شئ عن متحف تسفيتايفا وبرنامجه الثقافي
متحف تسفيتايفا في موسكو هو الشقة التي عاشت بها الشاعرة وعائلتها الصغيرة منذ عام 1914 الى عام 1922 (هاجرت بعدئذ من الاتحاد السوفيتي مع زوجها) . و الشاعرة مارينا تسفيتايفا ( 1892-1941 ) هي ابنة بروفيسور جامعة موسكو ومؤسس متحف الفنون الجميلة في موسكو واول مدير له , ووالدتها عازفة بيانو معروفة في روسيا .
عندما قررت الاوساط الثقافية في روسيا الاتحادية عام 1992 تحويل هذه الشقة الى متحف , تم دمج الشقة المجاورة لها مع المتحف , اي اصبح كل الطابق في تلك البناية متحفا , وأقامت تمثالا رائعا لتسفيتايفا في الشارع امام تلك البناية , وهكذا اصبحت تسمية هذا المكان – ( بيت – متحف تسفيتايفا ) , ويعدّ واحدا من المتاحف الحديثة نسبيا في موسكو , ويضم الان 45 الف مادة ترتبط بتسفيتايفا وحياتها من رسائل وصور ولوحات وكتب وحاجات شخصية وأثاث ….الخ . لقد زرت هذا البيت – المتحف قبل فترة ( انظر مقالتنا بعنوان – كنت في بيت تسفيتايفا) , وعندما خرجت , طرحوا عليّ سؤالا هو – هل ترغب ان نعلمك بنشاطات متحفنا الثقافية ؟ فأجبت – نعم وبكل سرور , فطلبوا عنواني الالكتروني , وهكذا ابتدأت باستلام برامجهم الثقافية المتنوعة , والمرتبطة طبعا بالادب الروسي ومسيرته. لقد اختتمت مقالتي المشار اليها أعلاه ببرنامج ذلك المتحف عندما زرته آنذاك , وحاولت بعدئذ متابعة نشاطاتهم الثقافية حسب وقتي وظروفي , واليوم استلمت برنامجهم الثقافي لشهر نيسان / ابريل 2019 , ويتضمن خلاصة وجيزة لكل فقرة من فقراته , وكم تأسفت لان ظروفي الان لا تسمح لي بالمشاركة معهم وحضور هذه الفعاليات الجميلة والممتعة حول الادب الروسي , ولهذا قررت اطلاع القراء على بعض فقرات هذا البرنامج بشكل وجيز , اذ في الاقل سيعرف القراء طبيعة هذه البرامج الثقافية , التي يقدمها هذا المتحف للجمهور المتابع لاخبار الادب الروسي , وأظن ان القراء العرب ربما سيجدون في هذا التعريف الوجيز معلومات مفيدة وجديدة عن الادب الروسي و اعلامه وتاريخه ومسيرته.
الفقرة الاولى , التي اتوقف عندها في هذا البرنامج جاءت بعنوان – توتشيف وفيت , وهما شاعران عملاقان في تاريخ الشعر الروسي بمنتصف القرن التاسع عشر ( اي بعد بوشكين) . الخلاصة الوجيزة عنهما في ذلك البرنامج تتناول مكانتهما المتميّزة في مسيرة الشعر الروسي , وتأثيرهما بالذات على شعراء العصر الفضي ( وهي تسمية لعشرينيات القرن العشرين تمييزا لها عن تسمية العصر الذهبي للشعر الروسي , وهو زمن بوشكين) , و تنتقل الخلاصة للحديث عن انعكاس خصائصهما الفنية في الحياة الثقافية الروسية المعاصرة , وهو موضوع جديد بكل معنى الكلمة , و تختتم الخلاصة عرضها لطبيعة هذه الفقرة بجمل تحمل سمات شعر هذين الشاعرين , وهي كما يأتي – ( …و كيف كانا يسكبان الهدوء والسكينة على الاصوات وضجيجها , و الليل على النهار , و الاحاسيس على التعقّل…) , و يتساءل كاتب تلك الخلاصة في النهاية قائلا – هل كانا يمثلان البوذية الروسية العفوية ؟ . وباختصار , فان تلك الكلمات القليلة عن هذه الفقرة في البرنامج الثقافي لمتحف تسفيتايفا تثير القارئ المتابع للظواهر الجديدة في الادب الروسي , وتجعله متلهفا فعلا لحضور هذه المحاضرة العميقة والطريفة في مسيرة الشعر الروسي .
الفقرة الثانية التي نتوقف عندها قليلا في هذا البرنامج ترتبط بتاريخ المسرح الروسي , وقد جاءت تحت عنوان – ( من غريبويديف الى استروفسكي ) . يشير البرنامج الى ان المحاضرة هذه تتناول المسرحيات الكلاسيكية البارزة في هذه الفترة الزمنية الطويلة نسبيا في تاريخ المسرح الروسي .
الفقرة الثالثة جاءت بعنوان – ( مارينا تسفيتايفا عن الكساندر بلوك ) , وهذا موضوع كبير لازال النقاد والباحثون يتناولونه , اذ ان علاقة تسفيتايفا تجاه بلوك كانت غير اعتيادية بتاتا , فهي لم تستطع ان تتقبّل امكانية ان تقابله وتتكلم معه اثناء حياته , لأنها كانت تعدّه ظاهرة استثنائية وخاصة جدا بين البشر , ولهذا كانت تخشى اللقاء معه وتخجل وترتبك. لقد كتبت له القصائد وارسلتها اليه ليس الا , واحتفظت بطبيعة هذه العلاقة الروحية الغريبة طوال حياتها , ويشير بعض الباحثين الى ان هذه العلاقة تكاد ان تكون ( الآهية!) .
الفقرة الاخيرة , التي اخترناها من ذلك البرنامج تدور حول الرواية في الادب الروسي , وقد جاءت تحت عنوان – ( المشترك بين ابطال روايات تورغينيف وغانجيروف ودستويفسكي ) , وهو طرح جديد في عالم النقد الادبي الروسي , اذ يتناول مجموعة مختلفة من الروائيين الروس الكبار , بعيدين عن بعض كليّا من حيث الافكار والاسلوب والاهداف ومسيرة حياتهم بشكل عام.
لقد تحولت بيوت الادباء الروس الكبار الى متاحف تحافظ على تراث هؤلاء الادباء , وتساهم في نفس الوقت بدراسة تراثهم , ومكانة هذا التراث واهميته في مجمل مسيرة الادب الروسي , ومتحف تسفيتايفا هو واحد من عشرات المتاحف الاخرى في روسيا.
متى نحقق نحن اقامة متاحف لادبائنا؟ ومتى نرى بيوتهم وقد تحولت الى متاحف تحافظ على تراثهم , وتقوم بدراسته ونشره ؟ في بغداد يدور الحديث منذ سنوات طويلة عن بيت الجواهري ولكن…..