حصاد الثورة … اليوم
مضى على اندلاع التظاهرات ..الانتفاضة ..الثورة ..(1/ نوفمبر / تشرين الثاني / 2016) شهر ونصف الشهر، ومنذ أيامها الأولى كتبت رداً على تساؤل تردد في الأوساط السياسية ” هل تسقط تظاهرة الحكومة ؟ “ قلت في مقالتي وتحدثت أن التظاهرة نعم قد تتحول في تطورها اللاحق إلى انتفاضة، والانتفاضة إلى ثورة، ولكل من هذه التوصيفات شروطها العلمية، في قوانين التناقض، وعمود التراكم، وهذه مسألة علمية وأبعد ما يكون عن أحكام الهوى .. ضد أو مع .. ليس بالمزاج وأحكام مسبقة جاهزة معشعشة بالذهن .. بل تسقط هذه المرحلة لأنها استوفت حقها ويجب أن ترحل وأن نتحول إلى مرحلة جديدة .. ألا نقول في الأمثال الشعبية الرائعة ” لو دامت لغيرك لما وصلت إليك “.
عام 1985، كنت مع بعض أصدقائي وهم : المرحوم نجاح الحياوي (صاحب مكتبة النهضة)، والعميد دكتور حكمت موسى، والعقيد دكتور أسامة الآلوسي، نتحادث في شؤون الساعة، أذكر قلت لهم حرفياً ” أن الرقصة الإيرانية ستستغرق ربما 50 عاماً ” ولما دهش أصدقائي من تقييمي وأنا أعرف ما أقول وهذه المدة أعطيتها طويلة لكي تنهي الأحداث الدامية ما في عقول الناس من غشاوة راسخة ومعشعشة منذ قرون. وحتى تحين ساعة الحساب. وكان تقديري بناء على نظرية جذابة ولكنها عبارة عن فخ قاتل سيستغرق زمناً ليكتشف الناس فحوى الفاشية الفارسية التي ترتدي عباءة الدين. التاريخ رفض نظرية محكمة البناء الآيديولوجي هي نظرية تصدير الثورة التي صاغها مفكر روسي عبقري دماغه بقدر طهران وضواحيها أسمه ” ليف برونشتاين تروتسكي ” ومع ذلك سقطت النظرية رغم إعجابنا النظري بها، وأكثر من ذلك، لأنها مخالفة لعلم النضالات الثورية، وأنظر أيضاً ماذا كانت نهاية فكرة الثورة في كل مكان لمناضل رائع سلب عقل الشباب وما زال هو ” تشي غيفارا ” ولكن المسألة لا تكمن في الإحكام النظري للأطروحة، بل في الاستحقاقات التاريخية. فبقيت في التاريخ لوحة جميلة ولكنها كانت ضربة ريشة لفنان رائع على جدار غير محكم البناء ..
لنبحث الأمر من جهة أخرى: الواقع الموضوعي من حولنا يتغير على مدار الدقيقة الواحدة، كل شيئ في العالم قابل للتغير، بل هو محكوم بالتغيير، ولا سيما السياسة التي تتغير على مدار الأيام تغير بسيط، ولكنه بتراكمه يحدث تغير نوعي كبير.. وإذا كان ما حولك يتغير بإرادتك وبدون إرادتك، فهذا يعني بداهة أن موقفك حيال الأشياء لابد أن يتغير، وإحدى القواعد العلمية المؤكدة تنص : ” السياسة تحليل مادي ملموس لواقع مادي ملموس” وسوى ذلك خرافات. ولأن بعض الناس لا يفهم الواقع وقوانين التطور ونظرياته ويعتقد أنها عسيرة الفهم، فيفضل الغيبيات، والخرافات إذ يجدها أسهل، بعض آخر يهوى الخرافات والخوارق لأنها فنتازيا خيالية تلبي أحلامه، لذا فهو لا يعيش في عالم اليوم.، وبعض آخر يساير الخرافة والمخرفين بقصد التكسب والارتزاق، وللأسف هذه الفئة غير بسيطة ..!
في بلادنا العراق، ولا فائدة من تقليب المواجع، وندخل في مناقشات سفسطائية لا نهاية لها ولا فائدة ترجى منها، ولنتحدث بلغة اليوم وبمنطق الساعة : النظام الوطني السابق أرتكب أخطاء نعم … ولكنه كان نظاماً وطنياً، بني دولة محكمة سياسيا واقتصادياً وعسكرياً، عراقا يتطور ويتقدم حتى كاد أن يخرج من قائمة دول العالم الثالث، وكنت تستطيع أن تبات في بيتك وبابك مفتوح على مصراعيه، ولا تخاف على نفسك أن لم تكن منظماً في حركة معادية له، ولكن اليوم مجرد التمشي في شارع ببغداد تنطوي على مجازفة، قد تؤدي بك للموت، بعد 16 عاماً ونصف ونحن لا نراوح فحسب، بل نتراجع ونهبط وبسقوط حر، لا نعلم أين قعر الهاوية، والجار الذي يتفلسف بالدين لم نرى منه غير القتل والتخريب والتدمير والفساد المنقطع النظير والسرقة والنهب الذي لا يمارسه اردئ أنواع اللصوص، لا توجد موبقة وعيب على وجه الأرض في التاريخ لم يمارسوها. هذا منتهى البؤس والانحطاط …. وحكام بغداد وطهران يواجهون اليوم مأزقاً، فهم طرحوا أنفسهم نظاما بلا أي محتوى ولا شكل حتى وإن كان متخلفا .. لا يوجد شيئ، ولا أفهم لماذا يسموه إسلامي يقفون اليوم عراة … عراة بصورة تامة أمام شعب غشوه وسرقوه وقتلوه وخانوه وكذبوا عليه في إيران لمدة 40 عاماً ذهبت في الهواء تبخرت جبال من مئات المليارات من أموال شعب فقير في معارك ومشاريع تفسير أحلام ..وفي العراق الأمر أسوء بعد 16 عاماً مرحلة طويلة تركت العراق قاعاً صفصفاً … بلدأ مدمراً وإعادة إعماره يحتاج لعباقرة ..ولكننا ربحنا شيئاً مهماً للغاية، فمنذ عقود الرايح والجاي يهدد وحدتنا الوطنية، هذه انتهت الآن ..ونحن أمام عصر عراقي جديد وسيخسر كل من لا يفهم هذه الحقيقة .. المرحلة تحتاج لتوجهات ولشخصيات وكوادر من نوع جديد أي كلام عن أساليب حكم وعمل كالسابق هو جنون وانتحار … وأنا شخصياً لا أعتقد أن كل الناس لديهم قوة البصر والبصيرة ..! ولكننا ربحنا الشعب ووحدة الشعب والعراق وإيقاف مسلسل الدمار
أيها العراقيون، أيها المناضلون الثوريون، جندوا كافة حواسكم …أنتم أمام مشهد نادر .. تعيشون ثورة وطنية تقدمية، يمتزج فيها الدافع الوطني متلاحماً بشكل جدلي مع الدافع الاجتماعي الطبقي، رفض لأستعباد الوطن، ورفض لنهبه وتجويع شعب كامل ..ليحاول كل أن يستوعبه ويخزنه في ذاكرته بدقة ولا يدع صورة تفوته ..شاهد البوم صور الثورة كلها ومقابلات الثوار ..سوف تتأكد أنك تنتمي لشعب عظيم، حاولوا أن يقزموه ..أنا شخصياً بعد هذا العمر والتجارب الكثيرة جداً، والقراءات منذ الطفولة (اللهم ثورة العشرين العظيمة ونحن نعيش ذكراها المئوية).. لم أشاهد ولم أسمع ولم أقرأ شيئاً يشبه ما يحدث في العراق الآن، لا علاقة للدين ولا للأخلاق ولا الخجل ، وما لم تصل أياديهم له ولم ينهبوه دمروه بطريقة سادية / سياسية / فاشية شرقية .. تمتزج فيها الكراهية بالحقد وبالانحطاط الخلقي والتربوي ..والناتج من كل ذلك خلطة هي مزيج من كل هذه الفضاعات، التي لم نضع لها أسم بعد .. خسائرنا فلكية نعم .. خسرنا تحويشة العمر ومديونون لأجل غير معلوم أرادوا القضاء حتى على المستقبل ..وعزائي أننا سنربح العراق ..الآن رغم كل شيئ .. ربحنا وحدة الشعب العراقي ..وأخيرا سمع الشعب ما كانت القلة القليلة يصرخون به ..أتحد الشعب وهذا يعادل كل شيئ ..هؤلاء الأولاد في الساحات .. هم مكسب العمر وفائدة ما كنا نكتب ونتكلم ..صفاً واحداً .. يداً واحدة … نحن شعب ووطن لا يقبل القسمة، أنبذوا من يفرق بيننا، فهو يريد الشر بنا .
عشتم أيها الفتية الاماجد …
والله لا خوف على العراق … لا خوف على العراق ..
المجد لشهداء الثورة