خلاف بين خليل وابراهيم ثم حوار فوئام
خليل هو الدكتور خليل عبد العزيز, السياسي المعروف و مؤلف كتاب – (محطات من حياتي) الصادر في بغداد العام 2018 , و ابراهيم هو ألاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف , المؤرخ العراقي الكبير والاستاذ اللامع في جامعة الموصل , والخلاف الذي حدث بينهما هو خلاف فكري بحت حول موقفهم الشخصي من احداث معينة جرت في التاريخ الحديث للعراق كانا ( كلاهما) شاهدين لها وشاهدين عليها كل من موقعه. ولنبدأ قصة الخلافات (الفكرية !) الطريفة هذه من بدايتها , اذ انها – في رأينا – تستحق المتابعة الدقيقة فعلا ( وصولا الى الاستنتاج المنطقي حول ذلك , وهو الهدف الاساسي لهذه المقالة ), فهي خلافات بين علميين من أعلام المثقفين العراقيين المعاصرين , الذين يساهمون (بحياكة!) التاريخ العراقي الحديث وتدوينه للاجيال العراقية الحالية و اللاحقة , وتدوين الاحداث ( مهما كانت صغيرة) بدقة وموضوعية ينعكس – بالتأكيد – على مجمل مسيرة التاريخ العراقي ومصيره , و على نبض الحياة طبعا بالنسبة لحاضر بلادنا و لمستقبلها ايضا , ولنتذكر بيت الجواهري , الذي رسم صورة فنيّة و عميقة لهذه الحالة –
ومن لم يتعظ لغد بامس وان كان الذكي- هو البليد
القصة هذه بدأت عندما كتب العلاف عرضا جميلا – كعادته دائما لأنه مؤرخ يتابع ويسجّل ما يجري حوله من أحداث – لكتاب خليل عبد العزيز ( محطات من حياتي ) باعتباره وثيقة مهمة من وثائق العراق وتاريخه, ونشر العلاف هذا العرض في موقع الكتروني معروف وواسع الانتشار , وهذا العرض هو قراءة موضوعية وهادئة وشاملة للكتاب المذكور . في ذلك العرض جاءت نقطة الخلاف الوحيدة واقعيا بين الاثنين , وكانت تدور حول تفاصيل احداث الموصل عام 1959 الشهيرة , والمرتبطة بحركة الشواف, والتي ساهم بها شخصيا د. خليل عبد العزيز , عندما كان أحد المسؤولين عن التنظيمات الطلابية آنذاك , والتي شاهدها أ.د. ابراهيم العلاف ايضا عندما كان يافعا.
بعد ان نشر د. ابراهيم العلاف تلك القراءة للكتاب , أجاب د. خليل عبد العزيز عليه بمقالة نشرها ايضا , ودافع طبعا عن وجهة نظره التي جاءت في كتابه المذكور حول تلك الاحداث, وهكذا اصبح الخلاف بينهما علنيا , وقد اضطر العلاف بالطبع ان يجيب بمقالة جديدة يناقش فيها ذلك , و عاد عبد العزيز وكتب جوابا على ذلك الجواب , وهكذا أصبح لدينا مجموعة مقالات , وهي – عرض للكتاب بقلم العلاف وجواب على العرض بقلم عبد العزيز وجواب على الجواب بقلم العلاف وجواب على جواب الجواب بقلم عبد العزيز , وكنت اتابع هذا النقاش بدقّة بين زميلين أعتّز جدا بزمالتهما , وبغض النظر عن رأيّ الشخصي الخاص حول ذلك الخلاف, فقد كنت ارى في تلك النقاشات بينهما المستوى الرفيع والعفيف والنبيل للتعبير عن تلك الخلافات , فلا يوجد تشنج ولا عصبية ولا اتهامات ولا احكام حادة تجاه البعض , وكان كل باحث يعرض بهدوء رأيه الخاص به, مع التأكيد على احترام الرأي الآخر رغم الاختلافات غير البسيطة بين الاثنين , وهذه مسألة كبيرة جدا في زماننا الردئ هذا , حيث نرى النقاشات (البذيئة والوسخة!) مع الاسف الشديد جدا, والتي يعطّ منها الاندفاع الذاتي الوقح, و الذي ينطلق من المصالح الشخصية البحتة , والمنافع المادية ليس الا , وكل ذلك يجري طبعا ( برعاية !!!) من جهات واضحة المعالم …
ونعود الى قصة هذا الخلاف بين خليل وابراهيم ( التزاما بعنوان مقالتنا طبعا) , فقد انقطعت أخباره عنّي رغم اني كنت اتابعه بدقة , واستفسرت عن ذلك , فجاء الجواب من الزميل الدكتور خليل نفسه , اذ تبين انه زار العراق , ومن الطبيعي انه يجب ان يمرّ حتما بمدينته الحبيبة الموصل , وطنه الصغير ومسقط رأسه, ولكن هذا المرور كان لمدة يوم واحد فقط لا غير , اذ لم تسمح ظروفه باكثر من ذلك , ومع هذا , فقد اراد ان يلتقي بالدكتور ابراهيم الذي يسكن هناك, ولكن كيف ؟ وهكذا قرر ان ( يجازف!) ويبعث اليه بخبرعن رغبته تلك بحذر شديد وبوجل طبعا , واذا بالدكتور ابراهيم يستجيب للمقترح رأسا وبحماس منقطع النظير , وهكذا تم اللقاء في بيت الدكتور ابراهيم نفسه , وفي هذا اللقاء الجميل تحدثا عن تلك المقالات والخلافات , وتم ( تسويتها!!!) بنفس تلك الروحية الانيقة والراقية والنبيلة , التي تحدث بين المثقفين الحقيقيين , الذين توحّدهم روحيّة عراقيتهم الاصيلة وعراقة اصالتهم العراقية وجذورهم الوطنية في اعماق الارض العراقية . وهذا هو الاستنتاج الذي أشرت اليه في بداية هذه المقالة , وهذا هو الهدف من كل هذه السطورالتي أكتبها , والتي أريد في نهايتها ان أحيي الدكتور خليل , الذي كتبت عنه العديد من مقالاتي , ومنها مثلا – ( خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز بحلقتين / كتاب نصف قرن بالروسية ..وغيرها ) , وكذلك اريد ان أحيي الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف , الذي أعرفه منذ سنوات النشر في جريدة الجمهورية البغدادية في سبعينات القرن العشرين , والذي اقترحت مرة عليه ( عندما كنت مديرا لمركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الروسية بداية القرن الحادي والعشرين هذا) اصدار كتاب بتأليفه عن المركز, يعرّف الروس بعدة شخصيات عراقية , وأذكر استجابة د. العلاف السريعة لهذا المقترح , وكيف انه أرسل لي فعلا المواد الاولية عن هؤلاء الاعلام العراقيين , وكم تأسفت آنذاك لان مركزنا لم يستطع تحقيق ذلك المقترح الرائد , والذي لازلت لحد الان أحلم بتحقيقه مستقبلا ضمن خطط دار نوّار للنشر.