«عملية المخلب».. صيف تركي ساخن
تدير الآن قوات الكوماندوز التركية، مدعومة جوًا بطائرات الهليكوبتر الهجومية والمدفعية، هجومًا قويًا ضد «حزب العمال الكردستاني» (بي كا كا)، وتستهدف مستودعات الذخيرة والكهوف والمخابئ بالصواريخ الباليستية التكتيكية.
بيد أن أرض المعركة هنا ليست تُركيّة أو سُورية، بل أرض عراقية، وتحديدًا منطقة هاكورك في شمال العراق، حيث ترى أنقرة في انتشار حزب «بي كا كا» عسكريًا وأمنيًا واجتماعيًا بكركوك وسنجار، وغيرها من المناطق العراقية الأخرى، مصابًا جللا يجب إنهاؤه عبر «عملية المخلب» الدائرة الآن في العراق.
ودعمت اتفاقات غير معلنة بين العراق وتركيا، خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، مثل هذه العمليات، ثم بعد الغزو الأمريكي للعراق، وتحديدًا في عام 2007، عقدت تركيا والعراق اتفاقًا يسمح للجيش التركي بملاحقة عناصر «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق، لكن، مع خروج القوات الأمريكية، ووقوع العراق تحت سيطرة النفوذ الإيراني، أصبح الخلاف حول وجود القوات التركية كبيرًا في عهدي الرئيسين نوري المالكي، وحيدر العبادي.
ثم شهدت فترة صراع العراق مع «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) تدخلًا تركيًا قويًا، بتأسيس قاعدة عسكرية تدريبية كبيرة نسبيًا في عمق الأراضي العراقية، وتقول المصادر غير الرسمية أن لتركيا حوالي 19 قاعدة ما بين عسكرية واستخباراتية في العراق، تضم جميعها حوالي 3 آلاف جندي تركي.
ويؤرخ العام 2019 على أنه بداية صفحة جديدة بين البلدين في عهد الرئيس الحالي، برهم صالح، الذي زار تركيا مرتين هذا العام؛ لتأتي «عملية المخلب» التي أطلقت في 27 ماي الماضي، في منطقة هاكورك بشمال العراق، ضد «بي كا كا» المصنف في تركيا باعتباره منظمةً إرهابيةً، إذ ترى تركيا في عناصره بهذه المنطقة قاعدة رئيسة لـ«الإرهاب» تتسلل إلى تركيا، وتهاجم المواقع الحدودية التركية التي تبعد عنها حوالي 30 إلى 40 كيلومترًا، لتدلل على التقارب بين البلدين.
وبالحديث إلى الباحث التركي، طه عودة أوغلو، أكد أن العملية العسكرية «المخلب»، التي يشنها الجيش التركي منذ نهاية ماي الماضي ضد عناصر «حزب بي كا كا»، يميزها عما سبقها تقارب تركي عراقي في الأشهر الأخيرة، وزيارات متبادلة بين الطرفين. إذ جاءت العملية بعد زيارة الرئيس العراقي، برهم صالح، أنقرة في الشهر الماضي؛ ما يدل على موافقة ضمنية عراقية على العملية، في ظل التفاهمات الأمنية والسياسية بين البلدين.
ويضعنا أوغلو في أول الأهداف التركية لهذه العملية، إذ يقول: «إن أنقرة تحاول، قبل قدوم الصيف، قطع الطريق على حزب العمال الكردستاني للحؤول دون تنفيذه أي عمليات على الحدود، أو داخل الأراضي التركية»، أما الهدف الثاني فخارجي، ويصفه أوغلو بأنه الأكبر والأهم بالنسبة إلى تركيا، ويتمثل في التمهيد لشن عملية عسكرية أضخم وأوسع بعد الحصول على توافقات دولية من اللاعبين الكبار على الأرض السورية، لتطهير منطقة شرق الفرات السورية، ويبين أوغلو لـ«ساسة بوست» أن «الهدف التركي من هذه العملية هو ترسيخ أمنها ليس داخل حدودها فحسب، بل خارجها أيضًا في سوريا والعراق، وهو ما يدل عليه الوجود العسكري للجيش التركي في منطقة درع الفرات وعفرين وإدلب».
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي العراقي، نظير الكندوري، أن ما يميز هذه العملية أنها لا تعتمد على ضربات جوية فحسب، إنما الضربات الجزئية هي جزء من خطة تريد من خلالها تركيا البقاء في منطقة شمال العراق مدة أطول، مستفيدة من قواعدها العسكرية هناك.
ويعتقد الكندوري أن «الخطر بالنسبة إلى تركيا لا يقتصر على صعيد الفكر الذي يحمله الحزب، بقدر ما يشكل الدعم الذي تقدمه بعض الدول لهذا الحزب تهديدا جديا لتركيا، فالحزب يتلقى الدعم الأمريكي من خلال دعم الولايات المتحدة قوات «قسد»، التي تتهمها تركيا بأنها وجه آخر من الحزب في سوريا، كما أن قوات الحشد الشعبي العراقية، التي تتحرك بشكل شبه منفصل عن القيادة السياسية العراقية، تدعم قوات هذا الحزب ماليًا وعسكريًا، ناهيك عن الدعم السياسي والإعلامي الذي تقوم به بعض الدول الأوروبية؛ ما ينعكس بشكل سلبي على صورة تركيا عالميًا».
وبالحديث إلى الكاتب الكردي السوري، حسين شاكر، قال: إن «قصف مواقع «حزب العمال الكردستاني» في العراق، وهو إجراء شبه روتيني منذ بداية تأسيس الحزب، وصراعه مع الدولة التركية لا يمكنه أن يتوسع في «عملية المخلب» نحو عملية عسكرية واسعة ضد الحزب في الأراضي العراقية».
ويبين شاكر أن الأكراد يؤمنون بأن إيديولوجيا هذا الحزب اليساري الراديكالي ليست مطالب كردية قومية واسعة، كما تروج تركيا، فالحزب يستخدم شعارات القومية الكردية لجذب وتجنيد الشباب الأكراد، وليس لكونه حزبًا قوميًا، ويختم بالقول: «تركيا لن تستطيع أن تزيل الحزب لأنه يستمد قوته من ملايين الأكراد الذين يُجندون تحت شعارات هذا الحزب، وتركيا لن تستطيع الانتصار على الحزب في المناطق الجبلية. المعركة صعبة جدًا، ومن غير الممكن الوصول إلى الحسم».