مهمة من بغداد . Mats Ekman . ( ح ٦ ) .
في أكثر من محادثة تلفونية مع الكاتب ماتس إيكمان صاحب كتاب (مهمة من بغداد) .
كان في البدء متوجساً في الحديث معي بتوجيه اللوم نحوي باعتقاده الشخصي أو ضمن المعلومة الخاطئة التي تسربلت له وهي .. أنا من قمت بترجمة كتابه بدون الرجوع له وأخذ موافقته حسب أصول دور النشر والطبع والقوانيين المعمول بها ضمن العمل الطباعي والنشر وحقوق الناشر ودار النشر , وبعد أن شرحت له , أنا لست بمترجم , وأنما بادرت بقراءة نقدية وبمثابة أستعراض حول ماهية الكتاب والمعلومات المنشورة على جنباته من واقعيتها والسقطات التي تخللته من مبالغات من جملة أحداث مهمة , وكوني عراقي وسياسي ويعنيني هذا الآمر . لهذا توقفت عند محتويات كتابك ( مهمة من بغداد ) لتسليط الضوء على بعض التفاصيل المهمة لاطلاع القاريء العربي عليها .
الكتاب رغم أهميته في كنز المعلومات التي يحويها على صفحات جنباته , لكن هناك سقطات من المعلومات على صفحاته بعيده عن الواقع ومبنية على أفتراضات أساسه الأشاعات والأخطر في تكذيب الاشاعات أو بعض المصادر المبالغ بها رغم أعتماد الكاتب بمادته الاساسية على مديريات مهمة وخطيرة في مملكة السويد المخابرات السويدية سيبو ( Säpo ) . ووثائق في وزارة الخارجية السويدية المتعلقة بالملفات الامنية والعلاقات في السلك الدبلوماسي . شغل الكتاب حيزاً ليس قليلاً من الاهتمام والمتابعة والقراءة والمساءلة وتحديداً في أوساط العراقيين المعنيين بشؤون بلدهم وقضاياه وصناديقه السوداء , والتي ظلت مغلقة ومحظورة لسنوات طويلة من عمر الدكتاتورية .
أرادت أكثر من دور نشر عراقية في طبع الكتاب وترجمته , لكن يبدو لي ومن خلال متابعاتي أصطدمت بشروط الكاتب وطلباته المادية الخيالية وطموحه الامتناهي في الحصول على المال , وكان أخرها في مدينة أربيل بمبادرة من دار نشر هناك بترجمة الكتاب الى اللغتين العربية والكردية . وذهب الكاتب ماتس الى هناك لغرض توقيع العقود والبدء بالعمل ومنح مبلغاً من المال ليس قليلاً لكنه لم يرضيه فطلب مبلغاً مبالغاً به حسب تلك المصادر وفي الأخير تدخلت جهات عليا مسؤولة في مدينة أربيل , لكنها لم تفضي الى أتفاق نهائي , وأنتهى المشروع بالفشل .
وفي تقدير الكثير من المتابعين للشأن العراقي يتطلعون الى ترجمة هذا الكتاب وأظافته الى المكتبة العربية ليكن مصدر مهم وأظافي في المعلومة والدراسة والقراءة , وحقاً هذا الكتاب يعد مصدراً مهماً لرصد نشاطات المخابرات العراقية لبقايا النظام السابق في الخارج وكشف وفضح من أرتكب الجرم والأذيه وتطفل على حياة الناس الهادئة مشكلاً لهم ولمحبيهم الازعاج والخوف ولا يزالوا بعيدين عن أيادي العدالة وخاصة في البلدان الذي أستقروا فيها كلاجئين سياسيين أو أنسانيين مستغلين أحزاب المعارضة ومؤسساتها وجمعياتها الهشة في الانضمام اليها وتحت ظلها في حماية تاريخهم العتيق في النذالة بتصعيد العداء نحو الأخرين في التوجه الى مهاجمة المعارضين الحقيقيين للنظام السابق الذين كانوا جزء منه ومن ماكنته القمعية لغرض تزكيتهم من قبل تلك المنابر الركيكة والمشرفين عليها . بل ان كثير منهم يحتلون حالياً مواقع مهمة في مايسمى الدولة العراقية من سفراء , ضباط في الاجهزة الامنية ضمن قانون الدمج ورتب عسكرية بالجملة ضمن المحاصصات بين الاحزاب والكتل تحت أمرة الاحتلالين الامريكي والايراني , موظفون كبار في مواقع وزارة الخارجية العراقية والأجهزة الاخرى .
لاينسى العراقيون تلك السنوات العصيبة والتي مروا بها مراراً وتكراراً منذ نهاية الخمسينات الى يومنا هذا من سنوات قحط وعوز وظلم ورعب كلفتهم أثمان كبيرة في الارواح وقلق دائم وزكم العيش , حيث مرت عليهم سنوات غيبوا بالكامل وغيب وعيهم الجمعي من أثر قسوة الحصار وأثاره وسياسة قمع النظام ومازالت الى وقتنا الحالي المعاناة مستمرة من خلال الأدمان على رداء البكائيات .
ومن خلال مروري على شكل حلقات لمحتويات الكتاب ( مهمة من بغداد ) وزخم المتابعين والمهتمين للاحداث , يؤكد عطش العراقيين لمعرفة فترات مظلمة مروا بها خوفاً من بطش النظام وسياسته العدوانية تجاه شعبه ووطنه . الملاحظ منذ صدور الكتاب في نهاية ٢٠١١ في العاصمة السويدية ( أستوكهولم ) وكتب ومصادر أخرى محط أهتمام شريحة واسعة وكبيرة من مجتمعنا العراقي . أذن هناك تحول في العقلية العراقية بنبش التاريخ مجدداً وبقراءة متأنية .
في عشية الاحتلالين الامريكي والايراني لأرض العراق الوطنية , أستولت وزارة الدفاع الامريكية ( البنتاجون ) على ٤٨ ألف صندوق من الوثائق , ووضعت وكالة الاستخبارات الامريكية ( سي آي ايه ) يدها على ملايين الأوراق , كما فعلت الاحزاب السياسية العراقية فضاعت تحت ألغام أجندتها الطائفية وصراعات الطوائف , ليس مثلما حدث في المانيا بعد هزيمة هتلر وجيشه وأعلامه , حيث تم أختيار لجنة مهتمة ونزيهة ومحايدة لمعالجة وثائق الشرطة السرية ووضعها في نصابها الصحيح لخدمة الشعب الالماني مما أنعكس على بناء المجتمع ومقومات أقتصاده وغلبت روح التسامح والسلام والعفو على لغة الثأر والانتقام .
ماتس إيكمان يطرح في كتابه جملة تساؤلات حول تقاعس وغض النظر من قبل الجهات السويدية المعنية في حماية الناس الهاربة من جحيم الدكتاتورية وفي الحد من نشاط المخابرات العراقية وهذا يرجح الى مستوى التعاملات والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين وفق المصالح الضيقة على حساب حرية الناس وحمايتهم . يشير الكاتب في كتابه الى أنه المخابرات السويدية بحثت طويلاً في أجتماع محمد سعيد الصحاف برئيس وزراء السويد ( أولف بالمه ) في العاصمة السويدية قبل يوم واحد من أغتياله عام ١٩٨٦ . كانت الدكتاتورية تقبض بقبضة حديدية على أرادة ومشاعر الناس الى حد الخوف من خيالهم . في العام ١٩٨١ المكان الاداب / جامعة بغداد وفي اليوم الذي تلاه من خروج صدام حسين على شاشة التلفزة العراقية ليعلن عن خيانة وزير الصحة العراقي ( رياض حسين ) وعقوبة الاعدام لاستيراده أدوية مسمومة لجرحى الحرب العراقية / الايرانية , حدثتني زميلتي في الاداب أنعام هنيدي أنكاته حول خيانة الوزير والدعوة الى أعدامه ليكن عبر لمن أعتبر . نحن العراقيون ماهرون في صنع الاشاعة والترويج لها , وهذه تمتد لسنوات غابرة من التاريخ , النظام العراقي تمكن من توظيفها وأستغلالها لاجندته الخاصة .