أبن ستالين: ألم يكن بوسعه إطلاق النار على نفسه ؟ Stalin Sohn : Schafte es nicht einmal, sich zu erschießen
مقالة نشرت في مجلة دير شبيغل أونلاين، كتبها مارك فون ليبكة بتاريخ 22/ حزيران /2016
ترجمها : ضرغام الدباغ
تمهيد:
عرف عن ستالين، القائد الحزبي ورجل الدولة أنه رجل لا يأبه للعواطف، فقد كانت ظروف نشأته الحزبية، وظروف الثورة، وما تلتها من أحداث، وكانت أمامه مهمات بناء الحزب، والاتحاد السوفيتي الذي كان يعد من مناطق العالم المتخلفة، ومطروح عليه شخصياً وعلى الحزب والدولة تحديات ضخمة وليس أمامه إلا القليل من الامكانات، فلم يكن من بد سوى تخطيط دقيق لمهمات شاقة، وتنفيذ صارم لا يعرف العواطف في بلد يعتبر شرقي في مزاج أفراده رغم قربهم من أوربا.
ومن جملة مستلزمات صناعة القرارات الصعبة، والصرامة المطلقة في تنفيذها، أن لا تؤثر العلاقات الشخصية للقادة أولاً، ثم للأفراد ثانياً، في مسيرة الدولة، كان لابد من القسوة لتوضع الأمور في نصابها، وخلق مجتمع صناعي جديد، وقد مارس ستالين هذه القسوة على نفسه وهو المنحدر من أسرة وبيئة شرقية (جيورجيا) نما فيها وأشتد عوده، حتى إنتماؤه للعمل الثوري.
قرأت قبل أكثر من ثلاثين عاماً في مذكرات الماريشال فاسيلفسكي رئيس أركان الجيش السوفيتي لفترات طويلة أبان الحرب العالمية الثانية، أن القادة العسكريون تهيبوا إبلاغ ستالين بأسر ولده ياكوف، وأختار رئيس الأركان ساعة سانحة، وأبلغه النبأ الذي وقع على والده كخبر أعتيادي جداً، بل هو أضاف معلقاً: ألم يكن لديه وقت لينتحر قبل الوقوع في الأسر “.
لا شك أن قائداً كستالين لم يكن ليقول شيئاً غير ذلك في مرحلة يقدم الوطن مئات الألوف بل الملايين من شبابه قرباناً لحرية الوطن. وستالين قدم ذلك المثل الذي لابد أن يكون ليكتسب القائد المصداقية أمام شعبه وحزبه وأمام القوات المسلحة.
هذه المقالة المترجمة طياً، هي من مختاراتي التي أقدمها للقراء، ومن أجل إنماء ثقافة وطنية تفتدي الوطن بالغالي والنفيس.
ملايين من جنود الجيش الأحمر (السوفيتي) أخذهم الجيش الألماني أسرى بعد الغزو الألماني للأتحاد السوفيتي، بما فيهم أبن ستالين ياكوف الذي توفي لاحقاً عام 1943 في معسكر الاعتقال الشهير، نحو 40 كم شمال برلين (KZ — Sachsenhausen) والذي كان يضم أسرى وسجناء معارضين من كافة الجنسيات. ترى هل كان يريد لحالة اليأس التي يمر به،ا الموت لنفسه ..؟
جوزف غوبلز الناطق بلسان هتلر الذي يقدم أفضل البرامج الدعائية، كان سعيداً بقوله ” الخلل التام في التخطيط ” يسود في الجيش الأحمر، يجعل من وزير الدعاية الألماني يجعله يتحدث عن تحقيق إجري مع أسير حرب أسمه ” ياكوف تشوغاسفيلي (Jakow Dschugaschwili) بقيادة سيئة أعد تنظيم الجيش السوفيتي/ بغير ذكاء، بل بغباء، وبحماقة تامة، قامت القيادة بقذف وحداتها في النار. أرسلتها مباشرة إلى النار.
كان هذا الحريق قد أندلع حين أجتازت القوات الألمانية في 22 / حزيران / 1942 ـ إذ هاجم أكثر من 3 ملايين جندي الاتحاد السوفيتي. في مباغتة تامة فاجأت الجيش السوفيتي، وقد تمكنت القوات الألمانية من أسر مئات الألوف من الجنود والضباط في الأسابيع الأولى من الحرب، بما فيهم الملازم الأول ياكوب تشوغاسفيلي، وهو أبن زعيم روسيا ستالين. (1)
ولم يكد هذا النبأ ينتشر، جرى وزير الدعاية الألماني والقيادي النازي جوزف غوبلز، بأقصى سرعة، وأذاعت الإذاعات النبأ ومحضر أستجوابه كأسير باللغة الروسية، لكي يشجعون الجنود الروس على الاستسلام، وقذفت الطائرات الألمانية المنشورات فوق خطوط الجبهة تظهر صور أبن ستالين في الأسر محاطاً بالضباط الألمان.(2)
إلقاء القبض على زوجة ولده.
في موسكو، أمر ستالين الأجهزة بألقاء القبض على يوليا زوجة أبنه ياكوف، وأبنتها وأودعت في إحدى المعتقلات، مع الخونة. ولم يكن عمرياكوف يزيد على بضعة شهور عندما توفيت والدته كيتفان سفايدزة في 1907 في تبليسي بجورجيا، وكانت حب ستالين العظيم، وقال أنه كرس نفسه بصفة تامة للأشتراكية، وهاجم البنوك ليملأ صندوق الحزب، ووفقاً لكاتب سيرته سيمون سيباك مونتيفيوري (Simon Sebag Montefiore ) أن ستالين أبدى العواطف عند وفاة زوجته ودفنها قائلاً ” بوفاتها فقد توفيت كافة مشاعري حيال جميع البشر “. وترك لأبنه مسألة الأقارب.
أبن غير محبوب، وأب لا يرحم.
كانت كلمات ستالين تؤخذ على أنها مقدسة نبوية. وبالإضافة للذكاء، وقسوة تامة، وأصبح ستالين ” الرجل القوي ” في الاتحاد السوفيتي في أواخر الثلاثينات على أبعد حال (ما لم يكن قبل ذلك) ببضعة سنوات، ملايين من الأشخاص أودعوا السجون، أو أعدموا، ولم يرأف حتى برفاقه القدامى.
وصلابة ستالين لابد أن تكون معروفة لدى ولده، ونال منها. ففي العشرينات كان ياكوف يسكن مع الأسرة في بيت الوالد. الذي كان قد تزوج ناديزدا إليالييفا التي كانت تصغره ب 23 عاماً. ولم تتمكن زوجة الأب أدارة العلاقة مع الصبي، البالغ 15 عاماً من العمر. وكتبت ذات مرة تشتكي منه في رسالة ” إنه يفعل الحماقات، ويدخن “.
” ها ها (يضحك ويسخر ستالين) .. أطلقوا النار بالقرب منه “.
عام 1922 أصبح ستالين السكرتير العام للحزب الشيوعي. وبعد ثلاث سنوات أراد ياكوف الزواج من ابنة كاهن عمرها 16 عاماً. ونشبت فضيحة عندما قام الشاب محاولة عابثة الانتحار بإطلاق النار على قلبه، ولكن الرصاصة مرقت من جانبه، وبينما رقد الشاب في المستشفى فأستغرق ستالين بالضحك … ساخراً ” الرصاصة مرت من جانبه ..!” ولاحقاً، وصف أبنه كواحد من أوغاد الشوارع، والمبتزين ..!
خارجياً كان الأب والأبن متشابهان، أما داخلياً فمختلفان تماماً. وبينما كان ستالين عنيفاً، ويعاقب بشدة، وصفت سفيتلانا الأخت غير الشقيقة أخوها ياكوف بأنه ” كان مسالماً وهادئاً ومتواضع “. وقد حاول ياكوف بناء مستقبله الشخص بعيداً عن رعاية وتأثيرات والده، وعندما أصبح مهندساً وعمل قي إحدى مصانع موسكو للسيارات، كان المصنع يحمل أسم والده ..!
ولم يكسب شيئاً من احترام والده، إلا عندما انتمى إلى الجيش الأحمر (السوفيتي). وفي بداية شهر أيار ــ مايو / 1941 أستلم ياكوف أوامر مهمة تسند إليه. فقد كان آمراً لوحدة مدفعية. وبعد بضعة أسابيع قام الألمان بغزو الاتحاد السوفيتي.
” أذهب وقاتل ” هكذا أمر الديكتاتور أبنه، بواسطة الهاتف بعد بدء الغزو الألماني. وفي 8 / تموز ــ يوليه / 1941، وقد شهد قائده بأنه أبدى الشجاعة في القتال. وبعد خمسة أيام أبلغ عن فقدان الملازم الأول ياكوف.
الوقوع في الأسر يعادل الخيانة.
” ألم يتمكن حتى من إطلاق النار على نفسه ” هكذا علق ستالين على الإعلان الألماني وقوع ولده ياكوف في الأسر. وكان أبنه الآخر فاسيلي الضابط في السلاح الجوي، منع من المشاركة في العمليات القتالية. ” الاستسلام للعدو والوقع أسيراً خيانة للوطن ” هكذا أمر ستالين جنود الجيش الأحمر، الديكتاتور في عالمه الخيالي تصور أن أي أسير هو خائن بما في ذلك أقربائه.
والأمر من القيادة العامة ” الأمر رقم 270 ” الذي صدر بعد وقت قصير من نشوب الحرب والهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي، وبصفة خاصة للضباط في الجيش الأحمر الذين يقعون في الأسر، كانوا يعاقبون بالموت بعد عودتهم، وعائلاتهم يساقون إلى معسكرات العمل الإجباري (السخرة) وغالباً ما يحرمون من كافة أنواع المساعدات الحكومية. ووفقاً لأوامر ستالين الشخصية كان ينبغي أن يلقى القبض عليه شخصياً بوصفه والد ضابط أسير، ولكنه عوضاً عن ذلك جلبوا زوجة أبنه ياكوب إلى السجن.
أمضى أبنه ياكوب سنتين في معسكرات الأسرى الألمانية، في البدء في معسكرات في هاملبورغ، ثم في معسكر بالقرب من لوبيك (شمال غرب ألمانيا) وأخيراً في معسكر الاعتقال الشهير سكسونهاوزن (Sachsenhausen) نحو 40 كم شمال العاصمة برلين. وكان هناك قسم خاص يضم سجناء حرب مهمين : إنكليز، يونانيون، روس، وإلى جانب أبن ستالين كان هناك أيضاً أبن أخ وزير الخارجية السوفيتية فياتشيسلاف مولوتوف.
السياج المميت … والطلقات المميتة.
فوق مساحة صغيرة، يحيط بها سياج مكهرب بدرجة عالية، تسمح لمن بداخله التحرك بحرية، إلى هنا جاؤا بياكوف وسمح له بأرتداء زيه الرسمي كضابط سوفيتي، وينال حصة رجل من ال (SS)، من الطعام، كما سمح له بالأستحمام بأنتظام، لذلك بقي ياكوب في حالة صحية وبدنية جيدة. لكنه ربما كان يعاني من الأكتئاب، يقول توماس كوشينغ (أحد السجناء في المعتقل)…” وبينما كنا نسير في باحة السجن سيراً نظامياً للحفاظ على اللياقة، كان هو يسير الهويني بلا أنتظام “.
حدث ذلك في 14 / أبريل ــ نيسان / 2017 حدثت الكارثة ” كان ياكوب مرتبكاً بصورة تامة ثم أخذ يركض حول المكان يريد أجتياز المعسكر “. ويقول لاحقاً الجندي الحارس من ال(SS) كارل يونغلينغ ” أخذ الحراس بأطلاق النار، زمجر ياكوب وجرى نحو الأسلاك المكهربة القاتلة، وأخيراً أطلق عليه الحارس كونراد هرفيش النار. هكذا قتل ياكوب تشوغاسفيلي.
وبعد أيام قليلة، كتب قائد قوات (SS) هاينريش هيملر إلى وزير الخارجية الألمانية يواخيم فون ريبنتروب ” عزيزي ريبنتروب، بطيه أرسل لك تقريراً عن واقعة وفاة سجين الحرب ياكوب تشوغاسفيلي، أبن ستالين، الذي قتل في محاولة هرب في القسم الخاص (A) في معتقل سكسونهاوزن في مقاطعة اورانينبورغ بإطلاق النار عليه “. (3)
ترى هل كان ياكوب يريد الهرب حقاً، أم أنه كان يريد الموت بهذه الطريقة ..؟
الذهول والانزعاج
ويقول توماس كوشينغ، أن ياكوب كان قد أخبر زملاؤه في الأسر، أنه في غاية الانزعاج من الدعاية الألمانية لما بثته نقلاً عن بيانات صادرة من موسكو، عن ستالين قوله ” أن هتلر ليس لديه سجناء روس على الإطلاق، بل هم خونة روس. ويوف نتعامل معهم فور نهاية الحرب “. تأكد ياكوب، أن والده ستالين لا يتحدث عن أوهام، وكان ستالين قد تحدث في إذاعة ” لبس عندي ولد يدعى ياكوب ”
وكان أسر ياكوب من قبل الجيش الألماني قد أثار تساؤلات. فعندما حاولت دوريات وكمائن سوفيتية البحث عنه في تموز / 1941، في المنطقة التي جرت فيها المعركة، عثروا على أشلاء ممزقة لجندي متناثرة في مكان هو نفس وحدة الملازم أول ياكوب، كانوا معاً في محاولة فرار من وحدة ألمانية كانت أمامهم.
وقد ذكرت تقارير وتحقيقات قامت بها مجلة دير شبيغل قبل سنوات، عن تقارير مغلقة لوزارة الدفاع السوفيتية، بأنهم (ياكوب وجماعته) خاولا التخفي كمدنيين، وأخفوا وثائقهم (هوياتهم وما شابه) وغادر ياكوف جماعته لينفرد بنفسه ” كان يريد أن يستريح “. (4)
ومن الممكن تماماً أن ياكوف تشوغاسفيلي قد رغب بنفسه عام 1941 أن يأسره الألمان، كما يحتمل بأنه وتحت ضغوط نفسية، لم يعد يحتمل الأسر والسجن، ورغب بالموت بهذه الطريقة. السياج المكهرب بدرجة عالية، وبنفس الوقت رصاص الحراس، وإحداها اخترقت جمجمة رأسه أردت أبن ستالين قتيلاً في الحال في مكانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
- الفير ماخت (Wehrmacht) ويعني جيش الدفاع وهو الأسم الرسمي للجيش الألماني في عهد هتلر/ المترجم.
- يمكن للمدفعية أيضاً أن تقذف بالمنشورات بحسب المدى الذي يبلغه صنف المدفع والحشوة. / المترجم
- كان هينريش هيملر يشغل وزير الداخلية في حكومة الرايخ / المترجم.
- هذه الحادثة لوحدها لا تلقي الضوء على تفاصيل وحقيقة واقعة أسر الضابط ياكوب، فمن المعتقد أن ياكوب كان يقود دورية استطلاع أو كمين في الأرض الحرام فأصطدموا بقوة ألمانية تفوقهم قوة، وحين أرادوا الفرار منها سقطت القوة السوفيتية بين أسير وقتيل، ويبدو أن القليل منهم تمكن من الفرار، بدليل عدم وجود رواية دقيقة عن الحادث. / المترجم