لوركا … الشهيد البريء في الحرب الأهلية
فيدريكو غارسيا لوركا : 1898 – 1936 : ولد في قرية فرينته باكيروس القريبة من غرناطة لأب ثري وأم متعلمة ومن الغريب أن هذا الشاعر لم يستطع النطق حتى الثالثة من عمره ولم يستطع المشي حتى الرابعة.
في سن السابعة بدأ الدراسة وتعلم الموسيقى، وفي عام 1923 أكمل دراسة الليسانس في القانون من جامعة غرناطة.
رحل إلى العاصمة مدريد وهناك بدأ يلفت الأنظار إليه، وعقدت صلات الصداقة مع أبرز شعراء وفناني أسبانيا كالشاعر العظيم خوان رامون خيمينث الذي حصل على جائزة نوبل فيما بعد، مع الرسام سلفادور دالي، والشاعر اليساري رفائيل البرتي والشاعر أنطونيو متشادو.
نشر ديوانه الأول “الأغاني” عام 1927 وحاول تعلم الإنكليزية فلم يفلح، إلا أنه كتب قصائد عظيمة منها، “قصيدة إلى ملك هارلم”، و”ليلية جسر بروكلين” وأقام في جامعة كولومبيا حيث كان يلقي الشعر والأغاني الأسبانية ومحاضرات منها محاضرته المشهورة “الخيال والإلهام والقرار” ، ثم محاضرته “أغاني المهد في الشعر الأسباني”. وفي نيويورك كتب العديد من قصائده التي ستؤلف ديوانه الثالث “شاعر في نيويورك” كما كتب هناك الجزء الأعظم من مسرحيته “الإسكافية العجيبة” .
ثم رحل إلى كوبا لإلقاء محاضرات في المعهد الثقافي الأسباني، وأمضى هناك شهوراَ سعيدة وكتب فصول من مسرحيته ” لما تمضي الخمس سنوات” و “الجمهور ” ثم عاد لوركا إلى أسبانيا عام 1933 ثم عرضت مسرحيته “عرس الدم” التي بفضلها وبها غدا الشاعر الأكبر للمسرح.
وفي نهاية عام 1933 سافر إلى الأرجنتين حيث لاقت مسرحياته نجاحاً منقطع النظير. وفي عام 1936 وهي آخر سنوات عمره القصير، فرغ من تأليف مسرحيته “بيت برنارد البا” وأعد مسرحية جديدة هي “تدمير سادوم” .
في الرابع عشر من تموز /1936 يعود لوركا من مدريد إلى غرناطة ليحل في دار ذويه، في العشرين منه، يصل التمرد إلى غرناطة يعتقد لوركا بادئ الأمر، أن استقلاله السياسي سيجنبه وحشية الصراع. يسيطر الفاشست على المدينة و يبدؤون حملات التصفية ليس ضد خصومهم السياسيين فحسب، بل وكل من يشتبه بتعاطفه مع الجمهورية.
كان لوركا كان يعتقد أن ملكية أسبانيا غير خاضعة للأبتزاز والتصفية، وكان يظن أن عدم انغماسه في السياسة ستنجيه، كان يتصور أنه أغنية أسبانية لا تصادر … كان لوركا بريئاً… بريئاً كطفل ..!
في شهر أب وصلت الفاشية إلى بيتهن إلى بيت ذويه، أدرك لوركا خطورة الموقف، ولكن بعد فوات الأوان، كان قد غدا حبيس غرناطة .. يذهب إلى بيت صديق له ينتمي إلى حزب الكتائب .. وفي اليوم التالي 18 / آب / 1936 يأتي فاشيون، ويأخذونه إلى بستان ويطلقون عليه النار، هكذا أعدم شاعر أسبانيا العظيم. وكان لمصرعه دوي في العالم.
الفاشيون والدكتاتوريون والطغاة يكرهون الأذكياء والعباقرة، فهم يشكلون أرقاً وأزمة نفسية لا حل لها فقد قال برنارد شو مرة :” لا يعرف الأذكياء أي ذعر يوقعونه في صفوف الأغبياء”..
وكان لوركا قد تنبأ بموته بل وإعدامه، وقد وضعنا أحدى قصائده التي يتنبأ فيها بإعدامه في صدر الفصل الثاني، وهنا نقدم قصيدة أخرى من روائعه : ـ
عندما أموت مع قيثارتي أدفنوني
عندما أموت
أدفنوني مع قيثارتي
تحت الرمال عندما أموت
بين البرتقال
والنعنع
عندما أموت
أدفنوني إن شئتم
في مهب الريح
عندما أموت
خلوا الشرفة مفتوحة
الطفل يأكل البرتقال
من شرفتي أراه
الفلاح يحصد القمح
من شرفتي أحس به
إن مت
خلوا الشرفة مفتوحة …..
ليس بالضرورة أن يدرك ذلك حتى الشاعر الذي كتبها .. الشاعر تفيض روحه بأشياء لا يعرف كنهها بالضبط، فيخرج قلماً أو سكيناً .. فيكتب … يكتب ما تجيش به روحه من معاناة وعذابات …. وكذلك يفعل رسام سوريالي … وكتاب يعيشون معاناة خاصة تستحق القراءة والتفكير لأنها إرهاصات كتاب على درجة عالية من الثقافة والقدرة على التعبير بما يدور في دواخلهم .. الكاتب والفنان الحقيقي يجد خلاصه في عمل فني يجسد التجربة، هي تجربة الإنسان حين يواجه آفاق … بل قل أفلاك مجهولة، وهو مجرد إنسان، مالم يشحن فكره فسيكون ضعيفاً للغاية بمواجهة الكون وتحدياته ..
أما إذا ذهبنا إلى الأساطير، فإننا سنجد الكثير جداً مما يستحق القراءة ومشاهد كم كبير جداً من اللوحات من الرسم والنحت والأعمال الشعرية … كم هائل … يا إلهي كم البشرية ثرية … ولكن البشر لا يتعظون ….ألاف من التجارب وبعضها كبير ومدو .. والنتائج هائلة .. لكن من يتعظ قليل، أو نادر … رفوف المكتبات مليئة بالكتب النفيسة، ولكن القليل من الناس يقرأون .. يا للأسف ..
اقرأ ……اقرأ ….. فكر ……