من القاتل؟
لمن يوجه الاتهام بارتكاب جرائم القتل العمد ضد شبيبة العراق التي تظاهرت أيام 1 و2 و3 تشرين الثاني/أكتوبر 2019 مطالبة بحقوقها المعادلة والمشروعة والمغتصبة من قبل حكام العراق؟ هل يوجه الاتهام إلى قوى الأمن والشرطة والحشد الشعبي الذي ظهر مقنعاً ليمارس مع البقية الأمنية بالقتل العمد، أم يوجه إلى رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الذي لولا صدور أوامره باستخدام الرصاص الحيّ وخراطيم المياه الساخنة والغازل المسيل للدموع، لما سقط شهد واحد من المتظاهرين السلميين في بغداد وذي قار والحلة والنجف والكوت.. وغيرها من المدن المنتفضة سلمياً؟ لا شك بأن الجواب واحد لا غير! الاتهام يوجه مباشرة إلى رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة العراقية الذي أصدر أوامره بممارسة القتل العمد، بممارسة قمع المظاهرات بكل السبل المتاحة لدي قوى الأمن والشرطة والحشد الشعبي، بتوجيه الرصاص الحيّ إلى صدور الشبيبة، إنه الشخص الوحيد القادر على إعطاء الأوامر باستخدام الرصاص الحي وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين في جميع أنحاء العراق أولاً، وهم الرئاسات الثلاث التي يستشيرها رئيس الوزراء في مثل هذه الحالات. فهو القاتل، وهم القتلة إن كان قد استشارهم وساندوا موقفه في توجيه الحديد والنار إلى صدور وظهور المتظاهرين الشباب، إنه المتهم بقتل الجياع والمعوزين والعاطلين عن العمل الذين يتظاهرون مطالبين بالخبز والعمل ومكافحة الطائفية والفساد!!
إذا كان أحدنا قد اعتقد بأن نوري المالكي هو الوحيد من بين قادة قوى الإسلام السياسي مستبداً بأمره، دكتاتوراً أهوجاً مارس القمع والقتل ضد المتظاهرين المطالبين بحقوقهم وضد الطائفية في الحكم والمحاصصة والفساد في أنحاء العراق، فأن عادل عبد المهدي يؤكد بأنه مستبد شرقي فاسد ودكتاتور أخر لا يقل عدوانية عن الآخرين إزاء المتظاهرين من بنات وأبناء الشعب.
إن قوى الأمن والشرطة، ومعها قوى من الحشد الشعبي، ارتدت أقنعة خاصة، تنفذ أوامر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بقمع المظاهرات واستخدام الرصاص الحي وكل وسائل القمع الأخرى لإعادة “الأمن!” و “الاستقرار!” إلى ربوع البلاد، أي إلى حماية “الحكام الحرامية” من غضب الشعب. ويمكن أن يحاسب بصرامة وحزم عبر المحاكم كل أولئك الذين استخدموا السلاح في التصدي للمتظاهرين السلميين وقتلوا مجموعة كبيرة من الشبيبة وجرحوا المئات منهم، ولكن المتهم الفعلي بالقتل، المتهم بارتكاب هذه الجرائم البشعة في هذه الأيام العصيبة هو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، إنه عادل عبد المهدي.
خرج علينا عادل عبد المهدي وكأنه ملك العراق الجديد ليقدم خطاب النصح الملكي للمتظاهرين بأن لا يركنوا لدعاة اليأس ولا يلتفتوا لدعاة العودة إلى الوراء! نحن الملك الدكتاتور عادل عبد المهدي أطلب من شعبي أن يركن للهدوء وسأعالج كل مشكلاته!!! أي بؤس وفاقة وقباحة تهيمن على فكر هذا الرجل القادم من عهود خلت، من قبل 1400 سنة، ليشارك في فرض مجموعة من الطائفيين واللصوص على شعب بلاد الرافدين لتبني دولة ثيوقراطية جاهلة وتخضع الشعب لهيمنة استعمارية إيرانية. 16 عاماً وأنتم في الحكم فماذا فعلتم غير نهب موارد البلاد المالية والأولية وتمزيق وحدة الشعب بالطائفية المقيتة والتمييز الديني وضد المرأة، ماذا فعلتم غير تسليم الموصل ونينوى ومحافظات الأنبار وصلاح الدين للقاعدة وداعش، ماذا قدمتم للشعب غير البؤس والعوز والجوع والحرمان والموت والخراب والرثاثة الفكرية والسياسية؟ نحن ملك العراق عادل عبد المهدي لن يكون في مقدوره خداع الشعب، ولاسيما شبيبة العراق، بالوعود المعسولة ودفع راتب شهري للمعوزين.. كفوا عن هذه الأساليب الخبيثة والمكشوفة.
وربما الغريب بالأمر إن المرجعية الشيعية في النجف ووكلائها في كل مكان قد احتجوا ضد قتل الشيعة في البحرين، وهو أمر صائب، كما أشار إلى ذلك بصواب الدكتور قاسم حسين صالح، ولكن لماذا سكتت عن الجرائم التي ارتكبت في بغداد وذي قار والبصرة وفي مدن عراقية أخرى حتى ارتفع عدد القتلى إلى 44 شهيداً ومئات الجرحى والمعوقين حتى الآن. إنها تخشى على حكم قوى الإسلام السياسي وعلى مصالحها في العراق، وهي تخشى المظاهرات التي تطالب بالتغيير الجذري للنظام السياسي الطائفي ومحاربة الفساد، لأنه سيشملها ويشمل كل ممثلي المرجعيات الدينية في النجف وكربلاء.
لن يستطيع عادل عبد المهدي إسكات أفواه الجائعين والعاطلين عن العمل وجموع الفقراء الذين سُرقت لقمة عيشهم من حكام العراق الحاليين، ولن يمنعهم حظر التجول ولا رصاص رجال الأمن والشرطة والحشد الشعبي الإيراني والمليء بعصابات الحرس الثوري وعلى رأسهم القائد الفعلي للحشد الشعبي وللحكومة العراقية قاسم سليماني، عن التظاهر والمطالبة بالحقوق العادلة والمشروعة المغتصبة.
المظاهرات التي عمت بغداد ومدن الجنوب والوسط ستمتد لا ريب في ذلك، إن عاجلاً أو أجلاً، إلى جميع مدن العراق وأريافه، إلى كل زاوية من هذا الوطن المستباح، سينهض طلبة الجامعات والمعلمون والمدرسون وأساتذة الجامعات، سينهض العمال والفلاحون والكسبة والحرفيون، سينهض كل الناس المكتوين بنار الطائفية والمحاصصة والفساد والذين يعانون من الفقر والبطالة والحرمان وتزييف إرادته الحرة.
الشرارة متوقدة ولن تنطفئ وسيلتهم السعير الذي أججه الطائفيون الفاسدون في بلاد الرافدين حكام العراق وبقية الفاسدين.
وكما قال الشاعر العراقي كاظم السماوي:
وإذا تكاتفت الأكف فأي كف يقطعون
وإذا تعانقت الشعب فأي درب يسلكون