الإنتخابات ستمحو وجه إسرائيل الذي نعرفه
تحت هذا العنوان كتب ” ألون بن مئيـــــــــــــــــــر” مقاله الذي وصف فيه المشهد السياسي بدولة الاحتلال، ونحن في بيدر نعيد نشره للقارئ لأهميته.
لقد أثبتت نتيجة الإنتخابات الإسرائيلية أن حركة الجمهور الإسرائيلي إلى اليمين أصبحت الآن متماسكة وأن تحولها المحتمل إلى الوسط وإلى يسار الوسط أصبح غير مرجح على نحو متزايد. ينبغي أن تعطي هذه النتيجة وقفة جدية لكل يهودي وصديق لإسرائيل، لأن عواقب مستقبل إسرائيل ستكون وخيمة للغاية. سوف يسمح للحكومة اليمينية المتوقعة حديثاً بقيادة نتنياهو باتخاذ أي إجراء يختاره لمنع قيام دولة فلسطينية. سيؤدي ذلك إلى تقويض الأساس الديمقراطي واليهودي لإسرائيل ووضع الدولة على المسار السريع لتدمير الذات، الأمر الذي سيؤدي إلى طمس وجه إسرائيل كما نعرفه.
بادئ ذي بدء ، كان هناك دعم ثابت ومستمر لا لبس فيه من الولايات المتحدة للحكومات المتعاقبة طوال وجود إسرائيل. إن تمكين الولايات المتحدة لإسرائيل وتحديداً خلال العقود القليلة الماضية قد سمح للحكومات الوسطية واليمينية باتخاذ سياسات، لا سيما بناء مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات الحالية ، تتعارض مع أي سلام إسرائيلي فلسطيني محتمل قائم على أساس حل الدولتين. وفي هذا الصدد ، فإن دعم ترامب المفتوح لحكومة نتنياهو قد قوّض بشدّة وبشكل خطير أمن إسرائيل ورفاهيتها في المستقبل ، وهو – ما يثير للسخرية – أمر تريد إدارة ترامب حمايته.
ثانياً ، بينما يواصل المتطرفون الفلسطينيون للأسف التصرّف بطريقة تعود على أحزاب يمين الوسط الإسرائيلي بالفائدة وعليهم بالضرر، فقد سهل هذا الأمر على قادة اليمين الإدلاء بحجج قوية ضد الفلسطينيين وتبرير تطبيق السياسات التمييزية والإحتلال. فبناء المستوطنات وفرض نظام أمني هائل يمتد إلى جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة يزيد من تضاؤل قيام دولة فلسطينية مستقلة بمناطق متجاورة ومتماسكة.
ثالثًا ، طوّر الإسرائيليون عقلية حصار من منظورهم التاريخي وكذلك من تجربتهم مع الفلسطينيين (خاصة بعد الانتفاضة الثانية عام 2000). ونتيجة لذلك ، أصبحت إسرائيل تعتمد بشكل متزايد على نفسها في مسائل الأمن القومي وتشكك في الفلسطينيين والمجتمع الدولي بشكل ٍ عام. وعلى هذا النحو ، أصبح استخدام إسرائيل للقوة العسكرية المفرطة لإخماد المقاومة الفلسطينية أمرًا معتادًا وأصبح تطبيق تدابير قاسية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لصدّهم من القيام بأي حركة هو القاعدة.
السبب الرابع هو مخاوف الأمن القومي. لا شك أن إسرائيل هي القوة العظمى في المنطقة ، وليس هناك دولة واحدة (بما في ذلك إيران) أو مجموعة من الدول يمكنها في الواقع ، الآن أو في المستقبل المنظور، أن تطغى على إسرائيل عسكريًا. ومع ذلك يشعر الإسرائيليون بالضعف وعدم الأمان مما يجعل الأمن القومي موضوعًا رئيسيًا في أي علاقات مستقبلية مع الفلسطينيين ، الأمر الذي يحدّ بالضرورة من التنازلات التي يمكن للإسرائيليين تقديمها بموجب أي اتفاق ٍ للسلام.
خامساً، القوة السياسية المتنامية ، إن لم تكن الحاسمة ، للمستوطنين الذين هم الآن في موقع استراتيجي. يتمتع المستوطنون الممثلون من قبل مختلف الأحزاب اليمينية بما في ذلك الليكود بتمثيل آمن في الكنيست والحكومة. لن تجرؤ أي حكومة إسرائيلية على إخلاء أي عدد كبير من المستوطنين دون إثارة أزمة سياسية كبيرة وحتى المقاومة العنيفة التي قد تمزق البلاد.
سادساً ، هناك انقسام مستمر تقريبًا بين اليهود العلمانيين والجالية الأرثوذكسية ، الأمر الذي أدى إلى إضعاف احتمال الوحدة بين الإسرائيليين أنفسهم. علاوة على ذلك ، ونظرًا لعدم تمكن أي حزب من الحصول على الأغلبية المطلقة، فإن الإنتخابات تؤدي دائمًا إلى حكومة إئتلافية يصبح من الضروري عليها التتنازل عن القضايا المهمة، ربما بخلاف الأمن. ونتيجة لذلك تم وضع الخلاف بين شركاء الإئتلاف للإتفاق على حلّ طويل الأمد للصراع مع الفلسطينيين إلى أجل ٍ غير مسمّى، الأمر الذي زاد من عسر النزاع وجعله أكثر تعقيدًا.
من الصعب المبالغة في تبعات هذه الإنتخابات واليقين بتشكيل حكومة يمينية بقيادة نتنياهو. بادئ ذي بدء ، إذا كان هناك أي احتمال ضئيل للتوصل إلى حل الدولتين فقد تلاشى هذا الإحتمال عملياً بالكامل تحت سمع وبصر نتنياهو. هذا بحد ذاته سيزيد من تطرف الفلسطينيين وسيؤدي بلا شك إلى المزيد من العنف المتكرر الذي قد يغذي إراقة الدماء على المدى الطويل بين الجانبين.
سيكون لنتنياهو وشركائه الآن يد أكثر حرية للعمل عمّا كان سابقا ً لتقليص دور القضاء وانتهاك الإتفاقيات الدولية، وتحديداً فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، واتباع أساليب أكثر قسوة لتوطيد الإحتلال وبالتأكيد فتح الباب لمزيد من ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية كما وعد نتنياهو في حال إعادة انتخابه. ليس هناك شك في أن الإئتلاف، بصرف النظر عن الإختلافات السياسية، سوف يجتمع معًا لخلق حقائق جديدة لا رجعة فيها على الأرض تدفن إمكانية حل الدولتين.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان من قبل ترامب قد وجه ضربة قوية لاحتمال سلام عربي إسرائيلي شامل. للأسف، هذا في حين أن معظم الدول العربية كانت تقترب أكثر فأكثر من إسرائيل في السنوات الأخيرة بسبب عدوها المشترك إيران، غير أن نتيجة هذه الإنتخابات سوف تردع بالتأكيد المزيد من التحسن في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وسوف تتفاقم عزلة إسرائيل الإقليمية.
علاوة على ذلك ، فإن ديمقراطية إسرائيل ذاتها التي كانت تتأرجح على مدى السنوات القليلة الماضية هي الآن على وشك الإنهيار. فقد أعلن القانون الأساسي في الصيف الماضي رسمياً أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي وهو تمييز صريح ضد العرب الإسرائيليين وغيرهم من الأقليات غير اليهودية. سوف تصبح مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض عقوبات ٍ عليها، التنظيم المعروف ب “بي.دي.إس” (BDS)، وغيرها من التدابير العقابية ضد إسرائيل قضية مشتركة يدعمها عدد متزايد من البلدان في جميع أنحاء العالم.
أضف إلى ذلك ، سيكون الخلاف بين اليهود الأمريكيين بشكل خاص وإسرائيل أكثر حدة وسيكون له تداعيات كبيرة على الوحدة اليهودية حيث ستتعمق فقط الفجوة الأيديولوجية بين الجانبين. يدعم يهود الشتات بالإجماع تقريبا ً حلّ الدولتين الذي يعتبرونه النتيجة النهائية التي توفر لإسرائيل الأمن وتحافظ على أغلبيتها اليهودية وطبيعتها الديمقراطية.
من المؤكد أن إسرائيل ستصبح دولة تفرقة عنصرية (أبارتهايد) بحكم الواقع لأنها تواصل تطبيق قوانين مختلفة على الإسرائيليين الذين يعيشون داخل إسرائيل وفي المستوطنات ومجموعة مختلفة من قوانين الإحتلال التي تحكم الفلسطينيين مما يحد من حريتهم السياسية ويضيّق نطاق حقوقهم المدنية الأساسية.
وبخلاف أي حكومة إسرائيلية يمينية سابقة قد يكون تشكيل حكومة جديدة في عهد نتنياهو الأكثر حسماً ومصيريّا ً لإسرائيل من أي حكومة يمينية أخرى نعرفها. هذا ليس سوى نقطة تحول خطيرة في تاريخ إسرائيل حيث يختار زعماؤها الرجعيون والمتحمّسون والمؤمنون بالمسيح المنتظر والمتطرفون من اليمين المزيد من الأراضي على حساب أمن إسرائيل وازدهارها في المستقبل وخسارة ديمقراطيتها وتبديد حلم عمره قرون من الزمن لليهود في إقامة وطن مستقل وحر وآمن والعيش بسلام. إنه خيار وضع إسرائيل على المسار السريع نحو الهاوية.