فيلم Parasite (طفيلي): و تتويجه بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي
منطلق الاهتمام بفيلم «بونغ يون-هو»، الموسوم بـ»طفيلي»، ليس كونه أحدث أفلامه، أو موضوعه الذي تناولته أفلام كثيرة من قبل، وإنما تتويجه بالسعفة الذهبية في آخر دورة لمهرجان «كان» السينمائي، ولأن مخرجه يعد أول كوري جنوبي ينتزع هذه الجائزة على امتداد أكثر من سبعة عقود.
بل أسابيع، اختير فيلم “طفيلي” ضمن لائحة تتكون من واحد وعشرين فيلما فرنسيا وأجنبيا، قصد المشاركة في المنافسة الرسمية لمهرجان “كان” السينمائي في دورته الثانية والسبعين، التي أسدل ستارها يوم السبت الماضي. ولم يكن يسعى مخرجه، بحسب ما صرح به قبل المهرجان، إلى أن ينال المكافأة الكبرى في المهرجان، أي سعفته الذهبية. لكن نتيجة الحفل الختامي أبرزت ذلك الإعجاب الذي عبر عنه جمهور المهرجان خلال عرضه. إذ قال المخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إينياريتو، رئيس لجنة التحكيم في المهرجان في دورته الأخيرة، أن المكافأة منحت بإجماع أعضاء اللجنة. كما أضاف موضحا: “دهشنا بالفيلم وهذه الدهشة زادت على مر الأيام، من هنا جاء قرارنا بالإجماع”.
ويمزج المخرج “بونغ يون-هو”، في عمله السينمائي هذا، بين ما هو اجتماعي وفكاهي وحتى سياسي، كما أنه يكشف للجمهور الجزء الاجتماعي غير المرئي في المجتمع الكوري الجنوبي. في هذا الفيلم الجديد، يتخلى المخرج الكوري الجنوبي عن نزعته السياسية في العمل السينمائية، حيث كان يظن أن هذا المخرج لن يخرج عن تيماته المتمحورة حول العنف والفوارق بين الطبقات الاجتماعية والتهميش والإقصاء الذي تمارسه النخب الحاكمة. لكنه ينحو في هذا العمل منحى آخر يتصل بالمشكلات الأسرية وشؤون البيت. لكنه ظل وفيا لطريقته ومنهجه في الإخراج، حيث لم يتخلّ عن مبدأ النقد اللاذع، ولم يخرج عن طريقته في السخرية من الواقع الاجتماعي والسياسي، أو طريقته في خلق التشويق ومتعة المشاهدة.
ومشاركته في مهرجان “كان”، التي أعطت أكلها هذه المرة، هي الثانية فقط، بعد محاولة أولى تمت عن طريق فيلمه السابق “أوكيا” الذي أثار جدلا واسعا، ليست فقط بين جمهور المهرجان، وإنما حتى في أوساط النخبة الفنية والثقافية في بلاده. إذ يندرج هذا الفيلم، الذي يصنف ضمن نوع يسمى في كوريا الجنوبية بأفلام البيوت، في تقليد سينمائي فني محلي، حيث الحكاية الأساسية تدور حول الأم أو الأب أو الخادمة، الذي برز فيه مخرج كوري جنوبي آخر هو “كيم كي-يونغ”. فأول مشاهده الملفتة للنظر تركز على الدهليز الأشبه بالقبو الذي تقطنه عائلة “كي-تايك”، والذي يفتقد إلى أي نافذة أو إطلالة، ماعدا كوة صغيرة تطل على الشارع الخلفي، ومنه على العالم الخارجي. حتى التقاط الإنترنت يكاد يكون منعدما، إلا في زوايا معينة منها المرحاض (هنا سخرية المخرج). جميع أفراد العائلة عاطلون عن العمل، يعيشون بين الصراصير والقوارض، لكنهم يعيشون في لحمة منسجمة. تسير الحياة وسط الأسرة بشكل رتيب، إلى أن توظف أسرة ثرية ابنها البكر بغية تدريس ابنتهم المدللة اللغة الإنجليزية. بعد دخول الشاب إلى القصر الفاره الذي تسكنه الأسرة الثرية، سيخطو خطوة أولى، ستليها خطوات ثابتة، في عملية سرية للاندساس وسط هذه العائلة، حيث ستقود خطواته إلى أن تعيش الأسرتان جنبا إلى جنب. تخدم الواحدة الثانية، لكن كل واحدة تتعلم أسرار الثانية وتستفيد منها وتستغلها لصالحها.
واللافت للنظر أن الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية هذا العام أشبه، من حيث موضوعه، بالفيلم الفائز خلال دورة 2018، للياباني هيروكازو كوري-إيدا. فهو الآخر يروي قصة عائلة فقيرة تعيش من خلال السرقات الصغيرة التي تمارسها في محلات طوكيو التجارية. ولا تتغير حياة الأسرة عندما تستقبل بنتا صغيرة مشردة في بيتها. لكن هناك فرقا بينهما يكمن في أن الأول يغلب الطابع الإنساني الكامن في انتصار العائلة على نفسها واحتضانها بنتا مشردة، بينما الثاني يقدم نقدا لاذعا للفوارق الطبقية بأسلوب يمزج بين العنف الاجتماعي والسخرية السوداء والنقد السياسي.
وقد صرح المخرج بونغ يون-هو، بُعيد فوزه بالسعفة الذهبية، للصحافة قائلا إن فيلمه، الذي سخر من الحماس المفرط للأم الثرية تجاه موهبة ابنتها الفنية وأيضا من أسرة فقيرة في شقة مزدحمة تحاول التقاط إشارة الإنترنت من الجيران، يعكس “واقع الحياة”. وأضاف قائلا: “أحترم حقا الأفلام التي تتعامل بجدية مع المشكلات السياسية الكبرى، لكنني أفضل كثيرا أن أخلط ذلك بالسخرية”.