خليل عبد العزيز : تعقيب على مقال علي زيدان
الحقائق المغيبة في إعدام رئيس جهاز المخابرات الأسبق فاضل البراك
في عددها الصادر يوم 4 آب نشرت صحيفة (الزمان) مقالاً للسيد علي زيدان بعنوان ” الحقائق المغيبة في إعدام رئيس جهاز المخابرات الأسبق فاضل البراك “
وهنا أود تبيان بعض الحقائق والتصحيحات فيما ورد في ذلك المقال.
من المعروف إن فاضل البراك كان أحد المسهمين بانقلاب عام 1968 ليصبح بعد ذلك احد ضباط الحرس الجمهوري ومن ثم مرافقًا للرئيس أحمد حسن البكر. وقد ابعد عن مركزه هذا بسبب مشاجرة هاتفية حدثت بينه وعقيلة الرئيس البكر والتي سمعها الرئيس ولم يستسغها وأمتعض منها كثيرًا لذا قرر طرده من مرافقته. عام 1970 عين البراك معاونًا للملحق العسكري في السفارة العراقية بموسكو، وليس ملحقا عسكريا كما ورد في مقال السيد زيدان، وبقي في هذه الوظيفة إلى عام 1976. وطوال مدة بقائه في وظيفته بالسفارة العراقية، كان البراك مسؤولاً عن تنظيمات حزب البعث في عموم الاتحاد السوفيتي، حيث كان هناك العديد من الطلبة العراقيين من المبتعثين الحكوميين، يدرسون في الجامعات السوفيتية ومثلهم الكثير من العسكريين الذين كانوا يتلقون علومهم في العديد من المعاهد والكليات العسكرية وفي مختلف الجمهوريات السوفيتية . وفيما يتعلق بحصوله على شهادة الدكتوراه من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، وليس مركز الاستشراق كما جاء في مقال السيد زيدان. فالحقيقة أن فاضل البراك لم يكن مؤهلاً علميًا لكتابة رسالة الدكتوراه، وإن قبوله لأعداد الرسالة من خلال معهد الاستشراق، جاء بناءً على طلب من لجنة العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي السوفيتي، وذلك تنفيذًا للاتفاقية الموقعة بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوفيتي والتي نصت على قيام المعاهد العلمية السوفيتية بإعداد مجموعة طلبة، ولا سيما في مجال الدكتوراه وبمختلف العلوم دون الحاجة لحصولهم على المستوى العلمي الذي يؤهلهم لإعداد رسائل دكتوراه. وسبق لحزب البعث أن طرح هذه القضية على الجانب السوفيتي معللاً طلبه هذا بقلة ما يملكون من أخصائيين وحاملي شهادات عليا، بالرغم من سيطرة الحزب على السلطة في العراق. وقد أكد ليَّ هذا التوجه السياسي البعثي الرئيس أحمد حسن البكر خلال لقائي به في القصر الجمهوري عندما ترأست الوفد السوفيتي لأجراء المفاوضات بشأن الإعداد للاحتفال بالذكرى الألفية لميلاد الفيلسوف الفارابي. فقد قال ليَّ بالنص أنتم الشيوعيون تمتلكون الأخصائيين والكثير من حملة شهادة الدكتوراه في مختلف المجالات العلمية والمهنية وتسيطرون على الجامعات العراقية، ونحن اليوم أصحاب السلطة ونسعى لتبعيث التعليم والجامعات لذا نحتاج إلى الكوادر العلمية من حملة الدكتوراه. وسبق أن طلب مني الأكاديمي غفوروف مدير معهد الاستشراق وهو السكرتير السابق للحزب الشيوعي في طاجكيستان والحاصل على خمسة أوسمة تكريما له من قبل ستالين، قبل أن اذهب في مهمتي التي كلفت بها، أن أخبر الرئيس البكر بأن فاضل البراك يقوم بإعداد رسالة الدكتوراه في معهدنا، لذا أخبرت البكر بذلك، ولكن الرئيس البكر تجاهل كلامي، لذا اضطررت أن أعيده عليه، فما كان من البكر غير أن يتفوه بكلمات نابية بحق فاضل البراك وأنتقل سريعًا للحديث عن قضايا أخرى.
خلال لقاءاتي في معهد الاستشراق مع فاضل البراك وكان من مهامي متابعة إعداده لرسالة الدكتوراه، حسب تكليف مدير المعهد الأكاديمي السيد غفوروف.
وفي مجريات المتابعة كان فاضل البراك يعرض عليَّ ما يعده من فصول لمتن رسالته،لأطالعها ثم أعرضها على رئاسة المعهد. وفي أحد المرات سلمني الفصل الثاني من رسالته ،وحين أخذته وجدت بين طيات أوراقه رسالة صغيرة موجهة للبراك من مفكر حزب البعث الياس فرح، وقد جاء في تلك الورقة ما يلي : أبعث لك الفصل الثاني من رسالة الدكتوراه… وبدوري قمت بعرض وتقديم الرسالة وترجمتها لمدير المعهد السيد غفوروف فأجابني بضرورة أن يحتفظ بالرسالة وأمتنع عن أعادتها ليَّ. وبعد مناقشة رسالته عن حركة رشيد علي الكيلاني عام 1941 وحصوله على شهادة الدكتوراه وعودته إلى بغداد، واستلامه منصب مدير الأمن العام قام بطبع الرسالة على شكل كتاب حُذف منه كافة الإضافات والتعليقات النظرية التي وجهت له خلال مناقشة الرسالة وعدل عنوان الرسالة حين طبعت ككتاب، ليكون الكتاب في النهاية وثيقة قومية بعثية خالصة، سارع بعدها الانتهازيون والمتملقون لكتابة وتدبيج المقالات التي تشيد بالبراك ورسالة الدكتوراه، وتجاوزت تلك الكتابات الأربعين مقالا.
أود أن أعكف وأوضح حول ما ذكره السيد زيدان من كون هناك شائعات وأقوال كثيرة تتهم فاضل البراك بالعمالة والتعاون مع المخابرات السوفيتية ولا سيما خلال سنوات وجوده في موسكو. وللحقيقة فإن فاضل البراك كان ممثلا لدوائر الأمن والمخابرات العراقية لدى المخابرات السوفيتية أي كان عضو الارتباط بين التنظيمين. وانطلاقا من وظيفته هذه فقد كان يتردد على المركز الرئيسي للمخابرات السوفيتية وسط موسكو لتنسيق العمل المخابراتي وتبادل المعلومة وقد أخبرني بوظيفة البراك هذه مدير معهد الاستشراق السيد غفوروف. كان فاضل البراك وخلال وجوده في موسكو وعبر علاقته بمعهد الاستشراق وتكليفي بمتابعة إعداده رسالته للدكتوراه، شديد الوضوح والصراحة في بيان معاداته للشيوعية والشيوعيين ولا سيما الحزب الشيوعي العراقي رغم معرفته بموقعي القريب من الحزب الشيوعي.وقد ذكرت في كتابي ” محطات من حياتي الصادر عن دار سطور للنشر والتوزيع في بغداد عام 2018 كيف أن البراك وفي أحد المرات حضر احتفال منظمة الحزب الشيوعي العراقي في موسكو والتي أقيمت بمناسبة تأسيس الحزب، وخلال الحفل تم عرض صورة مؤسس الحزب الرفيق فهد لأجراء مزاد عليها، فقال ليَّ البراك بأنه يرغب بالحصول على الصورة باي ثمن كان، ولقد بدأ بالمزايدة عليها ورفع المبلغ بما يؤهله الحصول عليها، وقد نال واستحوذ على الصورة، عندها طلب من سائقه وضع الصورة في الصندوق الخلفي للسيارة، وقد استرعى ذلك انتباهي، فسألته عن سبب رغبته باقتناء صورة الرفيق فهد وما عساه فاعل بها، أجابني بشيء من الهزء بأنه سيمزقها كونه لا يريد أن تكون من حصة أي عراقي. ما ذكره السيد علي زيدان عن خليل الجزائري ووصفه بأنه أمين عام الحزب الشيوعي العراقي، فذلك غير صحيح. فالجزائري كان مسؤولا عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي . وانطلاقا من مهام فاضل البراك في معاداة الشيوعية، وضمن واجبه الوظيفي والحزبي، فقد عمل على استقطاب بعض ضعاف النفوس من الشوعيين العراقيين، لذا استطاع تسقيط وكسب خليل الجزائري ومثل ذلك فعل مع السيدة حميدة سميسم شقيقة المناضل الشيوعي محمد صالح سميسم لتصبح السيدة حميدة بعد ذلك أحد مسؤولي مكتب فاضل البراك في الأمن العامة . في النهاية لابد ليَّ من القول بأن فاضل البراك كان طموحاً لا يعترف بأي مسؤول حزبي وحكومي أعلى منه درجة، ويرى نفسه الأجدر بين البعثيين في قيادة الحزب والسلطة في العراق، لذا كان يعمل بجد وبما يتوفر له من إمكانيات من أجل تحقيق أهدافه والوصول لغاياته، وتلك الميزات كانت السبب المباشر للإطاحة به ومن ثم إعدامه