الجواهري وعبد الكريم قاسم ….. عبارة أثورة وبشرطة نور السعيد….. هي التي تخرج الزعيم عن حلمه
كرّمني الجواهري حين عدّني صديقاً له ،فكتب في العام 1986 في مقدمة كتاب “الجواهري في العيون من أشعاره” “… ويسرّني في الختام أن أخصّ بالشكر الجزيل والامتنان العميق أخي وصديقي الأديب والمؤلف الدكتور عبد الحسين شعبان، على أتعابه وفرط عنايته وجهوده الحميدة، سواء بما تقابل به معي في اختيار هذه ” العيون” وفيما يختص بضمّ هذه اللقطة المختارة إلى جانب تلك أو في تصويرها أو الإشراف على طبعها وتصحيحها وكما قيل:
من يصنع الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس”
وكتاب “الجواهري في العيون من أشعاره” المشار إليه في أعلاه هو “مختارات من شعره ومن بعض قصائده” بذائقة أدبية، حيث تم اختيار العيون في إطار عشريات (كل عشر سنوات) من أشهر القصائد، ومن أهم الأبيات التي فيها للقصائد الطويلة، وكتب هو مقدمته، وقد صمّم غلافه الفنان مكي حسين، وصدر عن دار طلاس في دمشق (1986).
ولعلّ وقع كلمة الصديق والأخ كبير في نفسي، وهو ما عاد وكرّره في الأبيات التي أهداها إليّ في العام 1990، وأعتبر ذلك بمثابة تشريف أعتزّ به، ولم أكن أعتبر نفسي أكثر من “تلميذ” كان قد تأثّر بالجواهري الكبير في بدايات مشواره، فهو أكبر سنّاً من والدي، وكنت دائماً أعتبر أن الشعر بعامة والجواهري بخاصة أحد روافدي الروحية، وأشرتُ أكثر من مرّة أننا كبرنا مع الجواهري، حيث كانت مكتبة الأخوال والأعمام مليئة بدواوينه وبصحف ومجلات وقصائد وأخبار عن كل ما يتعلّق بالجواهري، لدرجة كنت أشعر وكأنه يعيش معنا، وأتذكّر أن والدي عزيز شعبان كان يردّد دائماً :
أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهم ُ أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا
وكان يستعيد قصيدة طرطرا التي يبدأها ونقوم بإكمالها له :
أيْ طرطرا تطرطري | تقدّمي، تأخّري | |
تشيَّعي تسنّني | تهوَّدي تنصَّري | |
تكرّدي تعرَّبي | تهاتري بالعنصرِ | |
تعممي، تبرّنطي | تعقلّي، تسدّري |
وأتذكّر أيضاً، أننا لأول مرّة نستنشق هواء الحرّية ونملأ أفواهنا باسم الجواهري، حين جاء مدرّس اللغة العربية جواد الرفيعي في متوسطة الخورنق، وكان حينها عضواً في الحزب الشيوعي، وقد اعتقلنا معاً في العام 1963، ليطلب منّا أن نحفظ قصيدة الجواهري التي تغنّى فيها بالثورة:
جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا وبأنّـكَ الأمــــلُ المرجّى والمنى
عبد الكريم وفي العراق خصاصة ليــــــدٍ وقد كنت الكريم المُحسنا
وهي القصيدة التي رفض الجواهري أن أصنّفها ضمن قصائد الخمسينات في مختاراتي للعيون، بل قال بصيغة استنكارية: أنها لا تعود لي وأرجوك شطبها من أرشيفك. ولعلّ ذلك ما دفعني للبحث في ما يتعلّق بما وراءها ، وهو موضوع هذه المقالة. وامتثلت لقراره بالطبع، لكنه لم يكتفِ بذلك، فعاد واتّصل بي تلفونياً من براغ ليتأكد من ذلك.
أعود إلى قصيدة جيش العراق، فلم يكن بوسعي ونحن في الأسابيع الأولى للثورة أن أخفي فرحي وغبطتي، لأنني كنت قد قرأت القصيدة في البيت واحتفظنا بها، وشعرت بنوع من التميّز على عدد من زملائي آنذاك، وهو ما أحاطني به الأستاذ الرفيعي. وعلى الرغم من أن هذه القصيدة ليست الأحب إلى قلبي من شعر الجواهري، لكنها ظلّت تشغلني لذكراها الخصوصية المصحوبة بالنشوة الأولى للثورة قبل أن نتجرّع مرارتها لاحقاً. وما زاد من انشغالي بالقصيدة هو تعليق الجواهري الآنف الذكر وتأكيده على حذفها.
كما وظلّ موقف الجواهري الشديد من قاسم محيّراً لي وكنت أحاول الاقتراب في إيجاد تفسير له، على الرغم من معرفتي بما حصل بينه وبين قاسم، وهو ما رواه الجواهري لي في تسجيلات خاصة أجريتها معه في مطلع الثمانينات، واقتبس منها الصديق حسن العلوي وأشار إلى مصدرها في كتابه المتميّز ” الجواهري ديوان العصر”، ثم دوّنت جزءًا منها في كتابي الموسوم “الجواهري – جدل الشعر والحياة” ط/1، دار الكنوز الأدبية ، بيروت ، 1997، وقد صدر قبل وفاته ببضعة أشهر، لكنني كنت أحاذر من التوغّل أكثر في تلك المنطقة المحرّمة، حتى وقعت على “الطين الحرّي” كما يقال بعد حين، وذلك حين أتصل بي سعد صالح جبر في لندن، وقال هناك صديق يريد التحدث إليك، وهكذا التقيت بجرجيس فتح الله الذي ربطتني به صداقة وثيقة وتبادلنا الكثير من الآراء والرسائل واللقاءات فيما بعد، سواءً في المنافي أو في كردستان، حتى توفي في العام 2006.
وقد فكّ جرجيس فتح الله “اللغز الغامض” في علاقة الجواهري بقاسم، وهو الذي بقيت أسعى لحلّه سنوات طويلة، حين روى لي ما حصل في المشادّة الكلامية بين قاسم والجواهري التي كنت أعرفها، لكنني أجهل خفاياها كما يُقال، وعبثاً حاولت ذلك دون جدوى، وحسب ما ذكر جرجيس فتح الله،إن هناك محاولات عديدة بُذلت للنيل من الشاعر الجواهري، مفادها أن نوري السعيد منحه أرضاً زراعية ومضخة لسقيها على الفرات وأوصى به إقطاعيين كبار، إلى غير ذلك من ” الترهات”، التي تم ترويجها .
وحين اندلعت الثورة كانت المهمة التي أنيطت بوصفي طاهر هي إلقاء القبض على نوري السعيد بحكم كونه مرافقاً عسكرياً له طوال سنوات، حيث جرى اقتحام منزل السعيد الذي كان قد غادره عبر نهر دجلة في قارب ،كما هي الرواية المعروفة، فتم جمع الوثائق والمستمسكات والكتب منه وبضمنها نسخة من “ديوان الجواهري” وعليها إهداء شخصي رقيق إلى نوري السعيد وقد احتفظ بها قاسم في مكتبه .
ويمضي فتح الله ليقول حين انفتحت معركة أولى بين الجواهري وجريدته “الرأي العام” وبين “جريدة الثورة” وصاحبها يونس الطائي كان ذلك بسبب ما نشرته جريدة الرأي العام من افتتاحية بعنوان ” ماذا يجري في الميمونة؟” التي سأعود لروايتها على لسان الجواهري، وكان الطائي ينطق وإن لم يكن رسمياً بلسان قاسم، فاستغل التوتّر الذي حصل بين قاسم والجواهري، فهدّد الطائي بنشر صورة تدين الجواهري وكان يقصد بـ“الجرم المعلوم” ولم يكن ذلك سوى ” الإهداء المزعوم”، وهو ما أظهره الطائي لعدد من أصحابه وزوّاره في مقر الجريدة بنيّة نشره كمستمسك ضد الجواهري، ولكن أحد زائريه اختلس الوقت ليخفي “الصورة الزنغرافية” عن “الإهداء المذكور“، بناء على اقتراح من جرجيس فتح الله الذي كان ملاحقاً كما أخبرني، وظلّ الطائي يفتش عنها فلم يجدها. وعلى الرغم من أنني دوّنت ذلك على لسان فتح الله، لكنني حين أصدرت كتابي عن الجواهري، لم أذكر ذلك.
واعتقدت أن الأمر ليس بذي بال، لكن جرجيس فتح الله نشر ذلك في جريدة القدس (العربي) بعد وفاة الجواهري، وأهملتُ الإشارة إلى الحادث في الطبعة الثانية من كتابي “الجواهري- جدل الشعر والحياة” (دار الآداب، بيروت، 2008) والطبعة الثالثة (دار الشؤون الثقافية ، بغداد،2010)، ولكن جرجيس فتح الله عاد ونشر مقالته المشار إليها في كتاب بعنوان ” رجال ووقائع في الميزان” (حوار أجراه معه مؤيد طيّب وسعيد يحيى، دار آراس، إربيل، 2012)، الأمر الذي استوجب إجلاء الصورة وتوضيحها، علماً بأن الكتاب المذكور نُشر بعد وفاته.
وحسب رواية فتح الله فإن الورقة الخاصة بالإهداء (الصورة الزنكغرافية) بقيت معه وقد سلّمها للجواهري، الذي بقي صامتاً ولم يبنس بحرف مثلما يقول، وحسب تفسيري فإن الجواهري حين يهدي كتاباً أو ديواناً، يكتب عليه عبارات مودّة وليس في ذلك شيء ينتقص من الجواهري أو يسيء إليه، لاسيّما في العلاقات الإنسانية ، ولم يجد قاسم ما يهدّد الجواهري به سوى ذلك الإهداء الرقيق- وبالطبع فهو إهداء شاعر لرجل دولة – وهو الذي قال عن زيارته إلى بيت الجواهري، ” هذا البيت هو الذي أنبت الثورة”، لكن عصابية قاسم وردود فعله الغاضبة والانفعالية هي التي دفعته للصدام مع الجواهري دون مبرّر كاف، فالجواهري كان يعدّ نفسه من معسكره وهو من قام بتمجيده ، ومن جانبي كنت رويت الحكاية من زاوية سسيوسايكولوجية ثقافية وذلك حين ذكرت:
يمكن القول أن حساسية ما بدأت غير معلنة بين الزعيم عبد الكريم قاسم والجواهري بعد الثورة، لما يمثّل كلّ منهما من مكانة رفيعة حيث كان الزعيم عبد الكريم قاسم قائد الثورة والقائد العام للقوات المسلحة ورئيساً للوزراء ، أي على رأس السلطتين السياسية والعسكرية، بينما كان الجواهري زعيماً للسلطتين الثقافية والإعلامية في العراق، فهو رئيس اتحاد الأدباء ونقيب الصحفيين العراقيين، بما توّفر هاتين المسؤوليتين من نفوذ أدبي ومعنوي.
وأضفتُ: كنتُ كلما مررتُ في شارع الرشيد قرب ساحة حافظ القاضي، تستوقفني صورة الجواهري، وهي تزين واجهة استوديو المصور المعروف الفنان (أرشاك) فقد انتشرت صوره على نطاق واسع مما كان يثير حفيظة بعض المسؤولين وقد يكون قاسم في مقدمتهم، وبقدر ما كان اسم الجواهري مثيراً، فهو إشكالي أيضاً، وبتقديري إن الرمز يثير إشكاليات عديدة، ويكون مصدراً للصراع في زمانه أو حتى بعد ذلك الزمان، نظراً لموهبته الهائلة وقدرته على إثارة أسئلة ليس بالإمكان الإجابة عنها في الحال، وإلى تفرّده وخصوصيته وعنصر الجدّة لديه، خصوصاً إذا ما حاول صدم ما هو سائد أو الإتيان بما ليس مألوفاً.
وكنت قد سألت الجواهري في مطارحاتي العديدة معه: أبو فرات، نعود إلى العلاقة مع «الزعيم» عبد الكريم قاسم وقصة المنفى.. ماذا تقول؟ فأجاب: من أكثر القضايا إثارة، هو علاقة شاعر بجنرال قائد ثورة أو انقلاب، وأضاف: تعرفت على عبد الكريم قاسم في لندن، وقد رافقني إلى طبيب الأسنان، لمعالجة أسناني، عندها كان هو في دورة عسكرية، والتقيته في السفارة العراقية آنذاك. ومرّت الأيام وسمعت بنبأ «الثورة» وإذا بي أفاجأ بصورة رجل كنت قد نسيت ملامحه، فإذا به «الزعيم» الذي أُطلق عليه «الأوحد» فيما بعد، وركبه الغرور حدّ التعسف.
ثم خاطبني: يمكن أن تتعجّب إذا قلت لك أن «الزعيم» كان كثير التهيّب في علاقته مع الأدباء وكان أول بيت زاره في العراق بعد الثورة هو بيتي وقد تكرّرت الزيارات، وعندما بدأت الأمور تسوء وبدأ يركب رأسه وينفرد بكل شيء، كتبت مقالة في الصحيفة التي كنت أصدرها «الرأي العام» بعنوان: ماذا يجري في الميمونة؟ والميمونة قرية في جنوب العراق تعرّضت لهجوم بوليسي انتهكت فيه الأعراض.
وبعد ذلك جاء على ذكر المشادة الكلامية بقوله: وصادف أن قابلنا الزعيم عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع، باسم الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء، وكان يحضر معي السيد الحبوبي والدكتور صلاح خالص والفنان يوسف العاني والدكتور المخزومي والدكتور علي جواد الطاهر، وإذا بالزعيم يخاطبني «.. أستاذ الجواهري: ماذا يجري في الميمونة؟..» وقد كنتُ أخشى مثل هذه المواجهة، لأنني كنت أتحاشاها، ولم أحدّد المعركة بعد. فأجبت بأدب وقلت له «سيدي الزعيم أنا لا أستطيع أن أدافع عن نفسي كثيراً في هذا الموضوع».
وقال مخاطباً الزعيم: أسألك فقط سؤالاً واحداً، هنّ بناتك وأظنهن جئن إليك وعرضن ما تعرّضن له.. بمعنى أنني لم أكتب ذلك عبثاً. ويمضي الجواهري في روايته فيقول : وقد أحرج «الزعيم» فهو لا يستطيع أن يقول لي نعم ولا يرغب أن يقول لي: لا. وأخذ يتهرب. ويقول الجواهري:الغلطة الكبرى التي ارتكبتها حين قلت له «أثورة وبشرطة نوري السعيد؟» فخرج (الزعيم) عن حلمه لأول مرّة، وبدون تفكير منه حسبما أظن قال لي: أنت من بقايا نوري السعيد (ولديّ الوثائق).
ويواصل الجواهري روايته بالقول: كان يفترض بي أن أقول له، أنا فلان، أول من كنت تحاول مصاحبته في لندن وأول من زرته في البيت، وقد كنت آنذاك الغالب في هذه المعركة، لكنني لم أقل له ذلك، بل قلت له: هل تأذن لي بالخروج يا سيادة الزعيم؟ وأردفت بالقول بما نصَّه: «أتحداك وأمام الجالسين.. أتحداك وأشرت له بإصبعي.. نعم أتحداك مرة أخرى.. » وأعتقد أنني أرفقتها بـ” يا سيادة الزعيم عبد الكريم”.
واستكمالاً لهذه الرواية: غضب الزعيم وبدا الشرر يتطاير من عينيه واتجه إلى الغرفة الأخرى لجلب الوثائق الدامغة على حد تعبيره، والمقصود عبارات الإهداء والمجاملة التي كتبها الجواهري لنوري السعيد، وهناك احتضنه وصفي طاهر وحاول التخفيف من روعه والتمسه أن يهمل ذلك أو ينساه، ثم عاد به إلى حيث اللقاء، وكان الجو قد تكهرب وهكذا انتهت الزيارة.
وكنت قد سألت الجواهري هل كانت هذه الحادثة، هي السبب في مغادرة العراق إلى المنفى؟ فأجاب ربَّ ضارة نافعة، مثلما يقولون. رحم الله عبد الكريم قاسم، فلو لم تكن له معنا هذه القصة، فقد كنّا قبعنا في العراق، والله العالم ما كان سيحدث لنا في السنوات السوداء، لكنه اضطرنا إلى «التشرّد» عن الوطن في خريف 1961، وربما للتشرّد الموعود، وهي حسنة وربما كفّارة عن كل ما فعله معنا قبل التشرد أنا وزوجتي «أم نجاح» وبنتينا خيال وظلال، وكنت بحكم علاقاتي مع اتحادات الأدباء، ونقابات الصحفيين في الدول الاشتراكية، قد أمّنت مقاعد دراسة لأبنائي في صوفيا وموسكو وباكو وبراغ، جزاهم الله ألف خير، وهكذا كان مصير فرات وفلاح ونجاح وكفاح. رحم الله عبد الكريم قاسم الذي قلت فيه : «ورمى بنا خلف الحدود كأننا / بُردٌ إلى الأمصار عجلى ترزمُ ».
وعدتُ إلى سؤال الجواهري: كيف عشت خلف الحدود؟ ماذا كان هناك؟ زمهرير الغربة أم فردوس الحرية؟. فأجاب الاثنان معاً (أي والله) كان هناك الفردوس المفقود والموعود معاً. كانت براغ الذهبية مدينة الأبراج والجمال. صحيح أننا دفعنا أثماناً باهظة من كراماتنا المهانة، ومن شماتة الشامتين، وتشفّي المتشفين، ولكننا مع جفاف الغربة، كسبنا حريتنا وحلاوة الحياة وقد أعطتنا براغ الكثير، وقلت فيها:
أطلتِ الشوطَ من عُمُري | أطالَ الله من عُمرك | |
ولا بُلغتُ بالشرِّ | ولا بالسوء من خبرك |
وفي براغ كتب الجواهري قصيدته العصماء “يا دجلة الخير” التي يقول فيها:
حَييتُ سفحكِ عن بُعـدٍ فحييني | يا دجلةَ الخيرِ، يا أُمَّ البساتينِ | |
حييتُ سفحَك ظمآناً ألـوذُ بــه | لوذَ الحمائمِ بين الماء والطين | |
يا دجلةَ الخير يا نبعاً أفارقــهُ | على الكراهةِ بين الحين والحين | |
إني وردتُ عُيونَ الماء صافيـة | نبعاً فنبعاً فما كانت لتَرْويني |
كما كتب قصيدة كردستان موطن الأبطال وقصيدة أرح ركابك وقصيدة رسالة مملحة وقصيدة زوربا وغيرها بما فيها ديوان الغربة وهي مجموعة قصائد صدرت في العام 1965.
وبالعودة إلى جرجيس فتح الله فقد ذكر إنه أسرّ مسعود البارزاني بتلك الحادثة وأنا الشخص الثاني، وهو لا يريد أن تذهب الظنون به بأنه يقصد دالّة أو فضلاً، وإنما فعل ذلك محبة واعتزازاً، وقال إنه سيحتفظ بها حتى الممات، فإن توفّاه الأجل قبل الجواهري، سيكون قد دفن السر معه، وإن توفي الجواهري قبله، فربما سيجد مناسبة لتدوينه، علماً بأنني لم أجد فيها سرّاً يذكر، بقدر ما هي حادثة عابرة ، وأستدرك بالقول أنه حتى الحوادث العابرة لشخصيتين متميزتين ، فإنها ذات دلالة خاصة ومعنىً معبّراً، فكيف لا والمسألة تخصّ الجواهري وعبد الكريم قاسم، ولهذا السبب كنت أسعى لأجد الوقت المناسب لإيضاح هذه المسألة بعد نشرها من جانب جرجيس فتح الله، مشدّداً على أن روح المجاملة والتواصل والمودة التي كان يبديها الجواهري مع الآخر، هي وراء ذلك الإهداء المملّح حتى وإن اختلف مع صاحبه وقال بحقه ما لم يقله مالك في الخمرة، فما بالك حين يهدي ديوانه له.