التكامل الاقليمي
في خضم التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها
منطقة الشرق الاوسط بشكل خاص والدول العربية بشكل عام تبرز هناك ضرورة التفكير
بالتعاون والتنسيق المشترك لدول الاقليم لمواجهة ما يمكن مواجهته من اجل استعادة
هذه المنطقة أمنها واستقرارها . اضافة الى حاجة دول المنطقة الى حوار مناطقي
ومجتمعي تشارك فيه كافة القوميات والاثنينيات العرقية والدينية وصولا الى فهم
مشترك لمواجهة التحديات المتعددة التي تواجه شعوب الاقليم .
وشعورا بأهمية تفعيل دور المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني للعب
دور في « التكامل الاقليمي » سعت مجموعة من المثقفين في دول الاقليم لتأسيس «
منتدى التكامل الاقليمي » ليكون خطوه على طريق التعاون والحوار الاقليمي الذي
يستطيع استيعاب التحديات التي تواجه شعوب المنطقة .
وكان للصديق الدكتور عبد الحسين شعبان دورا مؤثرا في تأسيس هذا
المنتدى الذي استند على حوارات وندوات اقيمت في بيروت وتونس والمغرب والعراق قبل
ان يصار الى تأسيس « منتدى التكامل الاقليمي » الاسبوع الماضي في بيروت من قبل
مجموعة من المثقفين من عرب واتراك واكراد وايرانيين ومن طوائف متعددة من الشرق
الاوسط وشمال افريقيا .
وبعد مداولات ومناقشات بشان الاهداف ، اكد البيان التأسيسي الذي
صدر على « أهمية مشروع المنتدى والدور الذي سيضطلع به والمجالات التي يمكن أن يفتح
آفاقها في تعزيز مشتركات الإقليم وشعوبه ذات التضاريس الثقافية المتعدّدة وإبراز
قيمها الأخلاقية كالسلام والتسامح والتعاون والقبول بالتعدّد والإقرار والتنوّع
والاختلاف، ونبذ ثقافة الكراهية والإقصاء والتهميش وسائر النعرات العنصرية
والطائفية، والتأكيد على القيم الإنسانية المشتركة التي تمثل الثقافات المتجاورة
والعلاقات التاريخية التي تجمع شعوب المنطقة وأممها ومجاميعها الثقافية. » .
مبادرة « منتدى التكامل الاقليمي » تحمل رسالة ذات دلائل واضحة
في ضرورة التفكير بحاجة شعوب هذا الاقليم لمثل هذا التكامل على خلفية النزاعات
والازمات والحروب التي تعيشها اكثر من دولة سواء في منطقة الشرق الاوسط او شمال
افريقيا .
في الوهلة الاولى قد تنصرف الاذهان من خلال طرح ثقافة التكامل
الى « التكامل الاقتصادي » لكن هذه الفكرة تتعدى الناحية الاقتصادية لتشمل النواحي
المتعددة التي ابتلينا بها كشعوب ان على مستوى البلد الواحد او العلاقات البينية
بين دول المنطقة .
ان « التكامل الاقليمي » يهدف الى تحقيق الاجواء المناسبة
لاحتضان العيش والفهم المشترك واقامة المجتمع المدني المتعايش مع ذاته ومع الاخر
من اجل المزيد من الرخاء والسعادة بما ذلك المساهمة في السلام والامن وتنمية
المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية .
لقد شهدت منطقتنا العربية والاسلامية خلال العقود الاربعة
الماضية ولازالت المزيد من الحروب والازمات اثرت بشكل مباشر على عمليات التنمية
والتقدم حيث لم تحصد من هذه الازمات والحروب الا المزيد من التناحر وهدر الاموال
والقتل والدماء والحروب العبثية . وما يؤسف له ان هذا المسار يسير دون توقف ليحرق
مالم يُحرق ويقتل ما لم يُقتل. المنتصر فيه هو خاسر لان شعوب هذه المنطقة في نهاية
المطاف هي التي تدفع ضريبة ذلك على خلفية عصبيات قومية وتنازع مصالح لا طائلة منه .
ان دعوة « التكامل الاقليمي » ضرورة تفرزها الازمات الحاصلة في
هذا الاقليم التي لا تدل المؤشرات بانها تسير باتجاه التهدئة والتفاهم والتنسيق
على الرغم من اهدار الكم الهائل من الاموال والانفس والثروات .
من الطبيعي جدا ان تملك اي دولة في الاقليم تعريفا خاص بها لأمنها
القومي والوطني يتناسب مع مصالحها وثقافتها ونظامها السياسي لكن من غير الطبيعي ان
لا يتم التفاهم بشان هذه المصالح مع بقية دول الاقليم . كما من الطبيعي ان تكون
هناك اختلافات في وجهات النظر بشان التطورات التي تمر بها المنطقة لكن من غير
الطبيعي ان تعجز دول المنطقة من الوصول الى مقاربات بشان هذه التطورات .
ان اقليمنا يمتاز بمنطقة جيوسياسية واحدة، فيه عددا من الدول .
تجمع بينهما روابط الجيرة والمصالح المشتركة والتقارب الثقافي واللغوي والروحي
المفترض ان تتعاون جميعا على حل ما ينشأ من منازعات حلا سلميا والعمل على حفظ
السلم والامن في المنطقة والاقليم وحماية مصالحها وتنمية علاقاتها الاقتصادية
والثقافية .
وهذا الاستحقاق يتطلب العمل على تعزيز الثقة المتبادلة بين دول
الاقليم لتحقيق الاهداف الاقتصادية والسياسية من خلال حل النزاعات بالطرق السلمية .
ان الانظمة السياسية تتحمل مسؤولية كبرى في تحقيق « التكامل
الاقليمي » الا ان النخب والمثقفين في دول الاقليم تتحمل ايضا قسطا وافرا من هذه
المهمة التي تستطيع خلق الاجواء الملائمة لتحقيق ذلك .