رسائل مفتوحة من الدكتور كاظم حبيب إلى المرجعية الدينية الشيعية في النجف السيد علي السيستاني
طلب مني صديق فاضل أن أكتب مقالاً عن المرجعية وموقفها من أحزاب الإسلام السياسي فأرسلتن له الرسائل التي كنت قد وجهتها لكبير المرجعيات الدينية الشيعية في النجف والتي أنشرها الآن مع ملاحظات مهمة في مقدمة هذه المقالات:
تحية طيبة
رجوتم ان أكتب عن المرجعية الشيعية في النجف. فماذا اكتب بعد أن كنت قد وجهت للشخص الأول في المرجعية السيد علي السيستاني مجموعة من الرسائل منذ العام 2005 دون فائدة؟ أدرك جدياً بإن ما يحصل في العراق من جانب المرجعية وأحزاب الإسلام السياسي والحوزة الدينية الشيعية في قم وغيرها لا يبتعد عن الاستنتاجات التالية:
1. إن المرجعيات الشيعية، رغم المنافسة في ما بينها للحصول على أكبر عدد من المقلدين في العالم الإسلامي الشيعي لارتباط ذلك بما تتسلمه من إيرادات الخمس والتبرعات، فأنها تعمل على وفق مبدأ تقسيم العمل فيما بينها، وبالتالي لا فرق بينها إلا في مستوى التشدد الشكلي، ولكن حين تصل الأمور إلى شعورها بالخطر المشترك، حتى لوكان هذا الخطر مسبق الصنع من جانبها، فأنها تمارس التنسيق الكامل، كما حصل في معاداتها لحكومة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والجمهورية الأولى في العام 1960 بعد صدور قانون الأحوال المدنية والإقرار ببعض الحقوق المهمة للمرأة العراقية.
2. كما إن هناك تقسيماً للعمل مدروس ومنظم بين المرجعيات الدينية والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية، وهو في غير صالح الشعب العراقي والدولة المدنية الديمقراطية والمجتمع المدني. ومن الممكن حصول خلاف مع هذا الشخص أو ذاك من قادة الأحزاب الإسلامية السياسية، ولكن توزيع العمل والسياسات والمواقف يبقى قائماً فيما بينها.
3. توجد خلافات معينة بين الحوزات في النجف وحوزة قم أو غيرها في إيران، ولكن في المحصلة النهائية هناك تقسيم عمل وتوزيع أدوار فيما بينها، إضافة إلى واقع المنافسة في الحصول على تقليد وتأييد الجماهير المؤمنة بالمذهب الشيعي الجعفري في العالم.
4. ورغم وجود تباين في الموقف من ولاية الفقيه بين العراق وإيران، إلا إن وجود الطائفيون الشيعة على رأس الدولة الإيرانية يجعلهم في موقع أقوى من المرجعية الشيعية في النجف، مما جعل غالبية الميليشيات الشيعية العراقية-الإيرانية المسلحة تؤيد مرجعية قم الممثلة بالخامنئي وتدين له بالولاء والالتزام بما يفتي ويأمر. أمثلة على ذلك: ميليشيات بدر وعصائب الحق وحزب الله …إلخ.
لهذا لا يرتجى شيء من المرجعيات الدينية الشيعية في النجف لصالح الدولة الديمقراطية وضد الفساد ولصالح المجتمع المدني الديمقراطي. ولهذا فأن نشر محاولات وتصورات خاطئة عن مواقف المرجعية ضد الأحزاب الإسلامية السياسية وبناء عليها أشياء وردية غير مناسب بأي حال وخادع للجماهير الواسعة، لاسيما تلك المخدوعة بالواقع القائم، الطائفي والفاسد والمقيت، إضافة إلى إنه يفوت الفرصة على النضال الفعلي وتوسيعه في العراق لصالح التغيير الديمقراطي السلمي لنظام الحكم الطائفي والفاسد والجبان.
اليكم مجموعة من الرسائل التي وجهتها إلى مسؤول المرجعية الأكبر في النجف خلال السنوات المنصرمة والتي يمكن أن تعبر عن موقفي في هذا المجال.
كاظم حبيب
رسائل مفتوحة من الدكتور كاظم حبيب إلى الرجعية الدينية الشيعية في النجف السيد علي السيستاني
رسالة مفتوحة إلى سماحة السيد السيستاني العراقي بتاريخ 17/3/2005
إلى سماحة آية الله العظمى السيد على السيستاني المحترم/
الحوزة العلمية/ النجف الأشرف
تحية واحتراماًً
سيكون من بواعث اعتزازي واعتزاز الغالبية العظمى من سكان العراق حيازتكم على
الجنسية العراقية. ليس الغريب في حصولكم على الجنسية العراقية، بل الغريب تماماً
أنها لم تمنح لكم خلال الفترات المنصرمة. وهي لعمري دلالة قاطعة على طبيعة النظم
الاستبدادية التي سادت العراق خلال تلك الفترات، والتي يعمل الشعب كله من أجل ن لا
تعود ثانية وبأي صيغة كانت إلى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية
والثقافية والعسكرية العراقية.
يسعدني جداً أن أكون من بين المهنئين سماحتكم بتسلمكم الجنسية العراقية.
لقد برز دوركم الإيجابي والفعال في موقفكم من أحداث النجف وفي الموقف العقلاني
الحصيف والحكيم المتميز من قوات الاحتلال والوجود الأجنبي في العراق، وكذلك من
الدعوة لإجراء الانتخابات بأمل الانتهاء من الفترة الانتقالية بأسرع وقت ممكن،
وبالتالي الخلاص من الإرهاب المهيمن على العراق.
طالما سعى الشعب العراقي إلى الخلاص من الدكتاتورية والإرهاب والقمع والقهر بمختلف
صوره الذي سيطر منذ عشرات السنين على رقاب الناس، وطالما سعى الشعب إلى التمتع
بطعم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية،
وطالما قدم التضحيات الغالية على هذا السبيل. واليوم تبرز إلى الواقع العملي
إمكانية فعلية لقطف ثمار ذلك النضال المجيد الذي خاضه الشعب العراقي.
ولن ينس الشعب تلك المواقف النبيلة والمشرفة لعلماء الدين الوطنيين الذين اختطفوا
منا مبكراً، ومنهم السيدين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر والسيد محمد باقر
الحكيم، إلى جانب كل الوطنيين والديمقراطيين العراقيين الآخرين من مختلف القوميات
والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية، الذين شاركوا في هذا النضال بصور
شتى وقدموا حياتهم في سبيل الخلاص من الدكتاتورية ومن أجل عراق يسعد شعبه بالحرية
والرفاهية والسعادة. وتبدو الفرحة على وجوه العائلات التي عانت الضيم والقهر طوال
العقود المنصرمة.
إن الحوزة العلمية في النجف لها مكانتها في نفوس المسلمين الشيعة المؤمنين، كما
لكم احترامكم الكبير في نفوس بقية المسلمين المؤمنين، ومن هنا تنشأ الحاجة الماسة
إلى أن تلعب الحوزة العلمية وسماحتكم شخصياً الدور البارز في التأثير الإيجابي على
عملية التنوير الديني في المجتمع العراقي ومساعدة الناس في الخلاص مما يقدم صورة
غير حضارية وغير إنسانية وغير إسلامية أمام العالم كله، ومنها قضايا الضرب بالسلاسل
على الظهر والتطبير أو ضرب الرأس بالسيوف، على سبيل المثال لا الحصر، أو التمسك
بأساليب وسياسات التمييز الطائفي التي مورست في العراق طوال عقود وقرون وجلبت
الخراب والبؤس والموت للناس، إذ أن لها مخاطرها على الإنسان العراقي وعلى وحدة
الوطن ونسيجه الاجتماعي، إضافة إلى الأساليب البالية في التعامل مع المرأة
العراقية التي تولد حرة تماماً كما يولد الرجل حراً.
كثرة كاثرة من نساء ورجال العراق، وأنا منهم، تتطلع لهذا الدور الاجتماعي التنويري
للحوزة العلمية ولكم شخصياً، وتثق بأن للحوزة ولكم القدرة على تغيير الكثير من العادات
والتقاليد غير المقبولة في الإسلام الحنيف والمرفوضة من قبل مختلف المذاهب في
الإسلام، بما فيها المذهب الشيعي الجعفري.
أرجو لكم يا سماحة السيد الوقور موفور الصحة والعمر المديد.
كاظم حبيب
17/3/2005
رسالة مفتوحة إلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني المحترم/ النجف/ العراق بتاريخ 23/07/2005
تحية واحتراماً
قرأت في الصحافة العراقية والعربية بأن ناطقاً باسمكم قد
أشار إلى الخطأ الذي حصل في تأييدكم لقائمة عراقية دون غيرها من القوائم الكثيرة
التي طرحت في انتخابات الجمعية الوطنية الأخيرة وما نجم عن ذلك من حصول قائمة
الائتلاف الوطني العراقي الشيعية حصراً على نسبة عالية من الأصوات ومن مقاعد
الجمعية الوطنية التي تسمح لهذه القائمة بالتأثير المباشر على اتجاهات وضع الدستور
والمسيرة السياسية للبلاد. وهذا الخطأ الذي اعترف به الناطق باسمكم، إن صح ذلك،
فقد جاء متأخراً جداً، إذ أن الخطأ المذكور قد أساء، شاء المسؤول عنه أم أبى، إلى
الشعب العراقي وساهم في تفتيت الوحدة العراقية التي كان النظام الاستبدادي السابق
قد زعزعها، وتساهم بها كل قوى الإسلام السياسي العراقية المتطرفة منها وتلك التي تسمى
معتدلة، إذ أنها قد أججت المشاعر الطائفية المقيتة في أوضاع العراق البائسة
الراهنة، وسمحت لهذه القوى السياسية الطائفية الوصول إلى السلطة بطريقة غير
إنسانية وغير ديمقراطية. وأنتم أيها السيد الفاضل وممثليكم قد ساهمتم بهذا الخطأ
الفادح. ليس المذهب الشيعي أو المذاهب السنية في الإسلام هي المسؤولة عن ذلك أو هي
المدانة هنا، بل المسؤول والمدان هو من يستخدم هذه المذاهب الإسلامية لأغراض
سياسية والذي يؤجج التمييز الطائفي المقيت، وهو الذي يلحق أفدح الأضرار بالعراقيات
العراقيين وبمستقبلهم ويصب الماء في طاحونة الإرهابيين من سنة وشيعة. إن الخطأ
الذي ارتكبته الحوزة العلمية، كما أرى، لا يصحح بالقول بأن خطأ قد ارتكب في هذا
الصدد وكفى الله المؤمنين شر القتال، بل من خلال الدعوة إلى إبعاد الدين الإسلامي
عن مشاريع الدولة العراقية وإبعاد الشريعة الإسلامية عن أن تكون أساساً للتشريع في
العراق.
إنكم إن أردتم تصحيح الخطأ الذي وقعت به الحوزة العلمية
بتأييدها غير المعقول وغير المنطقي لقائمة دون غيرها قد كلف وما يزال يكلف الشعب
العراقي كثيراً من الضحايا والخسائر، ويصب الماء في طاحونة كل الطائفيين في
العراق، أياً كان دينهم ومذهبهم. لهذا فأن تصحيح الموقف يتطلب قدرة عالية في
الدعوة الصارمة إلى:
1.;إبعاد الدين عن الدولة لضمان احترام كامل وحقيقي ومتواصل
لكل الأديان والمذاهب في العراق الجديد، فالدين لله والوطن للجميع.
2رفض جعل الشريعة الإسلامية أساساً للتشريع وصياغة مضامين
القوانين في العراق، ورفض مبدأ المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب الحكومية
والوزارات والمؤسسات ..الخ.. إذ أن على العراق أن يأخذ بمبدأ المرأة المناسبة أو
الرجل المناسب في المكان المناسب استناداً إلى كفاءة الإنسان ومقدرته، وليس على
أساس قومي أو ديني أو مذهبي أو سياسي.
3.;رفض تبني العراق والشيعة العراقيين لولاية الفقيه، كما
يجري العمل بذلك في إيران حالياً، إذ أن ذلك يعيد الاستبداد بصيغة أخرى إلى العراق.
4. الدعوة إلى إقامة مجتمع مدني
ديمقراطي يتمتع فيه جميع المواطنات والمواطنين بحقوقهم ويمارسون واجباتهم كاملة
غير منقوصة.
5. رفض تقييد المرأة بأي قيود مخلة
أو حرمانها من حقوقها المشروعة ومساواتها بأخيها الرجل في الحقوق والواجبات
فكلاهما من بني البشر.
6دعم حق الشعب الكردي في إقامة الفيدرالية كجزء من
العملية الديمقراطية المنشودة للعراق الجديد، إضافة إلى ضرورة تمتع جميع القوميات
الأخرى بحقوقها المشروعة.
7الدعوة إلى رفض العنف بكل أشكاله ولأي سبب كان وإدانة
العمليات الانتحارية باسم الجهاد الإسلامي والتثقيف بثقافة الاعتراف بالآخر
والتسامح بين البشر ومعالجة جميع مشكلات العراق بالطرق السلمية والتفاوض بدلاً من
استخدام السلاح والقتل.
8إبعاد التربية الدينية العامة وفي المدارس الدينية عن
الإساءة للأديان أو المذاهب الأخرى بل الاعتراف بالآخر وحقه في تبني أو الإيمان
بأي دين أو مذهب أو فكر غير عدائي وغير عنصري.
هذه مبادئ عامة يفترض أن يلتزم بها العراق كله، وأنتم
كأحد مواطني العراق ومسؤول عن جمهرة كبيرة من أتباع المذهب الشيعي من الناحية
الدينية وليس السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية …الخ، أتمنى أن تشاركونا الدعوة إليها والعمل من أجلها.
الصراحة في الحديث معكم يا سيدي الفاضل ضرورة كبيرة
ومهمة في آن واحد، لأننا الآن نتحمل تبعات تأييدكم أو تأييد من تحدث باسمكم لقائمة
الائتلاف العراقي الشيعية التي تحاول اليوم الهيمنة على الحياة السياسية والثقافية
والاجتماعية العراقية وتساهم في تعقيد صورة الوضع في العراق أكثر من أي وقت مضى
وتصب المزيد من الزيت على النيران التي أشعلها النظام السابق المقبور والمتطرفون
من أتباع المذهب الوهابي أو من أتباع القاعدة والزرقاوي وغيرها من الجماعات
الإرهابية، إضافة إلى ممارسات هيئة علماء المسلمين والقوى القومية الشوفينية
العربية.
أتمنى أن تكون رسائلي السابقة قد وصلتكم، فهي تعبر عن
رغبة صادقة في مخاطبتكم لتكونوا عوناً بالاتجاه السليم وبعيداً عن تلك الأجواء
الطائفية التي يثيرها أتباع المذاهب المختلفة الذين يتسمون بالطائفية السياسية
والتمييز الطائفي.
أملي أن يكون صوتي مسموعاً لديكم، إذ نحن بأمس الحاجة
إلى تنوير ديني وإلى عقلانية في ممارسة الدين على أيدي علماء الدين الأفاضل الذين
يشعرون بالتغيرات التي طرأت على عصرنا والزمان الذي نحن فيه والحاجة الماسة إلى
التغيير والتنوير وتطوير البلاد والاستجابة لحاجات الناس وحل مشكلاتهم وتوفير فرص
العمل لهم وتحسين ظروف عملهم ومعيشتهم، إذ بدون هذا التنوير والعقلانية الدينية
سيغوص العراق مرة أخرى في ظلمات الصراعات الدينية والطائفية المميتة التي تزيد
بلوى العراقيات والعراقيين، وحصدهم الموت يومياً كما يحصل اليوم في العراق، وسيحصد
معه الكثير من أتباع المذاهب والمؤمنين أيضاً دون وجه حق، كما يجري اليوم في
العراق.
أرجو أن تصل رسالتي إليكم عبر ممثليكم وأملي أن استمع
إلى رأيكم، إذ أن موقفكم الراهن والقادم سيلعب دوراً مهماً في جعل الانتخابات أكثر
نظافة من السابق ويجعلها أكثر حرية في اختيار من يمثلهم في الجمعية الوطنية
القادمة بعيداً عن تأييد أو إدانة هذه القائمة أو تلك، كما يفترض أن يؤثر على
مضمون الدستور الذي نريده مدنياً ديمقراطياً حضارياً يفصل بين السلطات وبين الدين
والدولة ويحترم المرأة ويعترف بحقوقها كاملة ويعترف بالفيدرالية وحقوق الإنسان
كاملة غير منقوصة، ويساهم في بناء العراق الاتحادي الديمقراطي الجديد.
مع خالص احترامي.
كاظم حبيب
23/07/2005
رسالة مفتوحة إلى الأخ الفاضل والمواطن العراقي آية الله العظمى السيد علي السيستاني المحترم
بتاريخ 20/09/.2010
تحية واحتراماً
بعد أن أضناني الجهد لتوضيح الموقف من الزيارات المليونية والطقوس التي تمارس في أيام عاشوراء و الموت المتواصل الذي يلاحق العراقيات والعراقيين عند سيرهم على الأقدام لمسافات طويلة بغرض زيارة مراقد أئمة الشيعة المسلمين في المدن العراقية، كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء على سبيل المثال لا الحصر على أيدي الإرهابيين والتكفيريين، وجدت نفسي مجبراً ن أتوجه لجنابكم راجياً منكم أن تلعبوا الدور المنوط بكم، دور المنور وتساهموا في التنوير الديني لأتباع المذهب الشيعي ومن يقلدونكم في الإسلام.، إن ما يحصل في أيام عاشوراء من ممارسات لطقوس غير دينية تجسد، وفق رأيي، قمة التخلف وغياب الوعي الديني السليم لدى المشاركين في ممارسة تلك الطقوس، وسيطرة وعي ديني مزيف روجته قوى وجهات مغرضة أدت إلى عواقب وخيمة على الإنسان كما شوهت أراء ومواقف أئمة المذهب الشيعي الساكتين عن بتلك الأفعال.
وقد كتبت عن تلك الطقوس ورجوت شيوخ الدين الشيعة إلى تحريم هذه الطقوس لأنها ليست من الإسلام، والإسلام الصحيح برئ منها. فاتهمني البعض بالانحياز ضد الشيعة، لست معنياً بهذه التهمة، إذ أني أحترم كل الأديان وكل المذاهب الدينية وأتباع الأفكار المختلفة وأحترم أتباعها دون استثناء ولست مناهضاً لأي منها، ولكني أكتب عن ظواهر غير مشروعة دينياً ومدانة إسلامياً حين يقوم الإنسان بتعذيب نفسه، فهو محرم في الإسلام. وبما أني من مواليد مدينة كربلاء في العام 1935 فقد تعرفت جيداً على تلك الطقوس وعايشتها سنوات غير قليلة ومارست بعضها حين كنت صبياً، ولكن أدرك اليوم بعمق ومسؤولية، بل ومنذ سنوات طويلة، أضرارها الفادحة والعواقب السلبية التي تترتب على ممارسة مثل هذه الطقوس لأتباع المذهب الشيعي على صعيد الوضع النفسي والعصبي للفرد ذاته وعلى الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
لقد اطلعت بشكل دقيق على آراء الكثير من شيوخ الدين الشيعة الذين رفضوا ممارسة هذه الطقوس وأدانوها بعبارات واضحة تعتبر بمثابة فتاوى فقهية ناضجة. أليكم أدناه بعض من تلك الآراء لمراجع دينية شيعية معترف بها في فقه الدين.
آراء بعض المراجع الشيعية بطقوس عاشوراء
1- آية الله العظمى السيد محسن الحكيم “إن هذه الممارسات (التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات… هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أرى أي من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى إن قضية التطبير هي غصة في حلقومنا”.
2- آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي: في رده على سؤاله حول إدماء الرأس وما شاكل يقول “لم يرد نص بشرعيته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه)) راجع: المسائل الشرعية ج2 ص 337ط دار الزهراء بيروت.
3- آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في جوابه لسؤال الدكتور التيجاني حين زاره في النجف الاشرف ” ان ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه” راجع: كل الحلول عند آل الرسول ص 150 الطبعة الأولى 1997 م للتيجاني.
4- آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني “ان استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين (عليه السلام) انما هو محرم وغير شرعي”. راجع: كتاب هكذا عرفتهم. الجزء الأول لجعفر الخليلي.
5- آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي “على المؤمنين الأخوة والأخوات السعي إلى إقامة مراسم العزاء بإخلاص واجتناب الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية وأوامر الأئمة (عليهم السلام) ويتركوا جميع الأعمال التي تكون وسيلة بيد الأعداء ضد الإسلام، إذ عليهم اجتناب التطبير وشد القفل وأمثال ذلك…”
6- أيه الله العظمى السيد كاظم الحائري “ان تضمين الشعائر الحسينية لبعض الخرافات من أمثال التطبير يوجب وصم الإسلام والتشيع بالذات بوصمة الخرافات خاصة في هذه الأيام التي أصبح إعلام الكفر العالمي مسخرا لذلك ولهذا فممارسة أمثال هذه الخرافات باسم شعائر الحسين (عليه السلام) من أعظم المحرمات”.
7- أيه الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله “… كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزنا على الإمام الحسين (عليه السلام) فانه يحرم إيقاع النفس في أمثال ذلك الضرر حتى لو صار مألوفا أو مغلقا ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها.” (راجع: إحكام الشريعة ص 247).
8- آية الله الشيخ محمد مهدي الاصفاني “لقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الأعمال والطقوس فكان له دور سلبي في عطاء الثورة الحسينية وأصبحت مبعثا للاستخفاف بهذه الشعائر مثل ضرب القامات.”. (راجع: عن كيهان العربي 3 محرم 1410 ه).
9- أيه الله العظمى السيد محسن الأمين “…. كما ان ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه سوء الأعمال.” (راجع: كتاب المجالس السنية. الطبعة الثالثة ص 7 ).
10- أيه الله محمد جواد مغنية “…. ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم ان هذه العادات المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون ان يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب حيث توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الاهانة والضرر.” راجع: كتاب تجارب محمد جواد مغنية.
11- آية الله الدكتور مرتضى المطهري “ان التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثودوكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم.” راجع: كتاب الجذب والدفع في شخصية الإمام علي (عليه السلام).
وهناك أسماء كثيرة ضد ظاهرة التطبير ومنهم أيه الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي، وآية الله السيد محمود الهاشمي، وآية الله محمد باقر الناصري والعديد من كبار العلماءالآخرين.
السيد المحترم
أنا واثق بأنكم على إطلاع دقيق على هذه الفتاوى والآراء الناضجة، وأنا واثق أيضاً بأنكم لا تختلفون في التفكير عن السيد ابو الحسن الأصفهاني الموسوي مثلاً وترفضون معه مثل هذه الطقوس والبدع المؤذية للنفس والعائلة والمجتمع ولسمعة المذهب الشيعي عالمياً. ومن هنا ينطلق سؤالي لجنابكم الموقر:
لماذا لا تصرحون بموقفكم الإسلامي ضد هذه الطقوس التي أدانها علماء دين كبار ذكرت بعضهم في أعلاه؟
أنا أرجوكم، بل وأطالبكم، ومن حقي كمواطن وحرصاً على أبناء الشعب العراقي، أن تتحدثوا إلى المسلمات والمسلمين من أتباع المذهب الشيعي وإلى كل مسلمات ومسلمي العالم بأنكم لستم مع هذه الطقوس والبدع التي ليست من الإسلام، بل هي مسيئة للإسلام، وأن تحرمون ممارستها على أتباعكم ومقلديكم على أقل تقدير وهم كثر في العالم الإسلامي.
أن الحسين بن علي بن أبي طالب هو شهيد كل المسلمين، وليس الشيعة وحدهم وطقوس زيارته لا تستوجب اللطم واستخدام السلاسل الحديدية ولا السيوف لشج الرؤوس ولا الزيارات المليونية، بل تستوجب الوقوف الصامت احتراماً لتلك الشهادة.
أتمنى عليكم، وأنتم تمتلكون الشجاعة الكافية، أن تقوموا بإعلام المسلمات والمسلمين والعالم كله بموقفكم الرافض لهذه الطقوس، إذ أن السكوت عن ذلك تعني مواصلة ممارستها وتعني الموت المتواصل للناس وتعني الإساءة المستمرة للمذهب الشيعي الذي أنتم أحد العاملين البارزين في الدعوة له، وهي بمثابة المشاركة في العمل غير المسموح به إسلامياً.
أرجو لكم موفور الصحة وطول العمر.
مع خالص التقدير والاحترام.
تاريخ 20/09/.2010
رسالة إلى الأخ الفاضل سماحة السيد علي السيستاني المحترم بتاريخ 23/7/2011
تحية طيبة
وجهت لجنابكم بتاريخ 20/9/2010 رسالة وددت فيها سماع رأيكم وموقفكم بشأن ما ورد فيها. وها نحن نقترب من مرور عام على تلك الرسالة دون أن أحظى بجواب من جنابكم، سواء أكان بالتجاوب مع ما طرحته أم برفضه والاتفاق مع من يُمارس وما يمارس من طقوس في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء. وقد وردت الكثير من التعليقات على تلك الرسالة المفتوحة نشرت في موقع الجيران الإلكتروني وفي مواقع أخرى كالحوار المتمدن. وكانت التعليقات تتراوح بين مؤيد لمضمون الرسالة ومعارض لها، وبين مهاجم للكاتب ومدافع عن أفكار الرسالة، بين من فهم مغزاها وأهميتها بالنسبة لأتباع المذهب الشيعي ذاته ومن ظلم الكاتب بهجوم كاسح لا يستند إلى معطيات فكرية ورؤية عقلية لما جاء في الرسالة.
وجُهت لكم، أخي الكريم، من قبل السيدات والسادة الذين كتبوا التعليقات ملاحظات بين متهم لكم بالسكوت، باعتبارها علامة الرضا عن ممارسة تلك الطقوس، وبين مدافع عنكم باعتبارها طقوساً دينية تحدث عنها بعض الأولياء الصالحين، بين راض عن موقفكم الساكت، وبين مستفز من هذا السكوت. ولكنكم حتى الآن لم تبادروا لإبداء الرأي في ما طرح عليكم من سؤال مهم: ما هو الموقف من المغالاة بطقوس غير دينية تسمى ظلماً دينية، وبالتالي تسيء إلى الدين وإلى الأولياء الصالحين الذين استشهدوا في سبيل الحق والعدل والدين الصحيح؟ في حين أن واجبكم الشرعي، باعتباركم من كبار المجتهدين في الدين الإسلامي والمذهب الشيعي، الإجابة عن المسائل التي طرحتها عليكم رغم كوني لا أقلد شيخاً من شيوخ الدين.
كتب البعض يعلق على رسالتي بقوله: لماذا لا انتقد الطقوس الأخرى التي تمارس في بقاع أخرى من هذه الدنيا، وهي التي لا تختلف كثيراً عن تلك التي تمارس من قبل جمهرة كبيرة من أتباع المذهب الشيعي الجعفري؟ والبعض الآخر يتساءل لماذا لا أنصرف لأموري بدلاً من الاهتمام بأمور أتباع المذهب الشيعي؟
أجد نفسي ملزماً بتوضيح ما يجب أن يوضح في مثل هذا المقام. لقد ولدت في مدينة كربلاء وفي أحضان عائلة متدينة معتدلة وترعرعت فيها وشاركت أحزان الناس على استشهاد الأمام الحسين وصحبه الكرام وشاركت مراراً في هرولة طويريج (الهندية) إلى كربلاء حين كنت صبياً وشاركت في مواكب طلبة المتوسطة والثانوية السنوية، وتعرفت على الكثير من الأمور التي تجري في كربلاء أثناء تلك الزيارات وممارسة تلك الطقوس، ورأيت كيف تسيل الدماء وكيف يسقط البعض ميتاً وكيف تستخدم السلاسل الحديدية وبرؤوسها من السكاكين المعوجة التي تصيب الظهر بجروح بالغة، وكيف يموت البعض تحت أقدام الآخرين أثناء الركض السريع، وخاصة من منتصف طريق الهندية (طويريج) إلى كربلاء عند بوابات صحن الحسين دخولاً وخروجاً. وفي حينها، وليس الآن، أدركت مخاطر تلك الطقوس على الدين ذاته وعلى تشويهه بكل معنى الكلمة والإساءة للحسين من حيث يريد البعض تكريمه! في حين كان موكب الطلبة محترماً ويليق بمقام الحسين والحزن عليه.
كل الطقوس المشابهة، سواء تلك التي يمارسها المسيحيون في أمريكا اللاتينية أم في جنوب إيطاليا أم في غيرها من الدول التي أغلب سكانها من أتباع المذهب المسيحي، أو تلك التي يمارسها أتباع الديانة اليهودية، سواء في إسرائيل أم في بلدان أخرى، أو الطقوس التي يمارسها أتباع الدين الهندوسي أو أتباع الدين البوذي في التبت أو في النهد أو في ديانات أخرى التي تلحق أضراراً بالإنسان وتلحق خسائر به وبمجتمعه هي باطلة وينبغي تحريمها، إذ ليس من حق الإنسان أن يؤذي نفسه، فهو ملك نفسه من جانب ولكنه ملك المجتمع في آن واحد، وبالتالي خسارته خسارة للمجتمع ذاته والأضرار التي تلحق به هي إضرار بالمجتمع. وأنا ضد الممارسات الشاذة وغير الطبيعية التي تمارس من بعض أتباع المذهب السني أيضاً. فكل الممارسات الخاطئة يفترض أن تحرم من المؤسسات والمرجعيات الدينية.
نحن بحاجة إلى عملية تنوير ديني لا يمكن لرجل مثلي أن يقوم بها، بل هي من أولى واجبات شيخ الدين باعتباره المسؤول عن إبعاد الدين عن التشويه أو خلق وعي مزيف لدى الإنسان بطقوس غير دينية على إنها دينية. ولهذا توجهت لكم بتلك الرسالة.
أنا لست ضد زيارة الحسين وصحبه ولست ضد إحياء ذكرى استشهاد الحسين وصحبه، فإحياء الذكرى وبصورة إنسانية وحضارية تعبر عن القناعة بصواب المسألة التي استشهد من أجلها، ولكن لا بسيل من دماء أتباعه والضرب على الصدور وعلى الظهور أو التمرغل (تمرغ) بالطين من الرأس إلى باطن القدمين أو الزحف على الأقدام، إنها بدع ليست من الإسلام بل هي مشوهة للدين الإسلامي ومسيئة لشيوخ الدين العقلاء والواعين لحقيقة وأهمية ودور الدين في المجتمع حين يسكتون عنها. ومع مرور الأعوام تزداد هذه الطقوس بؤساً وسوءاً وتشوهاً. والغريب أن الشيخ العاملي يتحدث عن ارتياحه النفسي بعد التمرغل بالطين، إنه البؤس والجنون والجهل بعينه، إنه عملية خداع للناس والمزيد من التشويه للمذهب الشيعي.
ولأهمية تلك الرسالة التي وجهتها لجنابكم، كما أرى، أجدد طرح موضوعاتها على سماحتكم راجياً منكم الإجابة عنها.
أدرك تماماً إن الأحزاب الإسلامية السياسية وأغلب قادتها، إن لم نقل كلهم، هم الذين يروجون ويشجعون على ممارسة مثل هذه الطقوس ويسعون إلى إدامتها وتوسيعها والتفنن بطرح الجديد من هذه الطقوس الضارة، فمن خلال ذلك يسعون إلى تعميق الفرقة في المجتمع وتنشيط الاصطفاف المذهبي لصالح الحصول على أصوات الناخبين. إنه الفساد بعينه، وعليكم مواجهته.
لو اطلعتم على التعليقات التي كتبت على رسالتي لوجدتم واقع التشوه في العقلية والوعي الديني المزيف الذي يحمله البعض وتفسيرهم لتلك الطقوس.
أتمنى عليكم أن تناقشوا رسالتي السابقة، التي أرفقها بهذه الرسالة، والتعليقات التي وردت عليها لكي يتبين الجميع من مقلديكم وغيرهم مدى صواب أو خطأ ممارسة تلك الطقوس وليس أحياء الذكرى الجليلة لاستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وابن بنت محمد بن عبه الله وصحبه الكرام.
أرجو لكم موفور الصحة والعافية.
مع خالص الاحترام والتقدير.
د. كاظم حبيب
23/7/2011
رسالة مفتوحة إلى السيد السيستاني وبقية المراجع والهيئات الدينية الشيعية والسنية
بتاريخ 14/06/2014
إلى حضرة السيد علي السيستاني وبقية السادة في المراجع
والهيئات الدينية، الشيعية والسنية، المحترمين
تحية واحتراماً
تدركون جيداً، وأنتم في المعمعان الجاري، بأن الوطن
العراقي وشعبه يمران بخطر كبير جداً، خطر اندلاع حرب أهلية أوسع مما هي عليه الآن
عملياً. ومثل هذه الحرب الأهلية الطائفية ستحرق الأخضر واليابس، ستقتل مئات ألوف
السكان من كل القوميات والديانات والمذاهب بالعراق، ستدمر الوطن العراقي كما دُمرت
الدولة السورية المجاورة والشقيقة.
وأنتم شيوخ الدين لعبتم، مع الأسف الشديد، دوركم في ما
وصل إليه العراق بسبب تأييدكم وتشجيعكم، كل من جانبه، الأحزاب الإسلامية السياسية
الطائفية وساندتم وصولها إلى السلطة ولم تعترضوا على السياسات التي مارسوها هؤلاء
الساسة إلا بعضكم وفي الآونة الأخيرة وباستحياء كبير. إن تدخلكم بالسياسة قد اقنع
الكثير من السكان الطيبين والبسطاء، سواء أكانوا من الشيعة أم السنة، بانتخاب
هؤلاء الأشخاص الذين أساءوا للوطن والشعب العراقي وأوصلوه إلى الحالة الكارثية
التي هو فيها الآن. إنكم وبكل صراحة وشفافية وثقة تتحملون جزءاً أساسياً مما وصل
إليه الحال بالعراق وما استباحات داعش وقوى البعث الفاشي المسلحة المجرمة ومن لف
لفها سوى نتيجة منطقية للسياسات التي مارسها رئيس وزراء العراق الطائفي السياسي
بامتياز ومن معه من طائفيين من الشيعة والسنة والصراعات التي خاضوها بعيداً عن
مصالح الوطن والشعب.
إن دعوتكم إلى الجهاد ستشعل نيران حرب طائفية مدمرة،
خاصة وأنكم لم تتفقوا في الموقف مع شيوخ الدين السنة ولم تدعو إلى استقالة نوري
المالكي لكي تشكل حكومة إنقاذ وطني حتى يقتنع أتباع المذهب السني بأنكم تدافعون عن
مصالحهم أيضاً وليس مصالح القوى الحاكمة الشيعية التي اضطهدت السنة واستفردت بحكم
البلاد بلا حكمة ولا عقلانية بل بكل رعونة وعنجهية فارغة وفساد مالي واسع النطاق.
أنكم بهذه الدعوة ضيعتم فرصة توفير مستلزمات الدفاع
المشترك عن الوطن العراقي، إذ لم يأت رفض منح نوري المالكي تفويضاً بإعلان حالة
الطوارئ من قبل مجلس النواب من خلال الانسحاب من جلسة يوم الخميس المصادف
12/6/2014 سوى الإعلان الصارخ والعادل عن عدم ثقة هؤلاء به وبحكومته. وكان المفروض
أن تأخذوا هذه المسألة بنظر الاعتبار لا أن تستجيبوا لطلب هذا المستبد بأمره نوري
المالكي بإعلان الجهاد والتعبئة الشيعية وليس الوطنية العامة لأن المجرمين
القتلة من داعش وغيرهم قد هددوا باقتحام بغداد وكربلاء لأنهم ينوون تدمير المراقد
الشيعية الموقرة.
لإنني أحملكم مسؤولية ما سيحصل بالبلاد من كوارث وحرب
طائفية قاتلة ومدمرة للشعب والوطن ما لم تبادروا إلى تصحيح الموقف والدعوة، رغم
عدم رغبتي بتدخلكم في السياسة، إلا إنكم ولجتم هذا المجال من أوسع أبوابه المحرمة
دستورياً، من خلال الدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني لتوحيد الشعب كله، من حيث
القومية والدين والمذهب والفكر العقلاني والسياسة الحكيمة. إنكم بذلك تعلنون لجميع
أبناء وبنات الشعب العراقي بأن هذا يمكن أن يصحح المواقف الخاطئة السابقة ويوقف
نزيف الدم الذي بدأ واسعاً ومدمراً وسيتسع أكثر فأكثر ما لم تتخذ الإجراءات
الواقية والسريعة.
أرجوا أن تلعبوا، وقد بلغتم الرابعة والثمانين من عمركم
وأرجو لكم طول العمر، وبقية شيوخ الدين دوركم الاجتماعي في تجنيب البلاد حرباً
تشمل العراق كله ولن يبقى الشيعة أو السنة، في مأمن من هذه الحرب بل سيشملهم الموت
على أيدي المتحاربين من الطرفين. أرجو أن تحتكموا إلى العقل وحكمة الشيوخ الذين
خبروا الحياة ومشكلاتها وسبل معالجتها. أعملوا على إيقاف نزيف الدم لا إلى تسهيل
مهمة سفك المزيد من دماء أبناء وبنات العراق الحبيب. أعملوا لإقامة حكومة إنقاذ
وطني غير طائفية لتتعامل مع الجميع على قدم المساواة، أعملوا من أجل إنقاذ الشعب
والوطن لا سحقهما بالسلاح المدمر للجميع.
14/6/2014
رسالة مفتوحة جديدة إلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني المحترم/ الحوز الدينية بالنجف بتاريخ 17/09/2016
تحية واحترماً
لقد فكرت كثيراً قبل أن أوجه هذه الرسالة لجنابكم، ولكن شعرت، وللمرة الثالثة، بضرورة الكتابة لكم، لأنكم، من الناحيتين الدينية والاجتماعية، تتحملون مسؤولية كبيرة ورئيسية في مواجهة التدهور المتفاقم في الأوضاع المعقدة والمتشابكة والعسيرة التي يمر بها شعب العراق بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه الدينية والفلسفية والسياسية، ولما وصل إليه العراق في ظل قيادة الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية، (البيت الشيعي والتحالف الوطني) للحكم بالبلاد.
فلو عدنا إلى السنوات الأولى بعد إسقاط الدكتاتورية البعثية – الصدامية الغاشمة، لواجهتنا الحقيقة التالية: أنتم أول من زكى الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية ذات النهج الطائفي المقيت، بعد أن وضعهم المحتل الأمريكي-البريطاني في مقدمة المكونين لمجلس الحكم الانتقالي ورئاسة الوزراء الثانية، وأنتم من طلب من أتباع المذهب الشيعي بالعراق تأييدهم، وأنتم أول من دعوتم إلى انتخابهم في الانتخابات العامة لثلاث دورات انتخابية، 2006، 2010 و2014، وأنتم أول من عجل بسن الدستور الدائم الراهن، الذي يحمل بصمات طائفية وبعيدة عن روح المواطنة وحيادية الدولة ودستورها وسلطاتها الثلاث إزاء أبناء وبنات البلد الواحد، وأنتم أول من ساعد على تكريس النظام السياسي الطائفي بالبلاد. ولهذا فمسؤوليتكم كبيرة من جوانب ثلاثة:
الجانب الأول: تدخلكم كمرجعية دينية مذهبية شيعية بالسياسة، لا كمواطن عراقي له الحق في العمل السياسي، بل كمرجعية شيعية، في حين إن أغلب من تولى المرجعية الدينية في حوزة النجف لم يتدخل بالسياسة، ما عدا السيد محسن الحكيم، وكان أسوأ من قاد الحوزة الدينية بالعراق في فترة الستينيات من القرن الماضي، وأول من شارك في العمل والدعوة للتحالف مع الشيطان، حزب البعث والقوميين الشوفينيين لإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم، وبتأييد ودعم من شاه إيران حينذاك.
الجانب الثاني: أنكم سمحتم لهذه الأحزاب وقياداتها بالتصرف بالمال العام دون أن تتحدثوا وتدينوا دورهم في نهب المال العام، مال الشعب ودون أن تتصدوا فعلياً، وليس قولاً عبر وكلاؤكم بكربلاء والنجف، لهؤلاء الأشخاص الذين تصرفوا باسم الدين الإسلامي والمذهب الشيعي، واستندوا إلى تأييدكم لهم، وهم الذين تستروا بكم لنهب البلاد وسبي العباد!
الجانب الثالث: وعلى مدى سنوات تعرض بنات وأبناء الوطن الواحد، من مسيحيين ومندائيين وإيزيديين إلى أبشع الانتهاكات والتهديد بالقتل والتشريد والسطو على دورهم ومحلات عملهم وما يملكون من قبل المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة في الوسط والجنوب وبغداد قبل أن يتعرضوا لإجرام عصابات القاعدة ومن ثم داعش، دون أن يجري التنديد بهم والتصدي لهم وشجب سياسات الحكومة العراقية منذ العام 2005-حهى العام 2014م من جانب المرجعية الدينية في النجف أو من جانب المؤسسات الدينية السنية.
وفي العام 2014م، ولأول مرة وبعد خراب البصرة، اتخذتم موقفاً أخر، تميز بالوعي للمخاطر التي أصبحت تحيط بالبلاد، وبعد أن يَسّرَ رئيس الوزراء السابق، ومن معه من حزبه وقائمته وتحالفه الوطني، بسياساته الهوجاء وطائفية الجامحة والمقيتة، اجتياح الموصل ونينوى، وقبل ذاك الأنبار وصلاح الدين والحويجة وديالى. إذ ساعد موقفكم الجديد، مع الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة والمآسي والكوارث التي تعرض أهل نينوى بشكل خاص، وقبل صلاح الدين والأنبار وديالى، بتغيير رئيس الوزراء المستبد بأمره وجيء برئيس وزراء جديد من نفس الحزب والقائمة والتحالف الوطني، الذي لم ينفذ ما وعد به من تخلي عن الطائفية السياسية ومحاصصاتها المذلة للشعب العراقي ومن إصلاحات وتغيير فعلي في الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالبلاد. لقد وعدكم ووعد الشعب والحراك اشعبي وأخلف الوعد وواصل السير على سياسة سلفه في أغلب الأمور، فيما عدا موضوع الحرب ضد داعش، والذي تلعب القوات المسلحة العراقية والپيشمرگة دوراً هاماً في ذلك، وبدعم من القوات الجوية الأمريكية وغيرها.
إن دعوتكم للجهاد باعتباره “فرض كفاية” لعب دوراً في تطوع الكثير من المؤمنين المخلصين لشعبهم، ولكنه فسح في المجال في الوقت ذاته للميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة، التي ارتكبت الكثير من الجرائم وخاضت المعارك ضد الميليشيات الطائفية السنية المسلحة ومارست معها عمليات القتل على الهوية، إضافة إلى ممارساتها ضد المسيحيين والصابئة المندائيين وغيرهم، والتي تأتمر بأوامر السيد علي الخامنئي مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، أن تسيطر على “الحشد الشعبي” ووضعه تحت قيادتها، وخاصة تحت قيادة شخصيات سياسية عسكرية إيرانية وأخرى عراقية بانحياز إيراني. وهنا سيواجه المجتمع العراقي مشكلة أكبر تعقيداً حتى من وجود داعش، الذي سيقتلع قطعاً، مشكلة مع الميليشيات الطائفية المسلحة المنتمية إلى الحشد الشعبي، بعد التحرير مباشرة، لأنها ملغومة بعناصر طائفية كارهة للآخر وانتقامية لم تع ولم تتعلم من دروس التاريخ حتى الآن، ويبدو أنها لا تريد أن تتعلم ايضاً. وهي تتصرف بالضبط بنفس الذهنية الطائفية لرئيس الوزراء السابق الذي تحدث من مدينة كربلاء حين روج مدعياً استمرار الصراع بين أنصار الحسين وأتباع يزيد! وكان تحريضاً مكشوفاً ضد أبناء الشعب من السنة، على وفق الموروث الشعبي الخاطئ السائد بين الأوساط الشيعية ذات الوعي المزيف والمشوه.
السيد السيستاني المحترم، أنتم أدرى مني بأن الأجهزة الأمنية والحرس الثوري الإيراني يهيمنان على مواقع حساسة في بنية المئات من الحسينيات والجوامع المقامة بالعراق، وكذلك في جامعة المصطفى، التي صرف على كل ذلك مئات الملايين من الدولارات الأمريكية، والتي أنيطت بها مهمات لا تخدم استقلال العراق وسيادته، بل تساهم في تحويله إلى مستعمرة خاضعة خانعة للحكام بإيران، وإلى تجهيل الشعب بنشر الخرافات والأساطير واللطم والتطبير وضرب الزناجيل (السلاسل المعدنية) عبر المعممين الفارغين من العلم والمعرفة، والتي نادراً ما تمارس بإيران. ويفترض أن لا تقبلوا بذلك في كل الأحوال. إنهم لا يساهمون في تنوير الشعب دينياً واجتماعياً، بل العكس من ذلك، وهي كارثة إضافية يصاب بها العراق. لقد أصبح العراق تدريجاً ساحة للصراع بين السعودية وقطر وتركيا من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى!
وعلى وفق قناعتي فأنكم كمسؤول عن أعلى مرجعية بالنجف، ومعكم بقية المرجعيات الشيعية، والمؤسسات الدينية السنية، تتحملون مهمة إصلاح ما خرب دينياً واجتماعياً وسياسياً، برفع التأييد عن هذه الأحزاب والجماعات والشخصيات الفاسدة التي أبتلي بها العراق وفي غفلة من الزمن كما ابتلى قبل ذاك بالبعثيين والقوميين الشوفينيين والطائفيين، والدعوة المركزة والمستمر على إقامة دولة مدنية علمانية تلتزم بمبدأ أساس هو “الدين لله والوطن للجميع”. إن تأثير المرجعية الدينية الشيعية والمؤسسات الدينية السنية البارز على أتباعهما المؤمنين يفترض أن يتوجه صوب تأكيد الحرص على الوطن والالتزام بمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية، وبعيداً عن التمييز القومي والديني والمذهبي، وبذلك تقدمون خدمة للوطن والمواطن، رجلاً كان أم امرأة. فهل أنتم فاعلون؟ هذا ما أتمناه، وارجو ألا أكون ممن يمكن أن يطلق عليهم القول، “التمني رأس مال المفلس!”.
إن هذه الرسالة موجهة لسماحتكم، ولكنها موجهة في الوقت عينه إلى كل أبناء وبنات الشعب العراقي ليدركوا الوضع الذي أوصلتهم إليه الطائفية السياسية ومحاصصاتها المذلة والابتعاد الاستبدادي عن مصالح الشعب وحقوقه وحرياته!
د. كاظم حبيب
في 17/09/2016
رسالة مفتوحة إلى سماحة آية الله العظمى السيد على السيستاني المحترم/ الحوزة الدينية بالنجف
بتاريخ 08/04/2018
تحية طيبة،
وبعد، كُنتُ قد وجهت في السنين المنصرمة أكثر من رسالة إلى جنابكم حول عدد من الأمور التي تمس المجتمع العراقي بالصميم، ومنها ما يمس أتباع الدين الإسلامي والمذهب الشيعي أو ما تعرض له أتباع الديانات الأخرى بالعراق وفي ظل حكومات تترأسها وتقودها أحزاب إسلامية سياسية حظيت بتأييدكم وبركاتكم. ولم احظ بجواب منكم. وكان من المفترض، وأنتم في المقام الديني الرفيع، أن تجيبوا على رسائلي ذات المضامين غير الشخصية والتي تمس الشأن العراقي الديني والاجتماعي العام مباشرة. ومع ذلك فأن من فوائد رسائلي المفتوحة أنها تُقرأ من عدد كبير من القارئات والقراء بالعراق وبدول عربية أخرى وحيثما وجد قراء بالعربية. إذ إن لها بعداً تنويرياً يعالج العيوب التي يعاني منها المجتمع والتي لا تجد أذاناً صاغية لدى الغالبية العظمى من شيوخ الدين بالعراق، لأن عدداً كبيراً منهم منشغل بأكتناز وتكديس الأموال والتعاون مع جمهرة من سياسيي الصدفة من رجال الدين والأحزاب الإسلامية السياسية. وفي الغالب الأعم، فأن هذه الأموال هي من السحت الحرام، إضافة إلى العقارات ودور السكن التي احتلوها وسكنوا فيها أو حولوها إلى مراكز لعملهم الحزبي و”الديني!”. وهذا ليس ادعاءً أهوجاً أو غير مسؤول من جانبي، بل هو التعبير الصارخ عن حقيقة دامغة تحدثَ البعض من وكلائكم عنها، ومنهم الشيخ عبد المهدي الكربلائي. ولم يهتف الشعب عبثاً أو رغبة في الإساءة إلى أحد، حين قالوا “باسم الدين باگونه الحراميه”، وباسم الله هتكونة الشلايتيه”!!، بل كان هذا الشعار المزدوج واقعاً يعيشه الناس يومياً وفي كل شبر من أرض الدولة العراقية دون استثناء. ومن هؤلاء من أصبح رئيساً للوزراء ووزراء وحكام …إلخ.
السيد المحترم
لقد تدخلتم، وما زلتم، بالسياسة من أوسع أبوابها، وهي ليست من صلب مهمات موقعكم ومركزكم الديني، وتسببتم بوصول أشخاص وأحزاب سياسية إسلامية طائفية مريضة بكراهية الشعب والفساد والرغبة في إيذاء أوسع دائرة ممكنة من الناس، ولاسيما أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، وتسببتم في هيمنتهم على سلطات الدولة الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضاء، ودعمتم أسوأ هذه الشخصيات التي تسببت بمآسي وكوارث العراق خلال السنوات الـ 15 المنصرمة، التي سرقت وسهلت نهب أموال الشعب وقوته اليومي ، كما سلَّمَتْ، بعدوانيتها وطائفيتها المقيتة، مدينة الموصل وسهل نينوى، وكل محافظة نينوى، ومحافظات غرب العراق، إلى المحتل الدموي، تنظيم داعش المجرم، والذي أدى إلى موت مئات الآلاف من أبناء وبنات العراق ومن كل الأعمار وإلى جرائم الإبادة الجماعية.
ومن موقع المسؤولية الدينية التي في أيديكم وعنقكم لم تقفوا بوجه البدع الدخيلة على الإسلام التي تمارس سنوياً في عشرة عاشوراء أو أربعينية الشهيد الحسين وصحبه الكرام، ولا في المناسبات الأخرى التي أصبحت تشمل ثلثي أيام العمل بالعراق. كما لم تساهموا في مساعدة فقراء العراق من خلال تبيان رأيكم الديني، وليس السياسي، في واقع الفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء، بين “بحبوحة” شيوخ الدين ومعممي السياسة من جهة، والعوز الشديد الذي يلف نسبة عالية جداً من سكان العراق من جهة أخرى.
لا أدعوكم هنا إلى التدخل في السياسة أبداً، أو الوقوف إلى جانب هذا وضد ذاك، بل أدعوكم إلى الالتزام بمهامكم الدينية، تلك التي تخليتم عن الكثير منها منذ سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة وقيام النظام السياسي الطائفي المقيت على أنقاضه، وتدخلتم في مهمات ليست ضمن واجباتكم الدينية، من خلال:
** عدم التدخل في السياسة والالتزام بمبدأ الفصل بين الدين والسياسة، وبين الدين والدولة، وهو مبدأ لصالح الدين وأتباعه، ولصالح الدولة ومواطناتها ومواطنيها في آن واحد.
** أن توجهوا أنظاركم وجهودكم صوب الدفاع الديني عن الإنسان، أياً كان، دينه أو مذهبه، قوميته أو لغته أو جنسه، أي الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، الذين تعرضوا للعسف والاضطهاد والقتل على الهوية والسبي والاغتصاب وبيع النساء الإيزيديات في سوق النخاسة الإسلامي وممارسة العبودية بحق الإنسان غير المسلم!!!
** أن تلعبوا دوركم الديني في الاستعداد الفعلي للكشف دون رحمة عن الذين استخدموا وما زالوا يستخدمون الدين للخديعة والكذب وتشويه العقول وسرقة المال العام، سواء أكانوا من شيوخ الدين، أم من العاملين في الأحزاب الإسلامية السياسية وفي السلطة، لأنهم باسم الدين يمارسون كل ذلك.
** أن تساهموا من موقعكم الديني في الدفاع عن الأيتام والأرامل والمعوقين من ذوي الحاجات الخاصة، والابتعاد عن الدفاع عن كل مَن ارتدى العمامة، لكن جيوبه مليئة بالسحت الحرام، فهؤلاء ذئاب وليسوا بشراً. وكم كان أبن النجف الشاعر محمد صالح بحر العلوم محقاً حين قال وهو يخاطب تلك الذئاب بالذات:
يا ذئاباً فتكت بالناس ألاف القرون
اتركيني أنا والدين فما أنت وديني
أمن الله قد استحصلت صكاً في شؤوني
وكتاب الله في الجامع يشكو
اين حقي!
** أن تقوموا بتوزيع الأموال التي في حوزتكم، ولاسيما الخمس، لإعمار العراق، ومنها إقامة بيوت للأرامل والفقراء ودور حضانة ومدارس لليتامى من الأطفال، بدلاً من توجيه تلك الأموال إلى بناء ما يشاء ويريد حكام إيران، على حسب ما قرأته في موقعكم على الإنترنت، وما يتحدث به اقرانكم.
** إن تبحثوا مع شيوخ الدين بإيران ليتخلوا حقاً وصدقاً عن التدخل الفظ في الشأن الديني العراقي، وأن يكفوا عن تصدير الجمعيات والبدع التي تشوه الدين والمذهب بالعراق، في حين لا يمارس كل ذلك بإيران.
** أن تطلبوا من إيران الكف عن تمويل المليشيات الطائفية المسلحة بالأموال والسلاح والعتاد والخبراء والقياديين والجواسيس الذي يتولون العمل في الحشد الشعبي برموزه المعروفة التي لا تلتزم بالإرادة العراقية، بل بإرادة المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، وهو ما يصرح به أغلب قادة المليشيات الطائفية المسلحة. إن هذه المهمة واحدة من مهماتكم وواجباتكم الدينية وليس السياسية.
** ومن واجبكم الديني والاجتماعي أن تمنعوا شيوخ الدين من وكلائكم أو غيرهم، من شتم المدنيين والديمقراطيين والشيوعيين والإساءة لسمعتهم باسم الدين وباسمكم وبأسماء مراجع دينية أخرى بالنجف. لأنهم بذلك يسيئون بقصد التشويه إلى أناس شرفاء لم تتدنس أيديهم بالسحت الحرام أو خطايا الكذب والتزوير والتهريب والقتل.. إلخ. وهو ما يعرفه الإنسان العراقي جيداً.
** كم أتمنى عليكم أن تمنعوا رفع صور شيوخ الدين الإيرانيين والعراقيين في الساحات العامة وفي الدعآية الانتخابية مستثمرين بساطة الناس لتشويه إرادة العراقيات والعراقيين باسم الدين وباسمكم.
** من واجبكم الديني، وليس السياسي، تحريم الرشوة وشراء وبيع أصوات الناخبين أو ممارسة التزوير والغيبة لأنها كلها مخالفات تتناقض ما هو ملزم ومطلوب من المسلم والمسلمة عموماً، فـ “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده!”.
** ومطلوب منكم أن تحرموا مثلاً شراء أعضاء من جسم الإنسان، ولاسيما الأطفال، بسبب حاجة العائلات للمال، أو عهر الأطفال من الذكور والإناث الذي أصبح تجارة رابحة بالعراق، أو تصدير المخدرات من افغانستان وإيران إلى العراق وتدمير صحة أطفال وشباب العراق، والتي أصبح موسم الزيارات الحسينية أحد الأبواب المهمة في تهريب المخدرات إلى العراق!
لديّ، سماحة السيد، قائمة طويلة بما هو مطلوب منكم باعتباركم تحتلون الموقع الأهم والأول بين مراتب شيوخ الدين الشيعية بالعراق، إذ يمكن أن يُسمع صوتكم الديني من قبل المسلمات والمسلمين الشيعة بجانبه الديني وليس السياسي. فما ذكرته في أعلاه يعتبر جملة من المجالات التي يمكنكم أن تخدموا الإنسان العراقي والحياة الدينية والاجتماعية العراقية، وأن تدعوا للتآخي بين اتباع جميع الديانات والمذاهب بالعراق وتحرموا الصراع والنزاع الديني والمذهبي والقومي، فقد سالت بالعراق دماء ودموع كثيرة وكثيرة جداً لا طاقة لهذا الشعب في تحمل المزيد منها، والظلم، كما تعرفون، إن دام دمّر. لم يكن البعثيون وحدهم من تسبب بسيول الدماء في الحروب وفي الاستبداد، بل الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية بميلشياتها الطائفية المسلحة وسياساتها التي مزقت النسيج الوطني العراق أكثر فأكثر.
ارجو لكم الصحة والعمر المديد للقيام بالواجبات الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتقكم، على حسب اجتهادي وقناعتي.
مع خالص التقدير
د. كاظم حبيب
في 08/04/2018