أهمية التعليم في بناء المجتمع.. التجربة اليابانية أنموذجاً
يُعَدُّ التعليمَ أحد أهم العوامل الرئيسة التي من شأنها المساهمة بشكلٍ فاعل ومؤثر في إرساء متطلبات نجاح عملية التنمية التي تعبر عن توجهات القيادات الإدارية لتحقيق الأهداف الوطنية في أي بلد. وليس بالأمر المفاجئ القول إنَّ البلدانَ الساعية إلى ارتقاء سلالم الحضارة والطامحة إلى تحقيق نهضة تنموية لمجتمعاتها على الصعد كافة،ملزمة بتركيز الاهتمام على قِطاع التعليم وإيلائه المزيد من الدعموالرعاية، إذ يشير أغلب الباحثين إلى التعليم بوصفه شريان الحياة لأيّ مجتمع في مسيرته نحو التقدم والنمو والازدهار.
لعلَّ ما يؤكد أهمية دور التعليم في مهمة بناء المجتمع هو القفزاتالتنموية الكبيرة والمذهلة التي حققتها الدول الصناعية المتقدمة فيالمجالات كافة. وتدعيماً لما ذكر فأنَّ النظامَ التعليمي المتميز الذي ركنتإلى اعتماده القيادات الإدارية في اليابان يُعَدّ اللبنة الأساسية التيساهمت في انتقالها بزمنٍ قصير إلى مارد اقتصادي بعد أن كانتبأمس الحاجة للمساعدات الإنسانية التي تصلها من دول العالم علىخلفية هزيمتها النكراء في الحرب العالمية الثانية، وما تحملته جراء ذلكمن خسائرٍ بشرية ومادية ساهمت في جعلها دولة فقيرة شأنها شأندول العالم الثالث، فالمذهل في الأمر أنَّ إدارةَ التعليم في كوكباليابان لم تكتفِ بالنظام التعليمي التقليدي المتمثل بالكتب المنهجيةالتي تعرضت ذاتها إلى التطوير الذي أفضى في نهاية المطاف إلىتميز الطفل الياباني الصغير عن نظرائه في جميع
أنحاء العالم بفعل ما قدمته البرامج التطويرية من علوم ومعارف، إذاهتدت تلك الإدارة إلى تبني سبل حديثة زاوجت ما بين الكتب المنهجيةونظام التعليم اللامنهجي الذي يهدف بالأساس إلى إيجاد بيئة معرفيةبوسعها تنمية مهارات التلاميذ وحثهم على الابتكار ودفعهم إلى مسرحالاختراع، بالإضافة إلى تحفيزهم بطريقة أو بأخرى للبحث عن آفاقجديدة ومتطورة.
المثيرُ للاهتمامِ أَنَّ من بين السمات الأخرى المميزة للتجربة التيخاضتها اليابان في ميدان التعليم وأذهلت العالم بهول نتائجهاالإيجابية هو قيامها بالأساس على مبدأ المركزية مع السماح فيالوقت ذاته لمجالس التعليم بقدرٍ من اللامركزية قصد مراعاة ظروف كلمحافظة. ويمكن الجزم بأنَّ تحول اليابان من دولةٍ منهارة إلى عملاقاقتصادي لم يكن محض صدفة، فقد بُذلت في هذا المسعى جهوداًجبارة تمخض عنها ازدهار صناعتها التي تعَدّ واحدة من ركائز قوتهاالاقتصادية، إلى جانب تغطيتها بفعل جودة منتجاتها وقدرتها علىالمنافسة لجزء كبير من حصة السوق العالمي.
لأنَّ القياداتَ الإدارية اليابانية تعي جيداً أهمية قِطاع التعليم بوصفهقاطرة التنمية الاقتصادية، فقد كان من جملة برامجها لتطويره ينطلقمن تقديسها للتعليم والعلم. وهو الأمر الذي فرض عليها المحافظة علىمكانة المعلم الاجتماعية اللائقة، إذ تبنت الحكومة اليابانية آليات عدةلتكريمه، والتي في مقدمتها الرواتب العالية وتوفير سبل الضمانالصحي والاجتماعي؛ لأجل تلافي انشغاله بهموم الحياة وشؤونها.