وطن الفزاعات
تبدو اليوم على غير حالتك! ترى ما الذي كنت تقرأه في صومعة مخلفات الروث التي تسكنها، إلتفت إليه بعد أن حك فروة رأسه
التي خالها من يراه كومة من الصوف فشعره الأجعد ولحيته التي تلفلفت فصارت عشا لكل واردات الحشرات أما رأسه فقد أجر القمل الذي فيه غرفا بخلو لكل وافد جديد، استوطنوا رأسه كما استوطنوا وطنه بحجة ما،وزعوا كبار القمل وأشرسها كفزاعات تدور هنا وهناك بحثا عمن يطالب بحقة في رقعة مكان تماما كما يحدث في وطنهالأشعث قِدما وهو يخرج من بين ثنيات صحراء كي يغير همجية تربت ونمت في ناموس مخلوق لا يركن إلا أنه من اسس الحياة ولولاه ما كان هناك أي شيء ذو صلة فيها كما يطلق عليها.. ملحد من الدرجة الأولى غير أنه يحمل قناعة أن الحياة أصلها الأنا… فرد مجيبا..
لاشيء إنما كنت ابحث عن سبب يدفع بي كي أصبح فيلسوفا، فالفلاسفة لم يتمكنوا من الاقتناع بما حولهم أو الظواهرالطبيعية والغير طبيعية التي يعجزون عن تفسيرها فيلجؤون الى الفلسفة كمخرج يعرجون عليه ثم يوجودن شماعات كأعمدة مصابيح في شارع مظلم طويل.. طويل جدا ليُعلوا خطايا البشر او لنقل المخلوقات التي كانت تعيش كحيوانات في كهوف ثم تحضرت بعد أن ارسل من يظهر لها سبب الخلق والغرض من الوجود.. فالزمت نفسي بأن استنبط سلوكا يدعوني لأكون كأرسطو او نيتشة او سارتر فتلكم الفلاسفة وضعوا ثوابت تتعامل مع العقل والفكر على تتابع مرحلي اي بمعنى إن سمحت لي بالقول:..– على مهلك يا فيلسوف عصرك… يبدو ان رائحة الروث التي زامنت قد أخذت مفعول الافيون الذي تدخن فما عدت تفصل بين الوعي واللاوعي عنه، فعقلك صار يحدثك بأنك فعلا بت فيلسوفا.. أعلم أنك تقرأ كثيرا تفكر ولعل التفكير هو من اودى بك كي تكون لقيط زمنتقيأك ولفظك نفيا خارج حياة البشر، فها انت تعيش كالبعوض تمتص بقايا فكرك، ثم يأتي دور القُمَل الذي ينزل على اكتافك بحرية الوجود والتعايش السلمي رغم إستباحته لدمك دون أن تحرك ساكنا…
لا عليك بالقمل والبعوض وجميع الحشرات، فلها ما لها وعليها ما عليها، هي مثلنا لها رسالة تحملها ما أن تقوم بها تنتهي إما موت طبيعيا، او بتهمة ملفقة من صنفها او صنوف اخرى، او قتلا بإبرة دون شهود، او قتل علني بحادث ما… هي تماما لها بواطنها كما لها ظاهرها كالبشر فلا تصدع رأسي او تتعب لسانك بتوبيخي، إنصت هنيهة لي لعلك تستفاد مما أقول، فحديث الفلاسفة بصمة للتأريخ سيعاد نقاشها وبحثها لا كما هو حاصل الآن.. حيث بات الحكام يميطون اللثام عن الجهل وهو مزين بمستحدث أدوات التجميل ومستحضراته بعناوين مختلفة منها إسلامي ومنها إلحادي، منها تكفيري وليبرالي وعلماني ومنها … ومنها الى حيث يضعوك بخانة رسموها مقدما كي تكون فيها، يعلمونك خطى السير بمنحنيات مثلما يضعون الحيوانات الداجنة في مزارع ترتع وتأكل كي تُسمَن ثم تساق وبإرادتها حيث الموت أعني الذبح الإسلامي، وهذا تجده كما في الحياة من خلال حواجز حديدة تجبر الإنسان كما الحيوان أن يسير فيها كون لامفر ولا بديل.. هكذا هو الفكر الذي يغذونك عليه، بعدها يطفقون هم بحاشيتهم الى مسارات بعيدة كل البعد حيث الرفاه والجاه والمال والبنون،اما انت يا حشرة البشر فإلى الجحيم بما تعتقد وبما تؤمن،فالشيطان ولي أصحاب النعم، أما الرب او الخالق فهو وكيل الفقراء منذ أن خلق آدم فما ازداد الفقراء إلا فقرا وما زاد الأغنياء إلا ثراء، هي تلك سمة الوجود كما يطلقون عليها… فأعزل عما تفكر به وانصت لي، لقد أكتشفت حقيقة أني السبب الرئيس في تصيير حالي إلى ما انا عليه… لو قبلت ان أكون قملة أو بعوضة في رأس أحد ما لما آل حالي حيث الروث وتصفية بقاياه.. إن عالم الروث هذا يكشف لك اولا مدى نتانة الإنسان حيت يعظم نفسه ويألهها، ثم يجلب له من الشياطين فيجعلهم ملائكة يسبحون له ويهللون ليلنهار.. يدخل عالم الإعتكاف والرهبنة والتصوف محاريب كانت او مساجد يعبدون فيها ما يصنعون من تمر او خشب او حجارة او دم ولحم، فما يصنعون من لأنفسهم شيئا، فكل الذي يصنعونه إلها جديدا يجزل لهم العطايا بالحسنات ويضاعفها لهم… يخالون أنفسهم أنهم أسمى ما صنع ربهم فيقسمهم بين الجنة والنار… فترى جاهزيتهم لنسف كل معتقد او فكر يأتي بغير ما يشتهي الإله الذي يعبدون.. سواء ألبسته العمامة او ألبسته الكوفية أو البدلة، كلهم سواء فالله عندهم عتبة يحاولون تخطيها بأي وسيلة او شكل، لذا يتخذون من انفسهم أصحاب حياة موت او حياة كما فرعون.. غير أن ما يقف في طريقهم عثرة هو الخلود لذا زعموا بشتى النظريات ان الخلود هو الإرث الذي استمدوه من شيطانهم الأزلي الذي يقطن في باطن كل منهم، فما عليهم إلا إستحداث طريقة لولادة متعسرة في دحض نظرية الإله الواحد والدعوة لتعدد الأرباب، فمن له أمل ان يحيا العذاب وينشد الخلود في الجنة؟ ومن يريد ان يعيش جهنم دنيا أملا في فردوس وغيره ينعم بفردوس ويوعد بجهنم آخرة… إننا يا هذ لا نواكب العصر في تماشية والتطور.. فالإسلام يحمل ثوابت القوانين كما هي تشريعاته وحتى تلك التي تتغيرهي إجتهادات بشرية محصلة صاحبها يصيب ويخطيء حتى لا يجعلها تتصادم او تتضارب مع مصالح الربوبية التي يتقنها.. أختصارا إنهم فزاعات زمنية يورث بعضهم بعضا، أما من هم مثلي او مثلك او تلك الطوابير الطويلة التي تسير الشارع المظلم متحيرة بين أنها مخيرة أم مسيرة فمآلها الطمر الصحي كالوباء المستشري الذي يصيب مشاريع خطط لها في وطن سحقت معالمه ومحي حتى الهوامش التي تركها من راقت له حسن القيم والعبارات، فبرغم أني احد المحبين لها لكني من المؤيدين لمحوها كون الزمن غير الزمن والجاهل بالامور أفضل من العالم بها.. وهنا يا صاحبي آتيك بفلسفة جديدة عليك ان تتخذها مسلك لحياتك دون ان تتعب رأسك بالتفكير، كن حيوانا بلا عقل خير لك، كُل واشرب وتغوط في أي مكان لا تلام فأنت حيوان لا عقل لك مصيرك معلوم… إما ضالا فلا يهتدي، وأما مسكينا فيعطف عليك.. فإن اردت ان يمسحوا على ظهرك تمسح بأقدامهم كما القطط، ابكي فراقهم عنك كالتماسيح، وضع كل ما تحمله من ضغينة في عقلك ولا تشعل فتيله إلا عندما تجد انك تحينت الحياة في الموت الذي يمكنك ان تقاس بمعيار حيوان ذكي، فهم يعلمون جيدا ان الحيوانات أذكى من البشر لذا يعمدون على تدجينها كما يفعلون بمثلنا… السيطرة على الإنسان اسهل ما يكون، الترهيب مثال ذلك او التهديد بمن تحب، والغريب أن كل ذلك يحدث بأسم الإسلام والحرص على وحدة الدين، قيود باساور من ذهب، تلفظ أنفاسك جريا كي تلبسها حبا مع عبارة سمعا وطاعة، وما ان تضعها حتى تساق كالعبيد حيث الراع الذي خلقوه ليُعبَد كما الرب الحقيقي… فلسفة الحياة عندهم البقاء للإقوى، لذا تجد الحيوانات تعيش في محميات يقوم على إدارتها بشر عليهم أناس يديرون عملهم من خلال انظمة صارمة وسياقات عمل.. هكذا تسير السلسة كما يراها ويسمع عنها من في الأرض مستبعدين العبودية التي لا ينفك قيدها وإن كُل من عليها مرتبط بخيط رفيع حيث مجلس الإله الواحد الغير معبود جهرا في معقل لا يصل إليه إلا من باع نفسه الى الشيطان.. أقصد الرب الجديد صاحب الفزاعات لكل وطن.