تشريعيات تونس… الفوز بطعم الهزيمة… برلمان مشتت … و خوفا من إعادة الانتخابات
عديدة هي الإكراهات التي تفرضها التركيبة الجديدة للبرلمان ، تركيبة مشتتة في ظل الخارطة التي أفرزتها الانتخابات من قوى وأحزاب لها حصص وازنة في برلمان الشعب ما جعل الكثير من المتابعين للشأن السياسي يؤكدون أن تشكيل حكومة في أقل من 3 أشهر حسب ما ينص على ذلك الدستور صعب وهذا من شأنه أن يضع بلادنا في مواجهة المجهول ، بل إن البعض لم يستبعد التوجه اضطرارا نحو انتخابات تشريعية جديدة ، في ظل صعوبة تشكيل الحزب الفائز حركة النهضة بـ 52 مقعداً، ائتلاف حكومي في ثنايا اختيار بعض الأحزاب صف المعارضة والأمر الأهم هو شروطها غير المقبولة نهائياً من وجهة نظر “النهضة” نفسها، ما يؤشر إلى أن مخاض تشكيل الحكومة سيكون عسيراً، إن لم يكن مستحيلاً.
هذا المشهد البرلماني المتشرذم الذي أفرزته النتائج غير النهائية للانتخابات التشريعية التونسية، يطرح أكثر من سؤال حول السيناريوهات الممكنة للتحالفات داخل قبة البرلمان، وقدرة الحزب الفائز على تشكيل الحكومة بحسب مقتضيات الدستور بعد اختيار عدد من الأحزاب التموقع ضمن المعارضة، هذا الوضع، هل من شأنه خلق حالة من عدم الثقة تجاه تونس؟ وهل سيكون له تداعيات على علاقتها بشركائها خاصة في ظل ما تشهده من صعوبات اقتصادية ومن تعطل لكل محركات النمو؟ و ما سيناريوهات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة؟
إعلان القطيعة
سارع الحزبان المتصدران لطليعة نتائج الانتخابات التشريعية -النهضة وقلب تونس- إلى إعلان القطيعة وإغلاق الأبواب أمام أي إمكانية للتحالف بالبرلمان، كما تبادلت قيادتهما تهم الفساد والمحسوبية.
وفي وقت سابق أعلن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رفضه لأي تحالف ممكن مع حزب المرشح للرئاسة المسجون نبيل القروي، معللا موقفه بتورط عدد من المنخرطين فيه بقضايا فساد.
بدوره، قال القيادي في حزب “قلب تونس” حاتم المليكي إن “حزبه لن يتحالف مع حركة النهضة ولن يشارك في حكومة تُشكلها”، وذلك في تصريحات إعلامية ، محمّلا إياها مسؤولية الفشل الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد.
قراءات كثيرة ذهبت إليها قيادات سياسية ومحللون بشأن مآلات المشهد السياسي على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية، تراوحت بين الدعوة لحكومة إنقاذ وطني والتحذير من سيناريو إعادة الانتخابات في حال فشل الحزب الفائز في تشكيل الحكومة.
تشتت … حذر وتوجس من انتخابات مبكرة
أكد المحلل والخبير في الانتخابات عبد الجواد الحرازي في قراء لنتائج الانتخابات ، أن نجاح تنظيم الانتخابات جيد و في صالح تونس … لكنه عاد واستدرك قائلا أن مثل هذا التشتت الذي تعرفه تشكيلة البرلمان الجديد يخلق صورة مهتزة خاصة في ظل تواتر الأخبار بشأن رفض عدد من الأحزاب ذات تمثيلية مهمة في المجلس الدخول في تحالف مع حزب الأغلبية مؤكدين أن الدخول في ائتلاف حكومي سيكون مستحيلا إذا ما تحالف الحزب ذات الأغلبية في البرلمان مع الائتلاف الذي يشبهه أيديولوجيا .
وشدد الحرازي أن التشتت البرلماني والتجاذبات الحالية بشأن تكوين حكومة سيجعل الوضع أكثر خطورة خاصة وأن تونس مطالبة بتسديد بعض القروض والتخلف عن ذلك أو الفشل فيه سيكون بمثابة الضربة القاسمة خاصة أن هذا الأمر سيفقدها ثقة الدائنين . كما لم يستبعد إمكانية الذهاب إلى انتخابات مبكرة في مارس/آذار المقبل إذا تعطل تشكيل الحكومة .
حكومة إنقاذ
عبر القيادي عن حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريح إعلامي لإحدى وسائل الإعلام الأجنبية عن سيناريو تشكيل حكومة “إنقاذ وطني” مكونة من كفاءات مستقلة وغير متحزبة تكلف لمدة أقصاها ثلاث سنوات بتطبيق برامج إصلاح اقتصادية واجتماعية عاجلة تضعها الأحزاب الفائزة في البرلمان، مشددا على أن حكومة الإنقاذ التي طرحها بشكل شخصي قد تكون البديل الأفضل لتجنب سيناريوهات كارثية … فحين اعتبر المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي أن تشكيل الحكومة هي عملية صعبة ومعقدة وتحتاج إلى ثقة بين كل الأطراف . كما بيّن بأن تخلي النهضة عن رئاسة الحكومة لفائدة شخصية مستقلّة يساندها الجميع يمكن أن يغيّر خلفية التفاوض، مشيرا انه إذا تجاوزت حركة النهضة هذا الإشكال فقد يصبح تشكيل الحكومة أمر متاح.
مسؤولية جسيمة
من جهته أكد الخبير الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أنه يقع على عاتق الحزب الأغلبية في البرلمان مسؤولية جسيمة من حيث تشكيل الحكومة من جهة والمحافظة على ثقة المؤسسات المالية الدولية وكسب دعمهم لها. كما يرى الشكندالي أن الإسراع في تشكيل الحكومة هام لإنقاذ الاقتصاد المتعثر شرط التوافق حول برنامج اقتصادي واجتماعي يعكس رسائل الشعب التي بعث بها خلال الانتخابات وشرط أن تغلّب الأحزاب مصلحة الوطن .
ويذكر أنه أخذ نظام الحكم في تونس بعد المصادقة على الدستور الجديد عام 2014 منحى النظام البرلماني، حيث ينص الفصل 89 منه على تكليف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية بتكوين الحكومة خلال شهر يجدّد مرة واحدة. وإذا لم تفرز مشاورات الحزب الفائز أي نتيجة، فسيجري رئيس الجمهورية مشاورات مع الأحزاب والكتل النيابية في غضون عشرة أيام لتكليف رئيس حكومة جديد يشرف على تشكيل حكومة في ظرف شهر واحد. وبعد مضي أربعة أشهر دون مصادقة البرلمان المنتخب على تشكيل حكومة جديدة، فسيحل رئيس الجمهورية البرلمان ويدعو إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في مدة لا تقل عن 45 يوما ولا تتجاوز 90 يوما.
و أخيرا بينما تلوح مصاعب في مسار مشاورات تشكيل الحكومة، لا يبدو وضع الرئيس الجديد معقدا بفضل إعلان أغلب القوى السياسية من مختلف التيارات مساندتها ودعمها له.