في خفايا تجارة الأعضاء البشرية
«إسرائيل»، التي هي البلد الوحيد المحسوب على الغرب لا تحرّم قوانينها تجارة الأعضاء البشرية وهي الدولة الأكثر استهلاكاً لتجارة الأعضاء البشرية.
حين تسمع أو تقرأ عن بيع أعضاء بشرية أو سرقتها من جثامين تتصور نفسك أمام فيلم هوليوودي عن «فرانكشتاين»، لكن هذا الأمر الذي يبدو متخيّلاً أو غير معقول يقوم به المحتل «الإسرائيلي» إزاء ضحاياه.
وكان الصحفي السويدي دونالد بوستروم، قد كشف ذلك حين نشر تقريراً في صحيفة «أفتون بلاديت» عن تجارة الأعضاء البشرية واتهامه ل«إسرائيل»، التي هي البلد الوحيد المحسوب على الغرب لا تحرّم قوانينها تجارة الأعضاء البشرية.
وحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC
فإن «إسرائيل» هي الدولة الأكثر استهلاكاً لتجارة الأعضاء البشرية، وقد انفضح تورطها بسرقة أعضاء جثامين شهداء فلسطينيين في إبريل/ نيسان العام 2017؛ حيث اضطرّت للإعلان عن فقدان 121 جثة لفلسطينيين كانت تحتجزهم منذ تسعينات القرن الماضي.
لكن تجارة الأعضاء البشرية لا تقتصر على الاحتلال «الإسرائيلي» وأساليبه الإجرامية فحسب، بل إن سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور الحالة المعيشية وانهيار أو ضعف أجهزة الدولة ومؤسساتها القضائية والقانونية بسبب الحروب والنزاعات الأهلية المسلحة ونفوذ قوى إرهابية موازية للدولة في بعض البلدان، كان وراء انتعاش هذه التجارة غير الإنسانية، والتي تفشت في السنوات الأخيرة بين اللاجئين الذين يتم استغلالهم، لاسيما النساء والأطفال.
وأصبحت هذه التجارة كونية بفعل «العولمة»، وحسب تقارير منظمات وهيئات حقوقية وإنسانية دولية، فإن البلدان الأكثر رواجاً لهذه التجارة هي: الصين وباكستان ومصر والفلبين وكولومبيا، خصوصاً أنه قد أصبحت سوقاً جاذباً للحصول على الأرباح ولها بورصاتها السرية وشبكاتها الخفية وأجهزتها وسماسرتها، وارتفع الطلب عليها في السنوات الأخيرة، بازدياد الحاجة إلى استبدال الأعضاء التالفة بأعضاء سليمة.
وفي منطقتنا «ازدهرت» هذه التجارة، حتى يمكن القول إن بعض الفقراء من الضحايا أصبحوا «قطع غيار» بشرية رخيصة بانهيار الأنظمة الحمائية والقانونية التي هي ضعيفة بالأساس، فما بالك حين ينهار الأمن ومنظومة القضاء والنظم القانونية، وهو الأمر الذي استغلته مافيات قوية ومتنفّذة للحصول على الأعضاء البشرية بأسعار زهيدة أو حتى القيام بسرقتها بالتعاون مع أجهزة طبية وعاملين في هذا القطاع؛ حيث تتم سرقة الأكباد والقلوب والكلى، كما حصل لعائلة صومالية اختطف أفرادها في العام 2016 وهم في طريقهم للهجرة إلى أوروبا، لكن جثامينهم ألقيت على الطريق بعد حين، وهي منزوعة من بعض أعضائها.
وكانت السلطات المصرية، قد وضعت يدها على نحو 10 مراكز ومختبرات طبية متعاونة مع شركات دولية للاتجار بالأعضاء البشرية واعتقلت عدداً من أفرادها وصادرت ملايين الدولارات وسبائك ذهبية كانت بحوزتهم، كما قامت بتغليظ القوانين العقابية الخاصة بجريمة الاتجار بالبشر.
وحسب الإحصاءات الرسمية السورية، فهناك نحو 18 ألف إنسان سوري فقدوا أحد أعضائهم في السنوات الأخيرة، وأن معظم هذه الحالات كانت تتم بشكل غير قانوني، حتى وإن أدرجت في باب التبرّع «الإنساني»، وقد استغل «داعش» ذلك فحاول انتزاع أحد الأعضاء البشرية من ضحاياه. وفي اليمن استفحلت الظاهرة مع استمرار الأزمة اليمنية بأبعادها الإنسانية.
أما في ليبيا وبسبب انهيار النظام القانوني وانقسام وتفتت أجهزة الدولة ومؤسساتها وانتشار العصابات، التي يقودها أمراء الحرب، ظهرت تجارة جديدة قديمة هي أقرب إلى «تجارة العبيد»؛ حيث يُباع البشر في الأسواق، ويتم استغلالهم بالدعارة أو بيع الأعضاء، إضافة إلى مقاولات لبيع المهاجرين تتم بين التجار دون علم الضحايا؛ حيث يتم التعاقد معهم كعمال «أجراء» أو «مزارعين» للعمل في البلدان الأوروبية في مزادات مقابل مبالغ بخسة، وبالطبع استغل تنظيم «داعش» العائدات من الهجرة الدولية لتمويل الإرهاب.
وتبحث شركات الاتجار بالأعضاء البشرية عن الأطفال وصغار السن للحصول على أعضائهم لبيعها بأسعار باهظة الثمن، نظراً لما يتمتع به هؤلاء من نضارة وحيوية، وهؤلاء هم الفئة الأكثر استهدافاً بشكل عام وبين اللاجئين بشكل خاص؛ حيث التقطت شبكات السوق السوداء بعضهم لشراء «قطع غيار» لاستبدال ما هو تالف من بعض الأغنياء الذين يبدون استعداداً لدفع مبالغ طائلة مقابل تغيير الكلى أو استبدال قرنية العين أو غير ذلك، واقترنت هذه التجارة بالزواج بالقاصرات وعمالة الأطفال وشبكات التسوّل كغطاء لذلك.
لا يمكن وضع حد لتجارة الأعضاء البشرية، بل وللاتجار بالبشر دون تعاون دولي فعّال ووضع قوانين صارمة وعقوبات غليظة على المستويين الداخلي والدولي، سواء كانت الأسباب والدوافع سياسية أو اقتصادية أو كليهما، كما هي الأغراض «الإسرائيلية».
والأمر له علاقة أيضاً بتجارة المخدرات وعمالة الأطفال والعنف ضدهم وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتجارة السلاح، وغيرها من القضايا اللّاإنسانية والمرتبطة ببعضها على نحو وثيق وصارم.
ويتطلب ذلك أيضاً تنفيذ المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وتوقيع البلدان التي لم توقع عليها أو تنضم لها وتصديقها لتدخل حيّز التنفيذ، إضافة إلى مراجعتها وتطويرها، وذلك في إطار الالتزام بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان وتأمين إدماجها بالقوانين الوطنية في تعزيز المواطنة والمساواة والشراكة في فضاء من الحرية يؤمن الحد الأدنى للعيش الكريم.