حوار ( أمريكي ـ بعثي ) مرتقب يغير قواعد اللعبة في العراق
سادت حالة من الهلع في أوساط حزب الدعوة ( الإسلامية) برئاسة نوري المالكي , و بدأت قياداته في المكتب السياسي و مجلس شورى الحزب عقد سلسلة أجتماعات , لبحث أنباء و تقارير سياسية أنتشرت على مواقع و شبكات أخبارية و قنوات فضائية عراقية , منذ نهاية الأسبوع الماضي و كشفت عن تبادل رسائل بين وزارة الخارجية الأمريكية و حزب البعث العربي الأشتراكي بقيادة ( عزة الدوري ) خلال الشهور القليلة المنصرمة , كتبت بلغة هادئة و حملت أحتراماً متبادلاً و تناولت الكثير من القضايا الخلافية بين الطرفين , الأمر الذي يوحي بامكانية بدء حوار ( أمريكي ـ بعثي ) يتوقع مباشرته في العام المقبل و ربما في النصف الأول منه , بعد أن يكون التحالف الدولي بقيادة واشنطن قد فرغ من أنهاء وجود تنظيم داعش في أغلب المناطق العراقية .
و وفق تلك التقارير التي أحدثت فزعاً ظاهراً على كثير من الأطراف السياسية و الكتل النيابية العراقية التي تابعتها بقلق , فإن الإدارة الأمريكية توصلت إلى أن الحوار مع حزب البعث بقيادة عزة الدوري بات ضرورة يفرضها مسار الأحداث السياسية الراهنة في العراق , أستعداداً لتدشين مرحلة جديدة أطلق عليها مرحلة ما بعد داعش , و على ضوء تخندق التحالف الشيعي باستثناء التيار الصدري و إصرار أكبر الأطراف فيه ( حزب الدعوة ) التشبث بمكاسبه و أمتيازاته التي حصل عليها مع حلفائه طيلة سنوات حكمه الماضية و مطالبته حالياً أعطاء دور سياسي لمليشيات الحشد الشعبي يضاف إلى مهماتها الأمنية و العسكرية , و سعيه إلى أشراكها في الأنتخابات المحلية و البرلمانية المقرر تنظيمها في أبريل من العام المقبل , في وقت ما زال رئيس الحكومة و القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي متذبذباً في موقفه أزاء تحول العديد من فصائل الحشد إلى عناوين سياسية , بعضها حصل على الترخيص الرسمي من مفوضية الأنتخابات و بعضها الآخر ينتظر .
و وفق ناشطين عراقيين يقيمون في الولايات المتحدة و لهم صلات عمل أو تعاون مع دوائر وجهات رسمية أمريكية , فإن توجهات إدارة الرئيس ترامب بالحوار مع حزب البعث جاءت في أعقاب دراسات أعدتها مراكز بحث شهيرة و مجموعات استشارية يستعين بها دائماً البيت الأبيض و وزارتا الخارجية و الدفاع و الكونغرس و مستشارية الأمن القومي و وكالة الـ ( سي آي ايه ) في إعداد تقييمات و تصورات عن كيفية التصدي للأزمات الدولية و أفضل الحلول و المعالجات لها , و قد أجمعت هذه المراكز و غيرها المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط , على أن حزب البعث بقيادة عزة الدوري في العراق يشكل عامل توازن في المنطقة و هو القوة السياسية الوحيدة التي تمتلك خبرات في مواجهة العنف الطائفي و العنصري و له تجارب ناجحة بهذا الصدد في السنوات التي سبقت الأحتلال .
و قد توصلت تلك المراكز التي يعمل فيها كثير من وزراء الخارجية و الدفاع و الدبلوماسيين السابقين و الجنرالات المتقاعدين إلى أن قيادة عزة الدوري لحزب البعث تنتهج الواقعية في نشاطها السياسي , و تجنبت الخوض في نزاعات طائفية و عرقية شهدها العراق في السنوات الماضية مؤكدة أن البعث هو الحزب الوحيد في العراق الذي يضم قادة و كوادر و أنصاراً و متعاطفين من مختلف الطوائف و القوميات و الأقليات , حتى أنه تفوق في تنوعه على الحزب الشيوعي العراقي الذي أنشطر قومياً إلى حزبين عربي و كردي و أرتكب رئيسه السابق حميد مجيد الموسى خطيئة سياسية غير مسبوقة , عندما أنخرط في عضوية مجلس الحكم الأنتقالي الذي شكله الحاكم الأمريكي المدني ( بول برايمر ) في صيف 2003 ضمن الخانة الشيعية مما عرضه إلى أنتقادات ساخرة شككت بعلمانيته المزعومة , في حين نجح عزة الدوري رغم أنه من أصول سنية عربية و صوفي السلوك في ضبط إيقاع الحزب و جنبه الوقوع في المستنقع الطائفي و قاده في طريق هو أقرب إلى الليبرالية , مع أن الحزب علماني في مبادئه و مفاهيمه و قومي وحدوي في نزعته و منهجه , و لكن كفاءة الدوري و واقعيته و تفهمه لظروف العراق حافظت على أستقرار الحزب سياسياً و أجتماعياً .
و تستعجل أوساط أمريكية مقربة من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة , الحوار مع البعث بقيادة الدوري أعتقاداً منها أن هذا الحوار إذا عقد الآن فانه أفضل لأمريكا و أنفع للعراق من أنتظار حوار أمريكي قد يتأخر مع الحزب في غياب الدوري لأي سبب كان , خشية ظهور قيادة متشددة تقود جيلاً بعثياً متمرداً لا يقبل اللقاء مع واشنطن مستقبلاً , و قد لوحظ في الفترة السابقة نزول أعداد كبيرة من السفراء و الدبلوماسيين السابقين و الجنرالات المتقاعدين ممن عملوا في العراق بعد أحتلاله إلى ساحات السجال السياسي و نقد سياسات و إجراءات الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش و باراك أوباما في العراق بشدة و من ضمنهم السفير بول برايمر , موقع قرار أجتثاث البعث الذي أعترف بأنه نفذ ما صدر إليه من واشنطن بهذا الخصوص .
و وفق مصادر في مكتب العلاقات الخارجية لحزب البعث و هو أنشط مكاتب الحزب و له تمثيل علني في عدد من الدول الأوربية كفرنسا و النمسا و اسبانيا و بريطانيا و إيطاليا و المانيا و بلجيكا أضافة إلى ولايات أمريكية , فإن الرسائل لم تنقطع بين الحزب و وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس ترامب و قد ساهمت هذه المراسلات في كسر الحاجز النفسي و السياسي بين الجانبين خصوصاً و أن الرئيس الأمريكي الحالي , أشاد في حملاته الأنتخابية بسياسات رئيس النظام السابق صدام حسين ” رغم دكتاتوريته ” في بسط الأمن و الأستقرار في العراق و تصديه الحازم لايران و مشاريعها العدوانية في المنطقة , و تهكم على بوش الذي قاد حملة غزو العراق و سخر من أوباما الذي سحب قواته تاركاً البلد في فوضى عارمة أستغلتها إيران و أحزابها و مليشياتها .
و بالتأكيد فإن الحوار الأمريكي البعثي الذي يتوقع أن تكون جولته الأولى في عاصمة أوربية يعتقد أنها ” باريس ” ستترتب عليه نتائج و آثار و إنعكاسات على العراق , لا نريد أستباق الحديث فيها و نترك للمستقبل القريب الكشف عنها .
بقلم الكاتب ” هارون محمد ”
المصدر : صحيفة العرب اللندنية