يوهان فولفغانغ غوتة
ولد شاعر وأديب ألمانيا الكبير يوهان فوفغانغ غوتة (Johan Wolfgang Goethe) في مدينة فرانكفورت / على نهر الماين عام 1749. وكان والده مواطناً متعلماً وثرياً، وجعل أبنه يدرس القانون في جامعتي لايبزغ وشتراسبورغ. وسرعان ما ظهرت على الشاب فولفغانغ ملامح العبقرية، وعندما بلغ الخامسة والعشرون من العمر أشتهر عندما نشر روايته ” ألام الشاب فيرتر ” ليس في وطنه ألمانيا، بل وفي عموم القارة الأوربية.
تقدم أحد الأمراء الصغار (يوم كانت ألمانيا مقسمة إلى إمارات كثيرة)، الأمير الشاب كارل أوغست، بدعوة غوتة إلى بلاطه، في مدينة فايمر (جنوب شرق ألمانيا) وبقي هناك حتى وفاته عام 1832، عن عمر 81 عاماً، وهناك أصبح أيضاً وزير إمارة فايمر للمناجم، ثم وزيراً للمالية والغابات. ومع أنه عمل بهذه الوظائف بجدية وكفاءة ونجاح، إلا أنه كان يجد الوقت والقوة لكتابة أجمل القصائد، كما نجح بتكوين محيط يضم من الأصدقاء والشخصيات الثقافية في هذه المدينة الصغيرة في ولاية تورنغن، كان من بينهم أحد أعظم الشعراء الألمان قاطبة : فردريك شيللر.
وكتابات غوتة التي بلغت عدة مئات من المجلدات، وفيها كتابات في العلوم الطبيعية بروح عالمية، فروحه المتقدة وعقله الثري ولغته الرائعة جعلت من أعماله خالدة لا تموت. ويصفه المؤرخون الألمان” غوته بروحه العالمية، وضميره العالي، وقلبه العامر بالمشاعر يكتب بلغة نبيلة تمنح أعماله صفة مميزة في مستوى رقيها.
في مسرحيته فاوست (Faust) التي يرى الألمان فيها الدراما القومية. بطلها هو فاوست : الأستاذ المعلم / الدكتور الذي درس كل العلوم، ونال المجد والشرف، ولكن روحه بالرغم من ذلك لم تجد الطمأنينة، لأنه لم يكتشف جوهر الحواس والمعنى والمغزى فيما يعمل، وهنا التقي الشيطان مافيستو (Mephisto) الذي عرض عليه أن يقدم له خدماته مقابل أن يربح روحه. وقبل فاوست في عقد التحالف الشيطان مافيستو : إذا استطاع الشيطان أن ينجح في مساعيه، سيمنحه فاوست نفسه.
وفاوست هي مسرحية تراجيدية، في فصلين نشرت للمرة الأولى عام 1808 ولكن يصعب تقدير المرات التي نشرت فيها المسرحية، واللغات في العالم. في المسرحية عرج فيها غوته على قضايا علم النفس والسياسة والتاريخ، بالإضافة إلى الموضوعات الفلسفية / الصوفية.
وفاوست في الأصل هي خرافة أو أسطورة قديمة يردها بعض المؤرخين إلى ما قبل غزو النورمان لإنكلترا، وهي موضوعة كان قد تناولها العديد من الكتاب كالشاعر البريطاني كريستوفر مالرو، والشاعر الفرنسي روتييف، والكاتب الألماني غوتهلد إفرايم لسنغ. وهي تدور عن شخص ورث عن عمه أموالاً، وكان قد تعلم الكثير من العلوم، ولكنه أصيب بيأس وخيبة أن تلك العلوم لا تنفعه اليوم (وهي فكرة مطروقة في أعمال أدبية كثيرة) بعد أن أمضى شبابه في تعلمها، دون أن يصرفها في اللهو والمتع.
وهنا، عندما تضيع روحه ولا تعرف سبيلاً، ويحيط به اليأس والندم، وهو يرى أن نهايته تدنو منه، يظهر الشيطان مافيستو، ويعرض عليه صفقة أن يمنحه خمسة وعشرون عاماً من شبابه مقابل أن يمنحه روحه وجسده، وبدا أن العرض كان مجزياً لفاوست، أن يستعيد شبابه، ولكن مقابل أن يستخدم الشيطان جسده في الموبقات والمفاسد، والقتل والفحش وإتيان الرذائل … بموجب الاتفاقية كان بوسع فاوست أن يحيا الحياة بعرضها وطولها، وأن يتمتع كما يشتهي. وحقاً بمساعدة الشيطان مافيستو استطاع فاوست أن يغوي فتاة يونانية جميلة ونقية ومن عائلة جيدة. ولكن المغامرة لم يكن لها أن تنتهي نهاية سعيدة. فاليونانيين قتلوا الطفل السفاح (ثمرة العلاقة) الذي وضعته الفتاة، ولكنها امتنعت أن تهرب مع فاوست، ورضخت أمام المحكمة لذلك فقد أنقذتها الرحمة بسبب الطاعة وطلب الغفران، من عقوبة الموت.
طاف فاوست مع مافيستو في بلدان اخرى، وعاش اوقاتاً وأحداثاً جديدة دائماً ومغامرات مثيرة جداً. وفي بلاط الملوك تعرف فاوست على السياسة، وهناك اخترع مافيستو العملة الورقية من أجل إنقاذ اقتصاد البلاد ثم ارتبط فاوست في اليونان القديمة مع هيلينا الجميلة، رمز الفن ولكنه حتى في هذه العلاقة لم يجد الطمأنينة التامة. وهنا يصطدم العالم فاوست والشيطان مافيستو حين يبالغ مافيستو في الفحش بلا حدود، فيما أهتدي فاوست بعاطفته لسيدة وقع في عشقها.، ويتمكن فاوست ببقايا روحه الإنسانية أن يرفض عرض مافيستو الداعر الذي يقدم له نساء جميلات، ففي النهاية يستعيد مافيستو ذاته وأن يربح نفسه برفض العروض الشيطانية.
عاد فاوست إلى عام الحقيقة، وأيقن أن الحياة عمل ومنجزات،وأن كنهة الحياة هي العمل والإنجاز، وهكذا أصبح رجلا عملياً وبدأ يبني السدود على ضفة البحر، من أجل أن يكسب أراض جديدة وهذا العمل جلب له أخيراً الأطمئنان رغم أن الهواجس القديمة لفاوست كانت قد جعلت منه أعمى شهواته، ولكنه رأي أخيراً هدفه الحقيقي : هو خلق وطن حر جديد يعيش فيه شعب حر يصنعون كل يوماً ما هو جديد في عمل وحياة مشتركة، وعندما نجح في هذا المسعى أحس أنه بلغ هدفه ومبتغاه، وأنه نال الاطمئنان والسعادة أخيراً.
وبهذه الأفكار يكتب فاوست: لأن مساعيه لم تكن تخص أحداً، لم يستطع الشيطان أن يستولي على روحه والملائكة حملته إلى السماء. ومسرحية “فاوست” تدور في جوهرها عن سعي الدكتور فاوست في اكتشاف الجوهر الحقيقي للحواس وللحياة، وهو ما قاده للتحالف مع الشيطان من أجل أهدافه، على أن يبلغ الشيطان مافيستو بالدكتور فاوست إلى ذروة السعادة، وهو ما لم يحدث بصفة تامة. والدكتور فاوست أكتشف ذلك قبل أن يضيع بصفة تامة … فأنقذ نفسه بنفسه ..!