اختراع الطباعة
عندما نشتري اليوم كتاباً أو صحيفة، بأننا مقابل مبلغا قليل من المال نمتلك آلاف كثيرة من الكلمات المفيدة للقراءة، ولكن الأمر لم يكن هكذا دائماً، والأعمال الكبيرة في القرون القديمة والوسطى كان ينبغي أن يجري العمل بها يدوياً. وبوسعنا اليوم التصور، كما كان الكتاب ثميناً، عندما يقوم كاتب طيلة أسابيع، وأشهر، بل وربما لسنوات عديدة يعمل في إنجاز كتاب وربما يقع في أخطاء كثيرة لدى كتابته باليد.
في نهاية القرون الوسطى توصل أشخاص أذكياء إلى فكرة يحفروا صوراَ ونصوص على صفحات من خشب، ومن هذه الصفحات الخشبية يمكن طباعة المئات من النسخ. ولكن هذا لم يكن ليخلو من تكاليف عند حفر كل صفحة وقد لا تستخدم مرة أخرى.
وهنا أنبرى صائغ ذهب ألماني لحل المعضلة، وأخترع ما يمكن اعتباره بداية لعصر الطباعة الحقيقي. وكان الصائغ يدعى يوهان غوتنبيرغ (Johann Gutenberg). وكان غوتنبيرغ قد ولد عام 1395 في مدينة ماينز، الذي أضطر لترك مدينة مسقط رأسه، لتحصل على رزقه كعامل صياغة في مدينة شتراسبورغ، وهناك سعى من أجل أن يتوصل لطريقة يتمكن بها من طباعة العديد من الكتب بأسعار زهيدة.
وكان آخرون قد فكروا أيضاً بصناعة حروف منفصلة بدلاً من صفحات كاملة ثم تصفف هذه الحروف وطاعة العديد من النسخ، ثم يمكن بعد إنجاز الطباعة، فصل الحروف عن بعضها، ومن ثم إعادة استخدامها في طباعة جديدة.، ولما كانت الحروف الخشبية سريعة التلف، فقد توصل غوتنبيرغ بصياغة الحروف من المعدن.
وبعد سنوات من المحاولات الحثيثة في مجال الطباعة، عاد غوتنبيرغ إلى بلدته ماينز حيث أسس هناك مطبعة صغيرة، وحدث أن أحد الأثرياء أدرك أهمية اختراع غوتنبيرغ، فقام بإقراضه مبلغاً من المال، حيث تمكن من طباعة كتاب كبير: الإنجيل المقدس. وهكذا تمكن من إنتاج طباعة فاخرة التي ل تضاهيها طباعة حتى يومنا هذا.
وعندما أنجز طباعة الإنجيل، بدأ الرجل الثري يطال غوتنبيرغ بالمال الذي أقرضه اياه، ولكن غوتنبيرغ لم يكن من المال ما يكفي إعادة القرض، خسر بذلك مطبعته وبقي حتى نهاية عمره فقيراً.
ولكن اختراع غوتنبيرغ سرعان ما أنتشر عبر العالم بأسره، وبعد ثلاثون عاماً من وفاته كانت المطابع قد أنتشرت في أوربا عام 1120، وأخيراً صار ثمن الكتاب زهيداً، والشعوب توصلت إلى وسائل سهلة ورخيصة للتعليم والدراسة، وكانت قبل ذلك حكراً على العائلات الثرية.
وبدأت الأفكار الجديدة تنتشر بين الناس… عصر جديد صار بوسعه أن يشع على البشرية.