هل انتصرت الديمقراطية في الانتخابات الأوروبية؟
كاس ماد – ذا غارديان
ترجمة «بيدر ميديا» بتصرف
لا تدور الانتخابات على النتائج الفعلية، وإنما على تأويل هذه النتائج. تدور حول التأطير السياسي لمعانيها. الحصول على 20 في المائة من الأصوات، قد يكون تعبيرا عن الانتصار أو الخسارة حسب النتائج السابقة وتوقعات آخر انتخابات. الانتخابات الأوروبية ليست استثناء من هذا، ولذا تأويلات النتائج كانت أهم من النتائج عينها.
بدأ إعلان النتائج الأحد الماضي في شكل استطلاعات رأي بمكاتب التصويت اجتمع الاثنين (الماضي) السياسيون والخبراء لتحليل وتأويل تلك النتائج.
الأمين العام النافذ للمفوضية الأوروبية، مارتين سيلماير، اعتبر أن نتائج الانتخابات الجارية قضت على «ما يسمى بموجة الشعبوية» في خطاب أمام جماهير حزبه. لم يتوقف مارتين هنا، بل نوه بارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات وانتقى نتائج انتخابية بدقة من النتائج العامة ليصل إلى خلاصة مفادها بأن «الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات هو الديمقراطية».
صحيح، تم احتواء الموجة الشعبوية. الشعبوية في حد ذاتها لم تفز في الانتخابات الأوروبية، لكن اليمين المتطرف الشعبوي فاز. خسر التيار الشعبوي اليساري مقاعد كثيرة في معاقله الانتخابية المتبقية –»لا فرونس أنسوميز» (فرنسا المتمردة) في فرنسا، و»سيريزا» (ائتلاف اليسار الراديكالي) في اليونان وبوديموس (قادرون) في إسبانيا، إلى جانب حركة خمس نجوم بإيطاليا. وفيما لم تنتصر كافة أحزاب اليمين المتطرف ارتفع عدد النواب الأوروبيين المنتمين إلى اليمين المتطرف بشكل بارز، وذلك لأن أحزاب شعبوية متطرفة صغرى استطاعت تحقيق انتصارات (كبرى) في بلدان كبرى، لاسيما حزب الرابطة لماتيو سالفيني بإيطاليا. بكلمات أخرى، مات التيار الشعبوي وعاش اليمين المتطرف.
رغم ذلك، فالقول بأنه تم احتواء المد الشعبوي قول خطأ، أيضا، لأنه يجعل هذا المد حكرا فقط، على الأحزاب المنضوية تحت لواء مجموعات سياسية غير تقليدية ببروكسيل، وخاصة منها المجموعات اليمينية الثلاث المشككة في أوروبا. عدد النواب الأوروبيين لدى هذه المجموعات الثلاث يقترب من عدد نواب المجموعات الليبرالية والخضر مجتمعة. لكن هناك تغييرات صغيرة داخل هذه المجموعات تميط اللثام عن صورة مختلفة.
أولا، المجموعة اليمينية المتطرف الشعبوية الجديدة، «التحالف الأوروبي للشعوب والأمم» لم تصبح أكبر حجما من سابقتها أي «أوروبا الأمم والحرية» فقط، ولكن أصبح لديها حزب كبير جديد أيضا. منذ 1989، هيمن حزب الجبهة الوطنية (غيّر اسمه إلى «التجمع الوطني» حاليا) على اليمين المتطرف الشعبوي الأوروبي حاصدا تقريبا نصف مقاعد حزب أوروبا الأمم والحرية في الانتخابات السابقة. لكن رابطة سالفيني أكبر من حزب مارين لوبين. أبعد من ذلك، مع غياب كل من لوبين وسالفيني عن البرلمان الأوروبي الحالي، سيكون للمجموعة الجديدة عساكر أكثر وجنرالات أقل، إن لم يكن لا جنرالات إطلاقا.
ثانيا، الأحزاب الشعبوية التي تساير مزاج الجماهير الشعبوية والمعادية للأجانب زادت من تمثيليتها, ومن ثم سلطتها داخل المجموعات النيابية الأساسية. حزب «القانون والعدالة» البولندي صار أكبر حزب داخل «مجموعة الأوروبيين المحافظين والإصلاحيين» ممثلا نصف المقاعد النيابية. كان حزب المحافظين البريطاني هو من يهيمن في العادة على هذه المجموعة. من جانبه، صار حزب «فيدس» اليميني المحافظ المجري ثالث أكبر قوة داخل مجموعة وسط اليمين «حزب الشعب الأوربي». وفي الحقيقة، فيدس هو الحزب الوحيد الذي فاز بأغلبية مقاعد بلاده في الانتخابات الأوروبية لهذا العام.
ثالثا، المجموعتان الكبريان التقليديتان بالاتحاد وهما حزب الشعب الأوربي وحزب الديمقراطيين والاشتراكيين فقدتا أغلبيتهما في البرلمان وستعتمدان على تحالفات (متحركة؟) مع الليبراليين والخضر. والمجموعات الأربع تختلف جغرافيا وإيديولوجيا ما سيجعل الوصول إلى توافقات حول القضايا السوسيو- ثقافية (مثل قضية الهجرة) مسألة معقدة.
رابعا، فيما ينتشي فيه سيلماير وآخرون بارتفاع نسبة المشاركة، وهو خبر سار في كل الأحوال، فالديمقراطية أبعد من أن تكون انتصرت في هذا الاقتراع. النتائج وردود الفعل عليها بينت كيف صارت الشعبوية وبصفة خاصة اليمين المتطرف الشعبوي ظاهرة «طبيعية» و»عامة». صار عاديا أن حزبا من النازية الجديدة احتل الرتبة الثالثة في بلد عضو بالاتحاد الأوروبي، وأن أحزاب التيار الشعبوي اليميني المتطرف باتت الأقوى بعدة بلدان أعضاء بالاتحاد.
خلاصة القول، ليس الناخبون هم من سيقدمون جوابا عما إذا كنا وصلنا إلى قمة الشعبوية. النخب السياسية هي من جعلت اليمين المتطرف الشعبوي القوة المهيمنة بتبنيها لنقاشاته السياسية وخطاباته ونظرته للأمور. احتواء الشعبوية لازال ممكنا، لكنه يتطلب من الأحزاب الديمقراطية الليبرالية رؤية واضحة ومقنعة، وهنا كل الإشكال!