الخط الأسود
لم تسعفه عوارض أو مثبطات أيام ان تغير من خطه… فما أن يشاهد خطوطا ملونه حتى يلقي بنفسه فوقها معتم بهرجة ألوانها… لا يحب للعالم الجديد ان يتلون، فتلك في مسميات قاموسه بدعة ناهيك على انه قد ورث عُقَد الأولين الذين ساءت حظوظهم ودحضتهم الأقدار لأن يعيشوا في بلاد همها أن تشبع نفسك لطما وضربا كي تشعر أنك تقضي عقوبة أزلية كونك من الذين تخلوا عن ركب الحياة… يلوك رزيته بمضض حتى يثخن فمه وشفافه بالدم.. نعم الدم الغريب!!! أنه اسود، ليس أحمر كونه فاسد يجري بشرايين تمقت الحقيقة بأنه من عالم الأبالسة الذين يدفع بهم الشيطان ليوالو ركب قافلة حملت أقدار رجالها على اسنه رماح تحت مرأى ومسمع منهم… لم يحركوا ساكنا، فالخيانة والنفاق والجبن الذي شربوه علق في شرايينهم حتى أوردها الدم الأسود الفاسد… هيهات.. صياحهم بعد كل ذلك أن يعيد ماض خط على رمال عشقت لهيب الشمس حتى تربصت بكل من شهد الحقيقة التي لا يحجبها غربال… قول الحق صعب، أما فهم الحقيقته يكون مستحيلا، لذا نسج من وحشته وهما ألبسه عباءة سوداء راح يتخفى بها، يبيع عبارات الحزن بصحف مسمارية لم تألفها أجيال تسلمت عهدا لا يعرف أن العالم تمسك به عقول تسير الى الوراء بسفن مثقوبة، والادهى أنها لا تسير على البحر بل تسير في صحراء رمالها تذري شواهد صورها في عيون من يظن نفسه عالما بالحقيقة…
لكن ما هي الحقيقة؟ سال من كان واقفا عند خط النهاية بعد أن اطبقت أنفاس السواد على بداية الخطوط الملونة.. أستفزها بعنف، غير أنها لا تبحث عن عقلية جاهل تناطحه الحوار، فمهوم عقله ضيق أضيق من أست بعوضة ما، لذا تراه يطن ويأز فقط كي يشعر الآخرين أن بإستطاعته لدغهم متى شاء بعد أن كساهم بحلكته… لم يستغربوا فعله، فمن لم تغفر ذنوبه بصلاة سواد ليل لا أمل ان يرى بصيص مغفرة في وضح نهار…
قال احدهم… اللعنة عليك لم أعد استسيغ مُرَ أفعالك، كم أتمنى أن تركب سحابتك السوداء لتعود حيث شيطانك الأكبر الذي يبيع ويشتري بكل الألوان في سوق نخاسة… يا إلهي أين أنت من كل هذا؟!؟ ألم تسمع قولهم وهم يستبشرون ولادة شيطان جديد من إمرأة عاهرة كانت في قعر جهنم؟ كم هو عالمنا مستتر حيث يحجبه أبالسة الشيطان عن مسامعك وعن علمك؟ أم تراك تنتظر كي تبطش البطشة الكبرى…
لا تؤاخذني… لقد عيل صبري، فاض بعد ان تجرعته كالحنظل… أتراك عالمنا أبتليته بداء مثل داء النبي ايوب ثم امرتنا ان نصبر على مالم نستطع عليه صبرا.. البلاء، فقد طحنت رحى أيامك عظامنا اقعدتنا رعية تخاف خيالها… حتى الدود الذي يخرج من جسد وطني نعيده لأننا نخاف ان يكتشف سياف الوالي النقص في عدده مع علمنا أنه لم يَحصِه ابدا… يا لنا من ملة نصفع صاحب الألوان بسواد نشتريه بجهلنا تحسبا أننا سنحيا في عالم آخر، حياة مُثلى مستبعدين ان الخطوط كل الخطوط سوداء بالنسبة لعالمنا، أما الألوان فلم نرى سوى اللون الاحمر… عجبت دائما لم حلمك ألف عام وأنت الذي لا ترضى بقتل النفس إلا بالحق… هاهم عبادك يقتل بعضهم البعض من اجل سلطة، مصالح ليس لهم فيها حق… إنهم يبيعون بأسمك الحلال والحرام، ثم يتبارون على النساء بكم تشتري وحتى الغلمان باتوا يقسمونهم بين ألفجر والضحى، العصر والمغرب، العشاء وما بعد العشاء، قد فاقوا بفسقهم الرشيد، وبقتلهم جنكيز خان وهولاكو وحتى هتلر من العصر الجديد… إننا في زمن يُعبَد الشيطان وانت ترى وتسمع رغم الدعاء… إننا في عالم من الضياع بين الحقيقة والضلال، فأين الحقيقة إن لم تخسف بهم او حتى بنا الأرض، تمحي زهو ألوان الحياة، الحرية، فنحن أمة لا تتورع على إتيان الفجور بالمحارم، بل ابشع فهناك من يعيش على الصغار في اغتصاب بيع وشراء، دوما اقف متحيرا اين أنت من ذلك؟ سؤال يودي بي للتهلكة، لكن ما باليد من حيلة إن خرست جننت وإن تحدثت فُسقت فأين الملاذ؟؟…
بطش السواد فيها وأزهق أعمارا كثيرة، البسنا الآه، الوجع، العوز، الفقر، وحتى الموت صار دينا جديدا، بتنا وقودا لجهنم في دنياك بدل آخرتك لعلها هي غير أننا لا نعي مرادك فعقولنا لا تتعدى حبة جوز فارغة لا تلم بغيبيات بحر علمك ونواياك… فشتان بين الخالق والمخلوق العالم والجاهل.
تحرك السواد بهيلمانه… أنصت يا هذا!؟ إن علمك هذا بِرُمَتهِ يعيش على الفكرة ولكن هل تعلم ماهي الفكرة؟ دعني أصيغها لك علك تفهم.. إنها البويضة التي عليك ان تتركها تتبلور بشكل كاف ثم تطلقها الى رحم العقل ليغوص بدورة في عمق خباياه بحثا عن مفردات يمكنها أن تترجم كل خوالجه، بعدها يرسلها الى حركته الإرادية من خلال أصابعه شاركا معه القلم ليلقي بما يحمله من سائل منوي ليلقح تلك الفكرة التي تستطيع أن تهدي المتفكر مولودا، بجعلها عبارات وصفات يمكنه أن يتلمسها ما أن تقع عينيه عليها فتعكس ما يرمي إليه المتحدث من طرحه في مخاض جمل علقت قبل ولادتها بعسرة ما أحيط به من أوضاع إجتماعية، سياسية دينة، اقتصادية، عقائدية، ثقافات مختلفة فأنجبت جمل سيامية أو غير سيامية لكنها بالتأكيد لها دور في إحداث ضجة ما ولو في المستقبل البعيد.. أننا نعيش زمن الترهلات والبدع والفجور..لغايات مسلم بها لا علم لنا بها… إننا نسير حيث الحداثة بكل فجورها بعناوين دين مزركشة الألوان إلا أنها تسير أسفل الخط الأسود.