حين يموت الضمير!
من نافلة القول إنَّ القيمَ الصادقة تُعَدّ من أهم الركائز الأساسية التيتُبنى عليها المجتمعات البشرية، بوصفها مجموعة المعايير التي تحققالاطمئنان للحاجات الإنسانية التي من شأنها المساهمة في الحفاظعلى سلامة المجتمع واستقراره.
وفي هذا السياق يشير بعض الباحثينإلى أنَّ مصيبةً الإنسان العظمى تتحقق في موته وهو حي بسبب موتضميره، فالضمير على وفق هذا التحديد كالإنسان إما حي أو ميت،فيما يؤكد آخرون أنَّ الضميرَ الحي هو الضمير الذي يتمتع بقدر كبيرمن الحرية من صاحبه، فحينما يموت الضمير تغفو العقول في بركآسنة، ما يعني امتلاك هذا النوع من البشر القدرة على فعل كل مايخالف المبادئ الإنسانية؛ لانَّ الضميرَ يعني وعي الفرد بتوافق مايقوم به من عمل أو تعارضه مع المعايير الناظمة لمنظومة القيمالإنسانية النبيلة. ولا ريب أنَّ كل الأزمات والويلات والمحن والمصائبالتي شهدتها المجتمعات الإنسانية – وما تزال تعيشها – تفرعت عنالأزمة الأم المتمثلة بأزمة الضمير الإنساني.
تشهدُ الكثير من بلدان العالم ازدهاراً في صناعة المنتجات الطبيةالعلاجية المغشوشة بعملياتٍ صناعية واسعة النطاق أو عمليات صغيرةتجري في الخفاء، حتى بات من غير الممكن وجود بلد لم تمسه تلكالمشكلة. ويمكن الجزم بأنَّ سهولةَ الحصول على المتطلبات التقنيةالخاصة بصنع الأدوية المغشوشة ومثيلاتها من أنواع العقاقير غيرفاعلة التأثير كالأفران والمعدات التخصصية والآت إنتاج الأقراصومواد التغليف وغيرها من المكونات يُعَدّ من بين أهم العوامل المساهمةفي انتعاش المصانع السرية لهذه التجارة التي تشكل انتهاكاً جسيماًلمبادئ القانون الإنساني الدولي ولوائح حقوق الإنسان، إذ تعكس هذهالشوائب السلوكية التي أضحت سمة المفسدين في الأرض بهذاالعصر اختلالاً هائلاً في الموازين الضابطة للسلوك البشري، والتيمردها بشكلٍ رئيس إلى موت الضمير الإنساني.
لعلَّ المذهل في أمر هذه المشكلة التي تفشت في مجتمعنا بشكلٍ مثيرللحيرة والقلق هو صعوبة كشف حقيقة تلك الأدوية بفعل الدقة المعتمدةفي إخراجها، إذ تبدو في أغلب الأحيان مصممة بشكلٍ مطابق منناحية الشكل للمنتج الطبي العلاجي الأصلي. ويضاف إلى ذلك الدورالكبير لمافيا التجارة المحرمة دولياً، والتي تمتلك العديد من آلياتتسويق الأدوية المزورة إلى مختلف بلدان العالم، وبخاصة المتخلفة أوالتي تعاني صراعات أو مشكلات في طريقة الإدارة، إذ توسعتأذرعها التجارية ووصلت إلى درجةٍ غير معقولة بعد أن شملت منتدياتالمستهلكين والأعمال التجارية. كذلك أفضت ثقافة التشخيص الذاتيللحالات المرضية والتحديد الذاتي لوصفات علاجها إلى إلزام مصنعيالعلاجات الطبية المغشوشة ونظيراتها متدنية النوعية – التي قد تتسببفي حالات وفيات – بإقامة ما لا يحصى من مواقع الشبكة الدولية،فضلاً عن استثمار قنوات التواصل الاجتماعي وتوظيفها في مهمةالترويج لمنتجاتها الفاسدة أو بضائعها التالفة، بالإضافة إلى سهولةتوزيعها في ظل ضعف الإجراءات الرقابية.