع الميليشيات الموجودة في العراق والمؤمنة بولاية الفقيه تخضع للقرارات والتوجيهات السياسية والفتاوى الدينية لولي الفقه الحالي في إيران، للسيد الخامنئي. وبالتالي فأن قرارات المرجعيات الشيعية العراقية أولاً، وقرارات الحكومة العراقية ثانياً، لا تعتبر بأي حال ملزمة لتلك الميليشيات، ولا قيمة دينية لها، بل الملزم لها ما يقرره خامنئي وعبره قاسم سليماني ممثله السياسي والعسكري في العراق. وهنا تبرز أكبر مشكلة إزاء الدولة العراقية ومن يحكم العراق. ولا تبرز مثل هذه المشكلة حين يكون الحاكم هو الآخر من المؤمنين بولاية الفقيه، وحين يكون خامنئي هو سيده وولي أمرهِ، ولكنها في الحالتين هي أكبر مشكلة تواجه الشعب العراقي كله وتواجه استقلال وسيادة العراقومستقبله.
دعونا نورد مثالاً احتمالياً واحداً قريباً من الواقع الجاري والقادم من الأيام: لو استوجب الأمر بقاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق لمواجهة بقايا داعش ومن يماثلهم في العراق، على وفق الاتفاقيات الأمنية وملحقاتها المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، ولكن هذا الوجود يخالف موقف خامنئي الذي ينعكس على موقف الميليشيات الشيعية المسلحة المطالبة برحيل القوات الأمريكية والتي تريد إصدار قرار في مجلس النواب بشأنه. فكيف سيكون موقف الحكومة العراقية وكيف ستواجه الحشد الشعبي بقياداته الميليشياوية، خاصة إذا ما اتخذت هذه المليشيات قرار المقاومة العسكرية للوجود الأمريكي في العراق؟
وكيف سيكون الموقف من الوجود الإيراني العسكري والسياسي الكثيف غير المبرم باتفاقيات عسكرية وغير الرسمي في العراق؟ إنه القنبلة الموقوتة التي ستنفجر في أي لحظة، والتي ستقود إلى حرب أمريكية-إيرانية على أرض العراق، وستكون أعنف وأشد من الحرب الجارية منذ ثماني سنوات في سوريا. إلا إنها يمكن أن تجر لها أطرافاً أخرى في الشرق الأوسط.
إن الموقف المناسب والسليم للعراق وشعبه ومستقبل أجياله واستقلال قراراته وسيادته الوطنية وفي كل الأحوال هو حل الميلشيات الشيعية وسحب ما هو موجود منها في سوريا ونزع سلاح جميع أفراد هذه الميليشيات المنتمية للحشد الشعبي. وبتعبير أدق لا بد من قرار حل الحشد الشعبي وجعل العراق دولة واحدة بدون دولة عميقة موجهَة، وجيش عراقي واحد بدون حشد شعبي عميق وموجَه، الذي تديره الميليشيات الشيعية المسلحة والمهيمنة عملياً على محافظات القطر في الوسط والجنوب وبغداد، والمتحكمة في مجلس النواب من خلال أحزاب تلك الميليشيات المسلحة. والمشكلة المركزية في العراق تكمن في الحكم الطائفي ذاته الذي أوجد الميليشيات المسلحة ويراها ضمانة لاستمرار حكم الإسلام السياسي البائس والمتخلف في العراق، والذي أسقط العراق في مستنقع الفساد والإرهاب والفاقة الشعبية وغياب التنمية الاقتصادية الإنتاجية وسيادة متفاقمة للطابع الريعي للاقتصاد، رغم إمكانيات العراق على تغيير هذا الوضع لو كان في حكم البلاد من هم يستمعون بأذن صاغية لإرادة الشعب وحاجاته وتطلعاته الفعلية. لو، وكما كان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري يردد بين الحين والآخر: (آه من هذه الـ “لو” ما ألعنها!).