نظرة في كتاب “الاقتصاد العراقي – الأزمات والتنمية للسيد الدكتور علي خضير مرزا
الجزء الأول
الكتاب: الاقتصاد العراقي – الأزمات والتنمية
الكاتب: الدكتور علي خضير مرزا
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ش.م.ل.
مكان النشر: بيروت – لبنان
سنة النشر: تموز/يوليو 2018
الرمز الدولي: ردمك 7-7352-01-614-978
الحلقة الأولى
المدخل
الدكتور علي خضير مرزا اقتصادي عراقي يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة بيرمنگهام البريطانية. عمل في وزارتي النفط والتخطيط في العراق، كما عمل في ليبيا أستاذاً جامعياً، كما أنه كبير مستشاري قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة. يمتلك الدكتور مرزا معرفة واسعة ومعمقة بالنظريات الاقتصادية وخبرة عملية طويلة وناضجة في المجال الاقتصادي، ولاسيما اقتصاد النفط، للدول المنتجة والمصدرة للنفط عموماً والعراق على نحو خاص. أصدر في العام 2012 كتابه الموسوم “ليبيا: الفرص الضائعة والآمال المتجددة” عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، والذي جاء بعد عام من الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي في ليبيا، وبالتالي وضع القارئات والقراء أمام حقائق الوضع الاقتصادي في هذا البلد المنكود طوال عقود خمسة مشيراً فيه إلى الفرص التي فوَّتها النظام السياسي على الشعب الليبي لبناء اقتصاد وطني متنوع ومتقدم ومزدهر، ومتأملاً أن يفتح التغيير الأبواب أمام الليبيين لتغيير اقتصادهم الريعي النفطي إلى اقتصاد منتج يسمح بتغيير فعلي في بنيتي الاقتصاد والمجتمع وفي تنويع مكونات الدخل القومي. وهي آمال لا تزال قائمة رغم الصراعات المرهقة الجارية في ليبيا وإرهاب قوى الإسلام السياسي المتطرفة الناشطة فيه.
وقبل صدور كتابه الجديد وبعده نشر الباحث الدكتور علي مرزا مجموعة مهمة وكبيرة من الدراسات والأبحاث العلمية في مجالات النفط والتنمية الاقتصادية في العراق، حيث قدم معالجات غنية تتميز بالثراء والكثير من البحث والاستقصاء والتدقيق، والتي يمكن الاعتماد عليها فيما تورده من معلومات قيمة واستنتاجات مهمة تسهم في دعم الباحثين في هذا المجال.
الكتاب الأخير الذي بين أيدينا والموسوم “الاقتصاد العراقي -الأزمات والتنمية” هو التتويج الفعلي لعمله العلمي خلال الأعوام المنصرمة وتركيزه الكبير على الاقتصاد العراقي. إنه موسوعة ومسح وتحليل واسعين للاقتصاد العراقي في قطاعاته الأساسية، إذ تتبلور فيه أفكار الباحث وتجاربه الغنية في الشأن الاقتصادي والاجتماعي.
إن من تسنى له متابعة الكتابات الاقتصادية خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حتى الوقت الحاضر سيجد أمامه مجموعة من الكتب المهمة التي عالجت موضوع الاقتصاد العراقي بمختلف فروعه وقطاعاته وبتوسع ملموس. ومن بين تلك الدراسات المهمة والمنشورة كتاب الفقيد الدكتور محمد سلمان حسن الموسوم ” التطور الاقتصادي في العراق، التجارة الخارجية والتطور الاقتصادي 1864-1958″ الصادر في عام 1965، وكتابه عن “دراسات في الاقتصاد العراقي” الصادر في عام 1966 وكتابات وكراسات أخرى عن النفط والسكان وثورة العشرين، وكذلك كتاب الدكتور خير الدين حسيب الموسوم “الدخل القومي في العراق 1953-1961” الصادر عام 1964، وهو أول كتاب من نوعه في العراق عن حسابات الدخل القومي، ثم كتاب الفقيد الدكتور عباس النصراوي الموسوم “الاقتصاد العراقي- النفط. التنمية. الحروب. التدمير. الآفاق 1950-2010″، الصادر عام 1995، إضافة إلى كتب اقتصادية عديدة أخرى للكاتب، إضافة إلى كُتّاب آخرين وكتب أخرى صدرت خلال الفترة المذكورة. ويندرج كتاب الدكتور علي خضير مرزا ضمن هذه المجموعة القيمة من الكتب التي تبحث في الاقتصاد العراقي خلال العقود المنصرمة، والتي يمتد بعضها إلى ما قبل تشكيل الدولة العراقية وأغلبها لما بعد ذلك. ويمكن الإشارة هنا إلى صدور كتاب لي بعنوان “لمحات من عراق القرن العشرين”، يحتوي على 11 مجلداً ويقع بـ 4250 صفحة، يتضمن فصولاً كاملة عن واقع وتطور الاقتصاد والمجتمع في العراق قبل وبعد تشكيل الدولة العراقية، ويمتد إلى حين صدور الكتاب في العام 2013، عن دار أراس للطباعة والنشر في أربيل، والذي لم يصل إلى أيدي الكثير من القراء والقارات في العراق والدول العربية بسبب الكمية القليلة التي طبعت منه ونفذت بسرعة.
يتضمن كتاب “الاقتصاد العراقي – الأزمات والتنمية” 19 فصلاً موزعة على أبواب سبعة وفهرس بالمصادر ويقع في 526 صفحة. هناك مجموعة من الفصول التي تتعرض إلى تفاصيل المشكلات القطاعية في الاقتصاد العراقي، وهي الفصول 2، 3، 4، 5، 9، 10، 11، 17، و18. لخص الفصل الأول بوضوح المضامين الأساسية لفصول الكتاب، في حين ركزت الفصول 2، 3 و4 على التكوين الاجتماعي والموارد السكانية والموارد المائية والمشكلات المرتبطة بها وتصور إمكانية تجاوزها. وبحث في الفصول 5، 6، 7، مشكلات النفط منذ البدء حتى الوقت الحاضر وعبر مراحل مرتبطة بواقع العراق وتطور أحداثه والتغيرات النسبية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وركز بشكل تفصيلي ودقيق على جولات التراخيص النفطية، التي حولها خلافات وأراء كثيرة، مبّرِزا جوانبها الإيجابية والسلبية ومقارناً بين عقود الخدمة وعقود المشاركة في الإنتاج على صعيد العراق ودول أخرى، إضافة إلى بلورته الفوارق بين العقود التي وقعتها الحكومة الاتحادية وتلك التي وقعتها حكومة إقليم كردستان العراق والسلبيات البارزة في أوضاع العلاقات النفطية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم على الاقتصاد النفطي وعموم الاقتصاد الوطني في العراق في ضوء غياب القوانين المنظمة لهذه العلاقة على سبيل المثال لا الحصر.
أما الفصل الثامن فقد خص به الباحث منظمة الأوبك: “منظمة الدول المصدرة للنفط” وتطور سياساتها ومواقفها واستراتيجيتها في عالم النفط وما يفترض أن تعمل من أجله. وهي دراسة مهمة وقيمة ذكرتني بالدارسة القيمة التي نشرها الصديق الفقيد الدكتور عباس النصراوي والصادرة باللغة الإنجليزية في كل من بالتيمور ولندن في عام 1984 وتحت عنوان „Opec in a Changing World Economy“ “ أوبك في اقتصاد عالمي متغير“، إضافة إلى كتابه الآخر والمهم الصادر في نيويورك ولندن في عام 1991 وباللغة الإنجليزية أيضاً وتحت عنوان ِ“Arab Nationalisim, Oil, and the Poltical Economy of Dependency“، “القومية العربية والاقتصاد السياسي المعتمد على الذات”. أما الفصل التاسع فقد ركز الباحث على القطاع الزراعي باعتباره كان القطاع الأول المنتج للدخل القومي في بلد زراعي متخلف، غالبية سكانه من الريف والزراعة والبداوة، قبل أن يحل القطاع النفطي في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومنذ 1951/1952 بشكل خاص ليحتل موقع القطاع الزراعي في تكوين النسبة الأعلى للدخل القومي. ويبلور الباحث في هذا الفصل مشكلات الاقتصاد الزراعي وتطوره قبل ثورة تموز وما بعد الإصلاح الزراعي الذي حصل في العام 1958 وغياب وضوح الرؤية في معالجة مشكلاته أوضاعه الراهنة ومعاناة الزراعة والفلاحين والأمن الغذائي. أما الفصل العاشر فقد توجه صوب القطاع الصناعي التحويلي، ليشير إلى المشكلات التي كانت ولا تزال تواجه هذا القطاع الحيوي الذي كان في مقدوره أن يغير من بنية الاقتصاد العراقي ومن طابعه الريعي ومن بنية المجتمع الطبقية لو تسنى للعراق تطويره وبشكل منسق مع القطاعين الزراعي والنفطي على وفق إستراتيجية تنموية واعية وهادفة. ويؤكد الباحث على واقع التدهور الحاصل في هذا القطاع، لاسيما بعد الفترة التي أطلق عليها مصطلح “التغيير”، ويقصد به، بعد غزو العراق واحتلاله في عام 2003 من قبل التحالف الدولي خارج الشرعية الدولية وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومن ثم إنهاء الاحتلال وحتى الوقت الحاضر. وفي الفصل الحادي عشر يبحث الكاتب في ثروة المجتمع أو الدخل القومي العراقي وتوزيعه بين الحكومة الاتحادية وحكومات المحافظات والإقليم والمشكلات التي واجهت ولا تزال تواجه العراق، ولاسيما الموقف من قطاع النفط وموارده المالية. أما الفصل الثاني عشر فيعالج موضوع المركزية واللامركزية في الحكم بالعراق وعلاقة ذلك بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية. أما الفصل الثالث عشر فيركز على موضوعة مهمة طرحت من جانب بعض الاقتصاديين العراقيين والتي تدعو إلى توزيع موارد النفط على المواطنين، ليبين سلبيات هذه الدعوة وأهمية تأمين التوزيع والاستخدام العقلاني للثروة النفطية ومواردها المالية على وفق استراتيجية اقتصادية اجتماعية تساهم في تغيير بنية الاقتصاد أولاً، وبينة المجتمع ثانياً. ويطرح الباحث في الفصلين الرابع عشر والخامس عشر هيكلية التخطيط وإشكالياته ومضمون التخطيط المركزي والتخطيط التأشيري من الناحية النظرية، وما يجري في العراق عملياً، إضافة إلى معالجته لاستراتيجية التنمية الوطنية الصادرة عن وزارة التخطيط منذ العام 2003. أما الفصل السادس عشر فيبحث الكاتب في علاقة العراق ببرنامج صندوق النقد الدولي ورأيه فيه في واقع العراق الراهن، وهي إحدى النقاط التي سنتطرق إليها لاحقاً. يعالج الباحث في الفصل السابع عشر موضوع التضخم وفعالية السياسة النقدية، علماً بأن السياسة المالية والنقدية هما الأداة التنفيذية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية والتي يفترض أن تكون نصب عيون القارئات والقراء. يعالج الفصل الثامن موضوعاً أساسياً وقطاعاً رئيسياً في الاقتصاد العراقي، وأعني به قطاع التجارة الخارجية والسياسات التجارية لدورها المميز في التأثير المباشر سلباً أو إيجاباً على عملية التنمية، إعاقة أو دعماً، لعميلة تغيير بنية الاقتصاد الوطني والتنويع الاقتصادي ومن أجل انقاذ العراق من براثن الاقتصاد الريعي النفطي.
أما الفصل الأخير فيطرح الباحث سؤالاً مهماً تحرى عنه منذ بدء الكتاب حتى نهايته هو: هل يمكن تحقيق التنوع الاقتصادي والإفلات من الفخ الريعي في العراق؟ وسنبحث بتوسع في إجابة السيد الدكتور علي خضير مرزا عن هذا السؤال في ظل الأوضاع الجارية في العراق منذ العام 2003 حتى الوقت الحاضر، ولاسيما طرحه لعدد من المقترحات المهمة بما فيها موضوع التربية والتعليم والبحث العلمي.
لا أضيف كثيرا حين أشير إلى إن الباحث قد بذل جهداً كبيراً ومتميزا لتشخيص المشكلات الأساسية التي واجهت ولا تزال تواجه الاقتصاد والمجتمع في العراق والتي يمكن بلورتها في النقاط التالية:
** غياب استراتيجية تنموية للاقتصاد والمجتمع في العراق على امتداد تاريخ العراق الحديث، رغم التبدلات التي حصلت في العراق، والذي يتجلى اليوم وأكثر من أي وقت مضى في غياب الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية الوطنية.
** منذ أن انتهى الطابع الريعي الزراعي في الاقتصاد العراقي في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، حل محله بامتياز الطابع الريعي النفطي، إذ بدأت هذه السمة المميزة بالتفاقم سنة بعد أخرى، وأصبحت المعرقل الفعلي لعملية التنمية الاقتصادية والتثمير الإنتاجي لتغيير بنية الاقتصاد والمجتمع والعواقب المرتبطة بذلك والناشئة عنه.
** في الفصول الأولى من الكتاب يضع الباحث يده على مشكلتين كبيرتين وأساسيتين في الاقتصاد والمجتمع، إضافة إلى مشكلات عديدة أخرى، هما، أولاً، مشكلة معدلات النمو السكانية العالية من جهة، وتدهور القدرة على استيعاب المزيد من الأيدي العاملة التي تدخل سنوياً إلى سوق العمل، وبالتالي تفاقم البطالة، ولاسيما بين الشبيبة، وتفاقم التضخم في الجهاز الإداري الحكومي إلى أكثر من التخمة بكثير من جهة أخرى، وثانياً، مشكلة شحة حصة العراق من المياه الداخلة إلى أراضيه من تركيا وإيران من ناحية، واستخدامها السيء والتفريطي، إضافة إلى قلة وسوء استخدام المياه الجوفية والاثار الناجمة عن كل ذلك حالياً وفي المستقبل من ناحية أخرى.
** ويطرح الباحث مشكلة معقدة أخرى كانت ولا تزال تواجه العراق ناشئة عن بنية المجتمع القومية، ولاسيما بعد قيام الفيدرالية الكردستانية، وغياب القوانين المنظمة للعلاقة الاقتصادية، ومنها المالية والنفطية، والإدارية والاجتماعية والسياسية، بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وكذلك بين الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات والعواقب التي برزت حتى الآن والتي يمكن أن تتفاقم لاحقاً.
وفي مجرى قراءتي لهذا الكتاب سأحاول أن أشير إلى تلك المشكلات الأخرى والمهمة التي لم يشر إليها الباحث والتي تشكل نقصاً يمكن تداركه، إن اقتنع بها الباحث، في الطبعة الثانية لهذا الكتاب المهم والقيم حقاً.
واحدة من المسائل المهمة التي أرى ضرورة الإشارة إليها هنا في هذا المدخل من قراءتي للكتاب هي عدم الإشارة الواضحة للاختلالات الشديدة في استيعاب وإدراك المسؤولين عن الاقتصاد العراقي ورسم سياساته للقوانين الاقتصادية الموضوعية الفاعلة في المجتمع وفي العملية الاقتصادية وسبل التعامل معها والعواقب الوخيمة لهذا الإهمال الذي ينعكس في جملة من الظاهر البارزة مثل اختلال العلاقة بين التوظيفات الاستثمارية (الإنتاجي) والانفاق الاستهلاكيأ أي فس سوء توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي. إن عدم الوعي بهذه القوانين وعدم التعامل الواعي معها يقود إلى سلسلة من الاختلالات الكبيرة والكثيرة في مجمل العملية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والتي تقود بدورها إلى تناقضات وصراعات، ثم تتحول، حين لا تعالج، إلى نزاعات سياسية، كما حصل في وثبات العراق وانتفاضاته ومنذ ثم في عام 1958 أو فيما بعد أيضاً.
المشكلات الكبيرة والمعقدة التي أظهرها الكاتب لم تنشأ دون عوامل وأسباب كثيرة ودون الإساءة للقوانين الاقتصادية الموضوعية المرتبطة بطبيعة علاقات الإنتاج السائدة في العراق وفي العلاقات الاقتصادية الدولية. وقد أشار الباحث إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه تجنب تماماً البحث في العوامل السياسية التي كانت وراء ذلك، بما فيها الحريات العامة والحياة الديمقراطية والمؤسسات الدستورية، حيث كتب يقول: “ونتيجة لتعرض العراق لأزمات سياسية واجتماعية وجيوسياسية عديدة خلال هذا التاريخ، فأن عرض وتحليل هذا التطور يأخذ بالاعتبار الأزمات المذكورة من ضمن العوامل الأساسية المؤثرة فيه، وربما المتأثرة به. غير أن من المناسب الإشارة إلى أن تفسير وتحليل العوامل المسببة لهذه الأزمات يقع خارج نطاق هذا البحث” (الكتاب، ص1). على وفق رؤيتي للأمور ومن وجهة نظري، أرى بأن البحث الاقتصادي البحت غير ممكن ما لم تكن هناك خلفية فكرية وسياسية لدى الباحث وفي التحليل العلمي للأحداث والوقائع الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد من البلدان، وبالتالي لا يمكن تجاوزها بذلك المقطع الذي أورده الكاتب في أعلاه، فالاقتصاد أو السياسات الاقتصادية في أي بلد من البلدان هي نتاج النظام السياسي الحاكم الذي يقرر طبيعة ومضامين السياسات الاقتصادية، ومن هنا يفترض تأكيد حقيقة أن الاقتصاد والسياسات الاقتصادية المنبثقة عن طبيعة نظام حكم معين هما من حيث المبدأ والواقع “وجهان لعملة واحدة” لا يمكن الفصل بينهما، وبالتالي فتجنب التحليل لهذه المسألة تبقى المعالجة العلمية ناقصة حين لا يشار إلى العوامل السياسية الفاعلة والمسببة أو تلك التي لا تزال تتسبب في الفساد السائد وفي مجمل العملية الاقتصادية والاجتماعية الجارية في البلاد، كما أشار إلى ذلك بصواب السيد الدكتور وليد خدوري في مقاله الموسوم عن كتاب “الاقتصاد العراقي الأزمات والتنمية” المنشور في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، مثلاً، أو اغفال موضوع الطابع القومي البعثي في فتر حكم البعث أو المحاصصة الطائفية في الدولة العراقية الراهنة وفي السلطات الثلاث وتأثيرها على غياب الاستراتيجية التنموية والتنويع الاقتصادي…الخ، أو في موضوع العواقب التي ترتَّبت عن غزو واحتلال العراق، أو تلك السياسات التي قادت إلى احتلال الموصل وكل محافظة نينوى من قوى الإرهاب الإسلامي السياسي المتطرف والتكفيري (داعش) وعواقبها على الاقتصاد والمجتمع، أو الحراك الشعبي الجاري والعوامل الكامنة وراء ذلك، ولاسيما موضوع الخدمات العامة، بما فيها الطاقة الكهربائية والماء الصحي، وهي موضوعات مهمة سأبحث بها لاحقاً ضمن قراءتي لهذا العمل الاقتصادي الكبير والقيم للسيد الدكتور علي خضير مرزا. انتهت الحلقة الأولى وتليها الحلقة الثانية: قراءة في الفصول 2، 3 و4.