قيس سعيد يدخل القصر رسمياً …. وتحديات كبرى تنتظره
أدى الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد صباح اليوم الأربعاء بمقر مجلس نواب الشعب بمنطقة باردو وسط العاصمة تونس، ليتتسلّم بذلك سعيد، مفاتيح السلطة بقصر قرطاج، من الرئيس المؤقت محمد الناصر، خلال مراسم تنصيب تعقد في قصر قرطاج وتشمل إطلاق 21 طلقة، و يباشر مهامه رسميا، لفترة رئاسية مدتها خمس سنوات، ليصبح بذلك ثاني رئيس لتونس يتم انتخابه بصورة ديمقراطية عقب ثورة الياسمين .
وفي كلمة له أكد سعيد أن ما يعيشه التونسيون اليوم أذهل العالم، باحترام الشرعية وقيادة ثورة حقيقية بأدوات الشرعية. و أعلن إن التونسيين والتونسيات بحاجة إلى علاقة ثقة جديدة بين الحكام والمحكومين، مضيفا أن الكل حر في خياراته وقناعاته، وأن مرافق الدولة يجب أن تبقى خارج الحسابات السياسية.
كما شدد على أنه لا مجال للمساس بحقوق المرأة، حيث إنها تحتاج إلى مزيد من الدعم، خاصة الاقتصادية . و تحدث أيضا عن الإرهاب، وقال إن رصاصة واحدة من إرهابي ستواجه بوابل من الرصاص، مبرزا أنه من واجب الجميع الوقوف ضد الإرهاب متحدين والقضاء على كل أسبابه.
وتابع الرئيس التونسي أن تونس ستبقى مناصرة لكل القضايا العادلة و”أولها قضية شعبنا في فلسطين”،
وأن القضية الفلسطينية ستبقى في وجدان التونسيين، مشيرا إلى أن هذا الموقف ليس ضد اليهود بل هو ضد الاحتلال .
ويتسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم وسط مجموعة من التحديات التي تنتظره، وفي جو يسود البلاد فيه انقسامات حادّة وتجاذبات سياسية عميقة . خاصة بعد ثمانية سنوات كانت صعبة، واتصفت بالركود الاقتصادي، الفساد المستشري، مشاكل “الإرهاب”، وخيبة الأمل في النخبة السياسية.
ملفات حارقة على طاولة قصر قرطاج
ومن شأن هذا الزخم الشعبي غير المسبوق الذي حمل قيس سعيد إلى السلطة أن يزيد من حجم مسؤولية الرئيس الجديد، الذي لن يكون خلال السنوات الخمس القادمة أمام مهمة هينّة، حيث تنتظره تحديّات جمّة وملفات حارقة ومعقدّة على طاولة قصر قرطاج. وسيكون تجميع وتوحيد الأطراف السياسية وتقريب وجهات النظر فيما بينها، من أجل تشكيل الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن، خاصة أن البلاد مقبلة على رفع العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، هو التحدي الأول الذي سيواجهه قيس سعيد، حسب المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي .
تشكيل الحكومة الجديدة
ويحمل سعيد آمال وتطلعات من انتخبوه بحماسة شديدة، للبدء في مهمة أقل ما يمكن وصفها بالصعبة، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة . و ليس أقل تلك الملفات حساسية، ملف تشكيل الحكومة الجديدة، إذ يترتب على عاتق سعيّد تكليف رئيس الحزب الفائز بانتخابات البرلمان وهو في هذه الحالة، حزب حركة النهضة، بتشكيل حكومة في مهلة أقصاها ستين يوماً، وفقاً الفصل 89 من الدستور التونسي . وفي حال فشلت النهضة بتشكيل حكومة ائتلافية في غضون شهرين، يكلف الرئيس في حينها شخصية سياسية لتشكيلها . أما إذا فشلت الجهود تلك، وفقاً للمهل الدستورية، فيحق للرئيس حل البرلمان التونسي، ودعوة المواطنين لصناديق الاقتراع مجدداً.
وفي انتظار ما ستؤول إليه الأمور، مع تعدد الاحتمالات، المؤكد أن النهج السياسي وفقاً لنتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد تغيرت ملامحه إلى غير رجعة.
مكافحة الإرهاب والفساد أولوية الأولويات
أكد صلاح الدين الجورشى في تصريح له ، أن ملف التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب، يعد كذلك أولوية حارقة ينبغي أن يفتح على طاولة الرئيس الجديد، موضحاً أنه ينبغي في هذا السياق، وضع مخططات جديّة لدعم الحرب على الإرهاب في ظل التحولات الإقليمية.
وأشار ، أن الشاغل الآخر الذي يجب على الرئيس أن يتحرك لأجله، هو استكمال تركيز المحكمة الدستورية وبعض الهيئات الدستورية الأخرى المعطلة مثل هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
لكن الناشط السياسي رمزي عليّة، يرى أن الرئيس مطالب بفتح الملفات الكبرى والحسم فيها على غرار ملف الجهاز السري لحركة النهضة، إلى جانب الإيفاء بتعهداته خاصة في مجال محاربة الفساد.
وعلى مستوى سياسة تونس الخارجية، رأى عليّة ، أن قيس سعيد مطالب بالدفاع عن سيادة ومصلحة تونس أولا وعدم الاصطفاف وراء سياسة المحاور، مقابل الحفاظ على علاقات البلاد الخارجية مع البلدان الصديقة والسعي لتكوين علاقات جديدة.
صلاحيات محدودة
ولا يعطي الدستور التونسي، إلى رئيس الجمهورية صلاحيات كثيرة مقارنة برئيس الحكومة، حيث تقتصر مهامه على “تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية”، كما يمنحه صلاحية “تعيين وزيري الدفاع والشؤون الخارجية ومفتي الجمهورية ورئيس البنك المركزي”.
لكنه بإمكان قيس سعيد ان يستغل الشرعية الشعبية الواسعة له . ليضع بصمة سياسية ويزن في اتجاه تغيير او تعديل السياسات العمومية الأكثر سوءا وتلك الممارسات الانتهازية المنتشرة في عالم السياسة وغرق قطاعات اقتصادنا وحياتنا العامة في أشكال متنوعة من الفساد الظاهر والخفي . ..
فالمعركة الحقيقية لقيس سعيد تبدأ اليوم وعليه أن يقنع من صوت له ومن لم يصوت له بان تونس ستخطو في عهده خطوات جدية نحو الإصلاحات الضرورية لتحسين حياة الناس .. .
و أخيرا و في انتظار اختبار السلطة، فهل سيكون لقيس سعيد الذي رفع من سقف تطلعات التونسيين وأعاد لهم الثقة في حكامهم، دور قوي ومؤثر في المشهد السياسي بتونس؟ وما مدى قدرته على تحقيق المطالب والبرامج التي وعد بها الشباب، والالتزام بالشعار الذي رفعه طوال الحملة الانتخابية “الشعب يريد”؟