نحسد ابداع الآخرين ،فمتى نعود محسودين؟!
سحرني اسم البرنامج التلفزيوني ، الذي شدني لمتابعته على شاشة عربية جديدة ، فوجدت في تفاصيله أو تفاصيل الحلقة ، التي تابعتها ، مايرسخ هذا السحر في اعلام تلفزيوني ، يبدع ، بتقديم الرموز الثقافية ، وفق طريقة تؤكد ان مبدعي الثقافة ، هم جزء راسخ من معنى الوطن ، واساس نابض في روح هويته الوطنية ، والحضارية.
ولان القناة تختص بالعراق ، فقد كان البرنامج ، يقدم رموز العراق الحضارية ، وكم يحتاج العراق الى استعادة روحه الابداعية ، باعادة انعاش الروح الثقافية للمجتمع ، عبر اعطاء الهواء اللازم للابداع ، لينبض أكثر ، وينتج ارقى .
وهنا ، فان اسم البرنامج الذي شدني بابداعه ، كان (النهر الثالث) ، هنا ملأني هذا الاسم بسؤال : من هو هذا النهر الثالث للرافدين (دجلة والفرات) ؟ وايحاء الاسم ، يؤكد ان الثقافة والابداع ، نهر للحياة ، لايقل عن فعل دجلة والفرات في حياة العراق ، والابداع الحضاري الثقافي العراقي . هؤلاء المثقفون ، هم (النهر الثالث) في العراق .
الله !!! كم يحمل هذا الاسم من معنى ، وطاقة ، وآفاق ، وابداع .
في سياق البرنامج ، حلقة عن المخرج السينمائي العراقي العريق “محمد شكري جميل” . كان الحوار معه ، تقديرا لمكانته ، باسئلة قصيرة ، تحترم وتريد ان تعرف لتزيد تقديرها ، واجاباته قصيرة بمعاني غنية ، وفي نهاية الحلقة ، يختم صناع البرنامج ، الحلقة ، بصوت يروي معاني ابداع الضيف ، وأهميته في بعث الروح الوطنية العراقية .
ويقف الجمهور مع اعلان المحقق ، اننا نقف تقديرا واحتراما واعجابا بفنك وابداعك ، وتقدم له ايقونة عراقية كهدية . والختام يشحن المشاهد بعاطفة التقدير للابداع والمبدع ، والتوق لتذوق الابداع ، او لممارسة هذه الغواية ، المسماة الثقافة والابداع .
مالفت نظري ، بناء على كل ذلك ، ان احدى الفواصل البصرية التعريفية بهذه المحطة العراقية ، عبارة عن فيلم قصير (أقل من دقيقة) ،يبدأ بلقطة من الاعلى ، من السماء لبسطة كتب واسعة ، وعندما تهبط الكاميرا الى الارض ، تبدأ صفحات الكتب تتقلب ، وكل كتاب ملون بلون .
انها لوحة من الكتب ، وهي تقلب صفحاتها . هل من معنى للعراق ، أعمق من الكتاب ، وهو يستعيد حياته ، فيبدأ بفرد صفحاته وألوانه ؟! انه المعنى الاعمق ، والابهى ، والاكثر وطنية ،لانه الاكثر ابداعية .
وبغض النظر عن المحطة ، أو ممولها ، فان الابداع يستحق التقدير ، واعترف انني حسدت أصحاب (النهر الثالث) ، كما حسدت من ابدع هذا الفاصل البصري ، الذي يختصر ابداعا اعلاميا ثقافيا معبرا . كل ذلك يكستب معناه وأهمية أبداعه من كثرة نفايات التفاهة ، التي تملأ شاشات الزعيق ، والبلاهة .
فهل يبعث فينا (النهر الثالث) ، أنهار الابداع في وطننا ، وهل من اعلام يبعث الحياة في كتب وكتاب ابداعنا ، فتتلون صفحاتها ، وهي تتقلب ، مستعيدة عزنا وروحنا ، وفعلنا في الحياة والحضارة ، وهل ينتج المجرى اللازم ، لماء ابداعنا الحي والقادم ؟؟
لابد ان نفعل .
نقلا عن موقع التجدد