باريس/ بيدر:
للأيام 13ـ 15سبتمبر/ أيلول 2019، عاشت العاصمة الفرنسية باريس عيدها المنتظر كل عام، حيث يأتي محملاً بالفرح ونشوة اللقاء. فهو المهرجان السنوي لصحيفة اللومانتيه (ألإنسانية)، صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي، لكنه غدا عيدا أممياً للأحرار من أجل غدٍ أفضل وأكثر عدالة للإنسانية في العالم أجمع.
هنا في حدائق لابورجيه، إحدى ضواحي باريس الجميلة، الملتقى الأممي وزواره من شتى أنحاء العالم، يمثلون شعوباً وأحزابا ومنظمات ومؤسسات إعلامية وغيرها.
اللومانتيه “الإنسانية” هي الصحيفة الناطقة بأسم الحزب الشيوعي الفرنسي والتي صدرت منذ عام 1930م، ومنها كان انطلاق أول مهرجان للومانتيه حتى اليوم، حيث يأتي العيد وهو بأفضل حلّة.
وكان الحزب الشيوعي العراقي ولجريدته طريق الشعب مساهمة في المهرجان منذ العام 1968، وعاما بعد عام والخيمة تجذب المزيد من الزوار العراقيين والعرب والأجانب، لفعالياتها المنوعة.
ورغم ما يخيم على الأجواء هذا العام بعض الحزن لفقدان رفيقين عزيزين. هما، أسماعيل السامرائي وصباح الحويزاوي، كانا من العاملين في الخيمة لسنوات طوال وتركا أثراً طيباً وذكريات جميلة، وكذلك مؤخرا فقدان الأديب ابراهيم الخياط الذي كان من المقرر حضوره المهرجان، لكن العمل في الخيمة أستمر مبهجاً.
بدأت فعالية الخميس 12 ايلول، بلقاء مع ممثلي قيادة الحزب، سبقتها كلمة ترحيبية قدمها الرفيق محمد الكيم وبعد الترحيب بالحضور الذين قدموا من العديد من الدول، قام الرفيق فؤاد الصفار ممثل منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فرنسا بتقديم الرفيقين طلعت كريم وعمار البياتي عضوي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، اللذين تحدثا عن آخر مستجدات الوضع السياسي في العراق وما يمر به من ظروف معقدة، وأزمة الحكومة وضعف الخدمات للمواطنين والفساد المستشري في مفاصل الدولة، والتحالفات السياسية، وموقف تحالف سائرون مما يجري في الساحة السياسية، كما تناولا تشكيل الحكومة وما رافقها من معوقات لا زالت مستمرة بسبب تمترس القوى المتنفذة بأساليبها وفرض سياسة المحاصصة ليبقى الفساد والفاسدين في أمان، وأشارا الى الأمور الإيجابية ولابد من التغيير لصالح الشعب، والنهوض بالخدمات وتوفير فرص العمل فيما لو فسح المجال لاستخدام الأموال المخصصة في الميزانية لتستخدم بشكلها الصحيح بدون يد الفساد لوفرت فرص عمل لقطاعات واسعة كالبناء والإعمار وغيرها من القطاعات الأخرى. بعدها فسح المجال للمداخلات والأسئلة من قبل الحضور حيث أجاب عنها الرفيقان، وكان الحوار مثمراً وأيجابيا لتوضيح وجهات النظر خصوصا فيما يتعلق بمستقبل التحالفات السياسية وعمل حزبنا الجماهيري والوطني.
في اليوم الأول وكالعادة بدأت مدينة المهرجان وشوارعها تكتظ بالزوار، وخصوصا من الشباب، وكانت خيمتنا منذ الصباح محط حركة دؤوبة ونشاط للتهيئة لأستقبال الضيوف ولبدأ الفعاليات. وعند منتصف النهار بدأت أولى الفعاليات بجلسة أستذكارية للفقيد ابراهيم الخياط الأمين العام لأتحاد الأدباء والكتاب في العراق، قدمها الرفيقان رشاد الشلاه وداود أمين، تم خلالها أستعراض حياة الفقيد الإبداعية والسياسية، وقرأت كلمات التعزية للفقيد من الاعلام المركزي للحزب ومن الأتحاد ورئاسات البرلمان والحكومة ورئيس الدولة ورئيس حكومة كردستان ووزير الثقافة، وغيرها من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، كما ساهم الرفيق طه رشيد بتقديم فقرة عن الفقيد.
بعدها بدأت الفعاليات الفنية، حيث قدم الفنانان علي المشاري وعلي عيسى عدة مقطوعات موسيقية جميلة وعدة أغاني من التراث العراقي، كما تم تقديم عرض للأزياء من تصميم المبدع زياد العذاري القادم من البصرة، بمصاحبة علي المشاري على العود وعلي عيسى على الايقاعات وساهم في تقديم الأزياء مجموعة من الزميلات وبأسلوب فني مع أنغام الموسيقى التراثية.
وكان لفرقة بابل الفنية القادمة من الدنمارك مساهمتها المتميزة وللعام الثالث على التوالي وصلتين غنائية في هذا اليوم واليوم الذي تلاه، حيث أنعشت الأجواء وتفاعل معها الحضور من داخل وخارج الخيمة.
ولأول مرة يشارك رفيقاتنا ورفاقنا من الحزب الشيوعي الكردستاني في الخيمة من خلال تواجدهم الفعال والمساهمة في النشاطات الفنية والدبكة الكردية. فتحية لهم ونأمل مساهمات أوسع في السنوات القادمة
وخلال اليوم أستمرت الدبكات والرقصات العربية والكردية أمام الخيمة، وأندمج الجميع بفرح غامر.
يوم السبت وهو ذروة أيام المهرجان، كانت الخيمة مكتظة بالفعاليات بدأت بمداخلة حول الاقتصاد الريعي في العراق قدمها الرفيق عادل شبيب عضو لجنة الاعلام المركزية لحزبنا، حيث تناول خصائص الاقتصاد الريعي، ومظاهره وسلبياته وعلاقته مع الديمقراطية خصوصا في الدول الريعية التي تعتمد بشكل كبير على عائدات البترول أو الثروات الطبيعية الأخرى.
بعدها كانت هنالك مداخلة أخرى عن الفقيد الكاتب محي الدين زنكنه قدمها الزميل عبد الكريم الدهلكي قدمه الرفيق رشيد غويلب، تناول فيها نتاج وحياة الكاتب وإبداعه الثري.
أعتادت الخيمة أن تحتفل وتكرم كل عام أحد المبدعين، وهذا العام كان مخصصاً للأحتفاء بالفنان المبدع صلاح جياد والذي يعتبر أحد أعمدة خيمة طريق الشعب في اللومانتيه لسنواتٍ طويلة، فهو الذي يخطط ويرسم ويطرز خلفية المنصة وشعار الخيمة وتصميمها بأنامله، ويبقى طيلة أيام المهرجان مساهماً بجميع فعالياتها، يمنح الجميع الدفء بهدوءه وحبه ولطفه، لكنه اليوم يرقد في المستشفى بسبب وضعه الصحي، قدم الجلسة التكريمية الرفيق رشاد الشلاه وساهم فيها كل من الفنانان التشكيليان فيصل لعيبي وغسان فيضي والكاتب جبار ياسين، تناول الجميع سيرة صلاح جياد الفنية والإبداعية والنضالية وما أمتاز به من سمات شخصية وتفرده بالرسم وتميزه بأسلوب أكاديمي خاص به، وهو من جيل تربى وتتلمذ فنيا مع جيل الرواد، وتمنى الجميع له سرعة الشفاء والعودة لإبداعه.
وقدمت الشاعرة أروى السامرائي القادمة من كندا بعض قصائدها، كما ساهمت الفرقة الفلسطينية كالعادة بتقديم العديد من الدبكات والأغاني الفلسطينية الفولكلورية وكانت محط أعجاب الحضور.
أما فرقة بابل فقدمت من جديد أغانيها الجميلة، التي أستمرت لساعات طوال مع الفرح والبهجة والرقص من قبل الحضور والضيوف من خارج الخيمة.
مسيرة لرابطة المرأة العراقية في مهرجان اللومانتيه
بعد الساعة السادسة من عصر السبت أنطلقت المسيرة النسائية التي نظمتها رابطة المرأة العراقية في مهرجان اللومانتيه، من أمام خيمة طريق الشعب حيث ساهمت فيها العديد من الصديقات بأزياء شعبنا العراقي المنوعة والزاهية الألوان، وطافت أرجاء المهرجان، وهي ترفع شعارات تطالب بالدولة المدنية وبالمساواة وحرية التعبير وحرية المرأة وضمان الحياة الحرة الكريمة لها. وكانت فعالية نوعية تم نقلها وتصويرها من عدة اعلاميين أجانب.
الفعاليات السياسية لقادة حزبنا في مهرجان اللومانتيه
يعتبر مهرجان اللومانتيه مجالاً مهما للقاءات السياسية ولتبادل الآراء وإثارة النقاشات والإطلاع على تجارب الآخرين، وكان لقادة حزبنا الرفاق سلم علي وطلعت كريم وعمار البياتي أعضاء اللجنة المركزية للحزب نشاطات سياسية مكثفة، منها:
اللقاء مع حزب العمل البلجيكي، وحضور ندوة للحزب الشيوعي السوداني في خيمة الحزب السيوعي اللبناني، وشارك الرفيق طلعت كريم في ندوة سياسية أقامها الحزب الشيوعي الفرنسي عن الشرق الأوسط وساهم فيها ممثلون عن احزاب شيوعية من عدة دول، وكانت مترجمة للفرنسية، وساهم الرفيق سلم علي في ندوة أقامها حزب تودة حول خطر الحرب والوضع الملتهب في الخليج، ساهمت فيها عدة أحزاب منهم حزب أكيل القبرصي، وسكرتير الحزب الشيوعي البريطاني، ومسؤول العلاقات في الحزب الشيوعي الفرنسي، وممثل الحزب الشيوعي اللبناني، وممثل الحزب الشيوعي الهندي، وتم خلال الندوة أصدار نداء ضد الحرب ومن أجل السلام ومطالبة جميع الدول المتصارعة وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وأيران بالكف عن التصعيد وتعريض أمن المنطقة للمخاطر.
القنصل العراقي في باريس يحيي خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانتيه
في مساء يوم السبت 14 سبتمبر بادر القنصل العراقي في باريس الدكتور أحمد محجوب بزيارة خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانتيه، وعبر عن سروره وأكد أنكم وجه العراق المشرق، فرغم كل الظروف الصعبة في العراق لكن تواجدكم هنا تعبير عن الأمل العراقي، وقال أن هذه الخيمة رغم مساحتها الصغيرة، لكنها كبيرة بعطائها وتمثل العراق.
لقاءات تحت خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانتيه
تميز هذا العام بوجود وجوه شابة جديدة تمتاز بروح العطاء والهمة العالية، وها هو جيل جديد يحتل مكان الجيل القديم، وليواصل مسيرة الخيمة ضمن هذا المهرجان الأممي المتميز، فكان لقائنا مع بعض الوجوه الطافحة بالحيوية، من الجيل القديم والجيل الجديد من المساهمين النشطين.
الشاب حسام الصفار من باريس، يحضر لأول مرة لكنه مليئ بالحيوية والنشاط وروح المبادرة، تجده حيثما يحتاجه رفاقه العاملون في الخيمة، يقول هذه أول مرة أحضر هكذا مهرجان بهذا الحجم، يغمرني الفرح وأشكر من دعاني للحضور، فلولاهم لما حظيت بهذه الفرصة النادرة، شاهدت آلاف الناس من مختلف البلدان، وشاهدت النقاشات وتبادل الآراء بحرية دون مشاكل وانفعالات رغم الاختلافات.
الناشطة الاجتماعية جنان فرج من مالمو السويدية، حضرت لعدة سنوات، شعلة نشاط خلال تواجدها في الخيمة، فتراها ساعة تعد الكباب أو السلاطات، ومرة أخرى تعرض الأزياء وترقص، وتملأ الخيمة بفيض أبتسامتها وفكاهتها ومرحها مع زميلاتها، تقول، مهرجان اللومانتية مهرجان من نوع اخر. لانك بهذا المهرجان تتعلم معنى روح التعاون فاكثر المشتركين متطوعين بالمساهمة والعمل لأنجاح هذا المهرجان العظيم. التطور البسيط الملحوظ كل سنة يساعد علئ إظهار وجهه جديد ومشرق لهذا التجمع الجميل، وجودي بهذا المهرجان مشاركة اممية لأنني التقي بكم هائل من الناس تجمعني معهم الأفكار الأممية والتفكير الاشتراكي ونفس الأماني من أجل حرية الشعوب المستضعفة ومحاربة الفقر والجهل والأمية، أنا متحمسة شخصيا لهذا التجمع الهائل لانه يجمعني بمن يحملون نفس تطلعاتي وإيمانهم بحرية الشعوب بتقرير مصيرها، لذلك احث أصدقائي للحضور والمشاركة بالمهرجان.
النصير ناظم ختاري، من كولن الألمانية، وهو يشارك للمرة الثالثة على التوالي، يقول: نحن نشارك بمهرجان اللومانتيه حاليا بكل أعماله التحضيرية ولعدة أشهر قبل موعده، وهو فرصة لنا للأطلاع على عادات وتقاليد وثقافات الشعوب الأخرى وآرائهم، وهو تواجد أممي كثيف، فنحصل على معلومات جديدة ونطلع على فنون وثقافات الدول الأخرى، وخصوصا نحن الأنصار هي فرصة أخرى لنلتقي ونتبادل الذكريات، فهو فرصة لنا للقاء من جديد، نحتاج الى المزيد من التنظيم والجهد والاهتمام بعكس معاناة الأقليات في العراق كالأيزيديين والمسيحيين.
الشابة ريما وليد الخالدي من باريس، وهي تحضر لـ 19 مرة متواصلة، سيدة مليئة بالحيوية والنشاط والعطاء، تعمل في كل مكان يحتاج للمساعدة، تقول، أشعر أن الخيمة هي عراق مصغر، كأنه بلدي هنا، ففيه يسود جو الفرح والتعاون بين الجميع، ولكوني من عائلة شيوعية أشعر بأنني أخدم مبادئ أمي وأبي، وكانت فرصة لي للتعرف على عشرات الأصدقاء. أدعو الى روح التسامح والأبتعاد عن الأمور البسيطة التي تعرقل العمل.
عبد المنعم التميمي القادم من جنيف/ سويسرا، يحضر للمرة العاشرة على التوالي، وهو لولب آخر في الخيمة، تجده في كل مكان للعمل فيها، يقول انه تجمع ثقافي انساني وحضاري كبير، وفيه يتضامن الجميع مع أبناء شعبي، تعرفت على العديد من المناضلين من مختلف الدول، ومعرفة أشكال الحكم فيها، ونعرف نحن الآخرين عن حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا، ووضعنا الحالي، أتمنى ان يتطور المهرجان أكثر وأن يسمح للعراقيين في الداخل لحضوره، ليطلعوا على أفكار العالم الجديد.
انتهى العيد لكن طعمه لازال عالقاً في الروح. غادرنا الأصدقاء وما أصعب تلك اللحظات، وهي تأتي بعد أيام من الفرح والتأمل والانسجام، لكن الأمل بلقاءاتٍ قادمة أجمل وأبهى نجدد فيها الحلم. والى ذلك الحين لنغني يا أصدقائي ((غد الأممية يوحد البشر)).
ملاحظة: تم نقل مباشر لمعظم الفقرات المهمة في برنامج خيمة طريق الشعب وشاهدها آلاف المشاهدين