وصية “ليون تروتسكي”
قبل 77 سنة، وبالضبط يوم الأربعاء 21 غشت 1940، سقط الماركسي الثوري العظيم، قائد ثورة أكتوبر 1917، ليون دافيدوفيتش تروتسكي، مضرجا بدمائه بسبب ضربة غادرة على يد عميل ستاليني. قبل 77 سنة فقدت الطبقة العاملة الأممية وفقد النضال الثوري من أجل الغد الاشتراكي أحد أبرز المناضلين والقادة والمجرم المسؤول هو ستالين.
كان ستالين، ذلك الدكتاتور الوحشي المنحط، ذلك التجسيد الفعلي للبيروقراطية التي استولت على السلطة في الاتحاد السوفياتي، بكل همجيتها وتخلفها وانحطاطها، يعتقد أنه بارتكابه لتلك الجريمة البشعة، جريمة قتل أحد آخر قادة ثورة أكتوبر، بعد أن كان قد صفى أغلبهم بحملة إعدامات متتالية، سيقضي على تراث ثورة أكتوبر الاشتراكية والديمقراطية العمالية وآخر الشهود على جرائمه. لكن حياته كانت أقصر من حياة ضحيته. لقد دخل ستالين التاريخ باعتباره أحد أبشع الدكتاتوريين والمجرمين وها هم أتباعه صاروا في كل مكان أكثر خدم الرأسمالية انبطاحا وخيانة.
أما تروتسكي فقد دخل التاريخ باعتباره من أنقذ شرف البلشفية والاشتراكية، من وصمة العار التي ألصقتها بها الستالينية وجرائمها، دخل التاريخ باعتباره شهيد الطبقة العاملة في الدفاع عن راية الماركسية وتراث ثورة أكتوبر، وتمكن قبل أن يموت من أن ينتج تراثا غنيا جدا من الأفكار والتحاليل والنظريات التي ما تزال تشكل حتى الآن سلاحا فعالا في يد الطبقة العاملة الأممية في نضالها ضد الرأسمالية والبيروقراطية والإصلاحية.
وبمناسبة هذه الذكرى الأليمة ننشر، وصيته الموجزة التي كتبها قبيل اغتياله :
( وصية ليون تروتسكي )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبها في منفاه بالمكسيك 27 فبراير 1940
إن ضغط دمي المرتفع (والذي ما يزال في ارتفاع) يخدع من هم بالقرب مني بخصوص حالتي الصحية , أنا نشيط وقادر على العمل، لكن من الواضح أن النهاية قريبة , وستنشر هذه الأسطر بعد وفاتي.
لا حاجة لي لأن أدحض هنا مرة أخرى الافتراءات الغبية والحقيرة التي يطلقها ضدي ستالين وعملاؤه: ليست هناك أي وصمة في شرفي الثوري , لم أدخل أبدا، بشكل مباشر أو غير مباشر، في أي اتفاقات وراء الكواليس أو حتى مفاوضات مع أعداء الطبقة العاملة , الالاف من معارضي ستالين سقطوا ضحايا لاتهامات كاذبة مماثلة وستقوم الأجيال الثورية الجديدة بإعادة الاعتبار لشرفهم السياسي والتعامل مع جلادي الكرملين وفقا لما يستحقونه.
أشكر بحرارة الأصدقاء الذين بقوا أوفياء لي خلال أصعب أوقات حياتي , أنا لا أذكر أي شخص على وجه الخصوص لأنه لا يمكنني أن أذكرهم جميعا.
ومع ذلك، أعتبر أنه لدي مبرر للقيام باستثناء في حالة رفيقتي، ناتاليا ايفانوفنا سيدوفا، والتي بالإضافة إلى السعادة بكونها مناضلة في سبيل قضية الاشتراكية، قد أسعدني الحظ بأن أكون زوجها. لقد بقيت، طيلة ما يقرب من أربعين عاما من حياتنا معا، مصدرا لا ينضب من الحب والشهامة والحنان. لقد تعرضت لمعاناة كبيرة، وخاصة في الفترة الأخيرة من حياتنا، لكني أجد بعض الراحة في حقيقة أنها قد عرفت أيضا أياما سعيدة.
طيلة أربع وثلاثين عاما من حياتي الواعية بقيت مناضلا ثوريا، ولمدة اثنين وأربعين منها خضت النضال تحت راية الماركسية , وإذا كان علي أن أبدأ من جديد، سأحاول بالطبع تجنب هذا الخطأ أو ذاك، لكن المسار الرئيسي لحياتي سيبقى كما هو دون تغيير , سوف أموت بروليتاريا ثوريا وماركسيا وماديا جدليا وبالتالي ملحدا لا يساوم , إن إيماني في المستقبل الشيوعي للبشرية ليس أقل حماسا، بل صار في الواقع أكثر حزما اليوم، مما كان عليه في أيام شبابي.
لقد جاءت ناتاشا للتو من الفناء إلى النافذة وفتحتها على مصراعيها بحيث يدخل الهواء بحرية أكبر إلى غرفتي. أستطيع أن أرى شريط العشب الأخضر المشرق تحت الجدار، والسماء الزرقاء الصافية فوق الجدار، وضوء الشمس في كل مكان. إن الحياة جميلة ,فلتعمل الأجيال القادمة على تطهيرها من كل شر وكل اضطهاد وكل عنف ولتستمتع بها على أكمل وجه.
ليون تروتسكي
مكسيكو، 27 فبراير 1940
وقد أضاف مقطعا ختاميا، في وقت لاحق، 03 مارس 1940، يتعلق أساسا بما ينبغي أن يحدث في حالة ما إذا تعرض لمرض خطير، وينتهي بالكلمات التالية :
« لكن مهما كانت ظروف وفاتي فإني سأموت بإيمان راسخ في المستقبل الشيوعي , إن هذا الإيمان بالإنسان ومستقبله يعطيني قوة مقاومة لا يمكن أن يعطيها أي دين »