جورج أورويل … صور وتنبؤات
الكاتب البريطاني جورج أورويل كان أسمه الحقيق أريك آرثر بلير، إلا أنه أشنهر بأسمه المستعار ” جورج أرول ” (George Orwell)، له من المعجبين والساخطين، إلا أنه كان في كل الأحوال كاتباً كبيراً، اشتهرت أعمال عديدة له.
كان أرويل قد ولد في 25 / حزيران ــ يونيو / 1903، كتب في الرواية والنقد الأدبي، والصحافة، والشعر، كان إذن بنوع ما كاتباً شمولياً، أفكاره تتسم بالدعوة للعدالة الاجتماعية، والاشتراكية، ولكن مع معارضة واضحة وصريحة للحكم الشمولي، ولربما كان يحذر الاشتراكيين من الوقوع في مطب الحكم الشمولي، وكان مؤمناً بالديمقراطية، كأي كاتب، لأن بغيرها سوف لن يجد هو ككاتب أو غيره من الكتاب والمفكرين السبل مسدودة للإدلاء بأفكارهم.
ووفق مصادر عديدة أعتبر جورج أرويل من أفضل كتاب القرن العشرين، وكان له أسلوبه المميز وخياله الثري، فمثلاً في روايته (1984) تخيل مستقبل الأنظمة الشمولية، وهو أن لم يسميها بعينها، إلا أنه في رؤية جديرة بالاهتمام رأى أن مستقبل الديمقراطية في تقلص، وإذا كانت هذه الرؤية تختص بالأنظمة الاشتراكية، فإن الأنظمة الرأسمالية تمارس اليوم إحاطة الإنسان بجدران شفافة لا ترى بالعين ولكن من يعيشها يشعرها بوضوح تام.، وكرر هذه الرؤية الخارقة في رواية ” مزرعة الحيوانات “. وأعداد النسخ التي بيعت من هذين الكتابين بأعداد ضربت أرقاماً قياسية، لإعماله المهمة، اعتبرته صحيفة التايمز اللندنية ثاني أفضل كاتب منذ عام 1945.
(الصورة : غلاف إحدى طبعات روايته الشهيرة مزرعة الحيوانات)
كانت ولادة جورج أرويل في البنغال (بنغلادش اليوم)، إذ كان والده موظفاً في الخدمة خارج بريطانيا، في عائلة تمتن الأعمال التجارية، لكنه أستقر في بريطانيا، والأسرة جميعاً عام 1915، وعمل لفترة قصيرة في الشرطة (خمس سنوات)، وأنطلق في عالم الكتابة والصحافة، ثم عاش لفترة في باريس وعمل حتى في غسل الصحون، عام 29 أصيب بالتهاب رئوي، شفي منه، ولكنه ظل يعاني منه برئة ضعيفة يتعرض للانتكاس بين فترة وأخرى حتى آخر حياته. ثم عاد لبريطانيا وعمل في مختلف الأعمال كصحفي وكاتب، وحتى كمعلم مدرسة، في عام 1933 بدأ ينشر بأسم مستعار (جورج أرويل) بعمر 28، وبسبب توالي متاعب صحية، ترك العمل المهني نهائياً وانصرف للكتابة. وفي عام 1935، نشرت أول رواية له ” ابنة رجل دين ” وتدور حول جهود فاشلة يقوم بها معلم لفهم التاريخ.
في عام 1936 سجلت دوائر الشرطة ضده تقارير عن أنشطة شيوعية، وكان يعيش في فقر مدقع، وكتب تقريراً عن الأحياء الفقيرة بعنوان ” الطريق إلى رصيف ويغان ” ونشط ثقافياً وكتب في الثلاثينات عدة روايات : 1934 أيام بورما، 1935 دع الزنبقة الحرز، 1939 الخروج إلى المتنفس، وكتب تقارير بتطلب من دور نشر على الأوضاع الاجتماعية. في 9/ حزيران/ 1935 تزوج من أيلين أوشونيسي، طالبة علم النفس وشاركته جزء مهم من حياته.
مشاركته في الحرب الأهلية الأسبانية
وفي الثلاثينات وعند هبوب عاصفة الحرب الأهلية الأسبانية، قرر دون تردد الالتحاق بصفوف الجمهوريين وكان قد تابع أحداثها وتفاعلاتها، حيث كان التقدميون الأسبان في ثلاثة قوى رئيسية : الحزب الشيوعي الأسباني، الحزب العمالي (الفوضوي)، الحزب الاشتراكي الأسباني. وصل برشلونة، وعمل مع الحزب العمالي (الفوضويين)، وقال لهم بعبارة واحدة ” جئت هنا لأحارب الفاشية “. وكانت برشلونة تمور بالحركات الثورية ومنهم الذين أنتمي لهم أورويل حزب العمال الماركسي (POUM).
مثلت مشاركة جورج أرويل في الحرب الأهلية الأسبانية (1936 ــ 1939) حدثاً هاماً في حياته، بمشاركته القوات الجمهورية ضد الفلانج اليميني، حيث غادر بريطانيا متوجهاً إلى برشلونة / أسبانيا في 15/ كانون الأول / 1936، وفي 30 / كانون الأول أنظم إلى ميليشيات حزب العمال (الفوضويين)، وفي بداية عام 1937 عين في جبهة اراغون وبعد قليل نقل إلى مكتب مراسلين حيث تعرف على همنغواي الأمريكي، والفرنسي أندريه مالرو، وليوبولد كوهر. ورغم ذكاؤه وقابلياته، إلا أنه لم يكن يتمتع بخبرة سياسية إذ كان بصفة عامة اشتراكياً ساخط على الطبقات الغنية، فكان ينظم إلى الأحزاب والحركات الماركسية المتطرفة التي تناهض الخط الرسمي للحزب الشيوعي (الستاليني)، ما لبث أن ناهضهم صراحة، حتى أوشكوا على قتله. وفي 1938 أيضاً أصيب بطلقة في رقبته، فصار الحديث عنده ينطوي على صعوبة،
في نيسان عاد “أورويل” إلى برشلونة. ليتواصل ” مع صديق شيوعي له حيث شرح له وضعه وأبدى له رغبته في أن يرسل إلى جبهة المدريدية والانضمام إلى “اللواء الدولي “. وعلى الرغم بأنه لم يفكر كثيرا بالشيوعيين إلا أنه كان لا يزال باستطاعته اعتبارهم أصدقاء وحلفاء. وهذا على وشك الانتهاء. كانت “أيام مايو في برشلونة” حيث علق “أورويل” في الاقتتال الداخلي. قضى معظم وقته على سطح بناية مع كومة روايات، ولكنه بدأت حملة من الأكاذيب والتضليلات من جانب الصحافة الشيوعية والتي اُتهم فيها حزب العمال الماركسي الموحد POUM بالتعاون مع الفاشيين وقد أثر ذلك على “اورويل”.
وبدلا من الانضمام إلى اللواء الدولي كما كان ينوي، قرر “اورويل” العودة إلى جبهة ” أراغون”. وما أن انتهت مواجهات “أيام مايو” حتى تقرب منه صديق شيوعي سائلاً ً إياه ما إذا كان لا يزال مهتما بالانضمام للواء الدولي، وقد أبدى “اورويل” تفاجئه من رغبتهم في ضمه بعد ما تناولته الصحف الشيوعية من تهم لأورويل بالفاشية. لن ينسى كل من كان في برشلونة وقتها أو حتى في الشهور التي تلت تلك المرحلة من الجو الفضيع المليء بالخوف والارتياب والكراهية، ورقابة الصحف والسجون المكتظة وطوابير الغذاء الطويلة، وعصابات من الرجال المسلحين تطوف الشوارع.
بعد عودة أورويل إلى الجبهة كان مصاب في حنجرته برصاصة قناص، فقد كان اورويل نسبيا أطول من المحاربين الأسبان، وقد كان حذر من الوقوف ضد حاجز الخندق. كان “أورويل لا يستطيع الكلام مع النزيف الغزير من فمه، نُقل أورويل على حاملة إلى “سيتامو” في سيارة إسعاف، وبعد رحلة وعرة تمر ببربشتر، وصل أورويل إلى المستشفى في لاردا حيث تشافي بما فيه الكفاية ليُرسل إلى طرخونة في السابع والعشرين من أيار 1937 م. وبعدها بيومين أُرسل مصحة حزب العمال الماركسي الموحد في ضواحي برشلونة. بالكاد أخطأت الرصاصة شريانه الرئيسي لتتركه بصوت يكاد يكون مسموعاً.
تلقى العلاج وأعلن لياقته طبيا للعودة للخدمة، بحلول منتصف يونيو ــ حزيران تدهور الوضع السياسي في برشلونة. وكان حزب العمال الماركسي الموحد محظور وتحت الهجوم باعتباره المنظمة التروتسكية كما وصفه الشيوعيين المواليين للاتحاد السوفياتي ويرى الصف الشيوعي أن حزب العمال الماركسي الموحد فاشي بموضوعية مما يعيق القضية الجمهورية. ثم ظهر ملصق بغيض، يظهر رأس يرتدي القناع الخاص بحزب العمال الماركسي الموحد منزوع ليظهر تحته الصليب المعقوف، (في إطار الصراع بين الحركات الماركسية) أعضاء ومن بينهم “كوب” قد اُعتقلوا بينما اختبئ البعض الآخر. كان “اورويل وزوجته تحت التهديد لذا حاولوا البقاء بعيدا عن الأنظار بالرغم من مخاطرتهم بكشف غطاءهم حينما حاولوا مساعدة “كوب”.
ولما اشتدت ملاحقته من قبل الشيوعيين الستالينيين، هرب مع زوجته إلى فرنسا، هرب “أورويل” وزوجته بالقطار من أسبانيا متوجهين إلى “بانيول سور مير” لإقامة قصيرة قبل أن يعودا إلى إنكلترا. وفي أول أسبوع من تموز 1937، وصل “اورويل” عائداً إلى “والينقتون”. وفي الثالث عشر من تموز 1973 رفعت دعوى قضائية على “أورويل” في المحكمة في بلنسية بتهمة التجسس والخيانة العظمى، متهمين عائلة أورويل بالتروتسكية بأنهم عملاء لحزب العمال الماركسي الموحد. تم محاكمة قادة حزب العمال الماركسي و”اورويل” غيابيا في برشلونة في تشرين الأول والثاني من عام 1938. كتب أورويل مراقباً الأحداث في المغرب الفرنسي أنهم كانوا مجرد نتيجة ثانوية من التجارب التروتسكية الروسية وأنها منذ البداية كانت مليئة بالكذب والسخافات الفاضحة التي عممتها ونشرتها الصحافة الشيوعية. و تجربة الحرب الأهلية الأسبانية قدمت لاحقاً كتابه ” تحية لكتالونيا” 1938.
إن الخلفية السياسية / العقائدية التي تعرف عليها أرويل في أسبانيا على يد الحركات العمالية /الماركسية، المناهضة للستالينية ينبغي فهمها بدقة، لأنه كتب على هداها عملين من أهم أعماله : ” 1984 “، و ” مزرعة الحيوانات “، وهي مرحلة افتتحها أوريل برواية ” تحية إلى كاتالونيا ” الذي تمكن من نشره بصعوبة لهيمنة الفكر الستاليني على دور النشر الماركسية.
وفي نهاية 1938 تفشى مرض السل في رئتيه، وسافر إلى المغرب (مراكش)، وكانت الرحلة بتمويل صديق له من الكتاب. وهناك كتب روايته ” الخروج إلى الهواء “.
(أورويل في الإذاعة البريطانية)
الحرب العالمية الثانية
في 30 / آذار / 1939 عاد أورويل وزوجته إلى بريطانيا، وكانت الأجواء تسير نحو الحرب، وعندما أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب كرد على قيام ألمانيا باحتلال بولونيا، قام أورويل في 3 / أيلول / 1939، بتقديم طلب للتطوع في الحرب رغم تردي صحته، ولكن طلبه رفض. أشتعل فترة في الصحافة، ولكنه في 18 / آب / 1941 بدأ العمل في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في قسم جنوب شرق آسيا. مع مواصلة كتابته لصحف ومجلات. وفي عام 1942 نشر مجموعته ” الحديث إلى الهند “، وفي 1943 ترك العمل في الإذاعة البريطانية، بسبب التناقضات السياسية، ، وأصبح رئيس مجلة ” تربيون “، وبدأ يكتسب خبرة كبيرة من خلال التعامل اليومي مع أجهزة الإعلام البريطانية والألمانية والأمريكية، والسوفيتية بخاصة.
في آذار / 1945 توفيت زوجته نتيجة عملية جراحية، وفي آب / 1945 أصبح أوريل نائباً لرئيس لجنة الدفاع عن الحرية، وكانت تهدف إلى الحفاظ على الحقوق المدنية . ونشر أوريل مقالاً أبدى فيه تحفظاً ضد فرض شروط قاسية على الألمان، وقال ” أن الانتقام هو أمر مر “.
في عام 1945 أكمل أوريل روايته الشهيرة ” مزرعة الحيوانات ” يصف فيها فشل الستالينية (من وجهة نظره)، في تحقيق الثورة الاشتراكية وتحقيق المثل الشيوعية، وأن الفئات الحاكمة ميزت نفسها عن الشعب العامل، ونشر الكتاب من دار نشر من الحزب العمالي (الفوضوي)،
في شهر أيار / 1947 أنتقل للعيش في جزيرة مهجورة قريبة من ساحل اسكتلندية، في كوخ مهجور منعزل حيث لا كهرباء ولا هاتف، وسط المناظر الطبيعية وكتب هناك رواية 1984، في هذا الجو اليوتيوبي (يوتوبيا ـــ Utopia) والوحدة والعزلة، ولكن هذه الأجواء التي تبدو مناسبة للكتابة، ليست بالضرورة مناسبة لصحته الضعيفة أصلاً، فتفاقمت الإصابة في الرئة، ووضع تحت العلاج، ولكنه كان من على سرير المرض يواصل الكتابة بلا توقف حتى تمكن من إرسالها (رواية 1984) لدار النشر في كانون الأول / 1948 .
(الطبعة العربية لرواية أورويل 1984)
في حزيران من العام اللاحق 1949، نشرت الرواية واشتهرت في العالم، كان يرى فيها صورة قاتمة للنظام الاشتراكي حين يتجاهل السمات الديمقراطية للاشتراكية فينتقدها. وهذه الرواية هي من روايات الخيال العلمي / الأدبي، فانتشرت الرواية وأسم كاتبها وصارت من أعلام الأدب الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وترجمت إلى 30 لغة وطبعت بملايين النسخ.
مشاكل جورج أورويل مع الرئة رافقته منذ طفولته وصباه، وتلقى العلاج في عدة مستشفيات، وأخيراً في مستشفى كلية الطب بجامعة لندن، وهناك أيضاً تزوج تزوج من سونيا براونيل التي تصغره بخمسة عشر عاماً وكان حينذاك يعمل مساعد تحرير مجلة الأفق لصديقه سيريل كونولي.
في ليلة 21 / كانون الثاني / 1950 أصيب جورج أرويل بنزيف في الرئة وتوفي عن عمر يناهز 46 عاماً، وكان يستعد للسفر في اليوم التالي إلى سويسرا. وهكذا انتهت حياة كاتب كبير، رحل في ذروة نضجه السياسي والأدبي.
استمرت تأثير أعمال أوريل على الثقافة السياسية السائدة ومصطلح أورويلية الذي يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ عديدة أخرى من ابتكاره مثل الأخ الأكبر، التفكير المزدوج، الحرب الباردة وجريمة الفكر وشرطة الفكر.
جورج أورويل وعالم الفقراء
رغم أنه لا يمكن اعتبار أورويل من حيث الانحدار الطبقي من عائلة فقيرة، بل أن عائلته كانت ميسورة الحال إن في المستعمرات، أو في بريطانيا، ولكن أورويل عاش حياة ذاتي وفكرية / سياسية مضطربة، كأغلب الكتاب الذين يعانون من تبعات نشر أفكارهم علناً. ولاسيما إذا كانت معارض للتيار العام. والكاتب لابد أن يكون طليعياً وكاتب مثل أورويل قال ” من غير الممكن لأي شخص مفكر، أن يعيش في مجتمع كمجتمعنا، من غير أن يرغب في تغييره “.
لذا عاش أورويل مع فقراء مجتمعه من خلال حالات الضنك والبؤس والفاقة التي عاناها في مراحل عديدة من حياته، بل يمكن القول أن لم يعرف حالة البحبوحة واليسر مطلقاً، ثن أن حياة الحل والرحال والاعتماد المطلق على النفس، وولوجه عالم المغامرات ربما كان يحاول استلهام عالم مغامرات الكاتب الأمريكي التقدمي جاك لندن، وعمله كغاسل صحون ليكسب قوت يومه، في باريس 1928 حيث عاش حياة بوهيمية في حي عمالي، حتى أنه حين تمرض، دخل مستشفى للفقراء حيث العلاج المجاني، إذ يتدرب طلاب كلية الطب فيه، ومن هذه التجربة كتب مقالة ” كيف يموت الفقراء “. كان يزور بيوت الفقراء ويخالطهم، ويعيش بؤسهم، وكان يعتقد أن الحزب الشيوعي البريطاني لا يعكس نضال الطبقة العاملة بشكل صحيح. ومن هنا بدأت مشكلته مع الأحزاب العمالية والاشتراكية التي بدأت ولم تنتهي حتى بعد وفاته …….!
وجهات نظره السياسية
أفكار أورويل السياسية هي خلطة بين رؤيته للأوضاع الاجتماعية وللتمايز الطبقي في المجتمع، وحال الفاقة والبؤس التي تعيشها الطبقات الكادحة، أثارت السخط والغضب عنده، وككاتب يعتقد أن مهمة المفكر / الكاتب هي التغير … وها هي مستحقات التغير أمامه، فكتب وعمل وناضل بل وقاتل أيضاً، ودفع طائعاً مختاراً وراضياً تبعات موقفه، من صحته من حريته، وتوفي على هذا الرأي.
هذه النفس المتمردة جعلته يتحدى الواقع الموضوعي دائماً، يجد في الأشياء عيوبها ونواقصها، وأعتبر نفسه قيماً على اللاسلطوية.
وكان أورويل قد بدأ في عام 1928 حياته المهنية ككاتب محترف لمجلة فرنسية يملكها الفرنسي الشيوعي هنري باربوس، وكانت أول مقالة له محاولة لمراعاة الرقابة الأخلاقية الغير منطقية على المسرحيات والروايات التي تمارس في بريطانيا، ولقد فسر هذه الرقابة على أنها نتيجة بروز الطبقة الوسطى البريطانية التي تملك أخلاق أكثر صرامة من الاستقراطية والتي أدت بدورها إلى تشديد الرقابة في القرن 19.
نشر أول مقال لأورويل في صحيفة بريطانية والتي نقد فيها يوميات عامة الشعب الفرنسي الجديدة، وقد بيعت هذه الصحيفة بتكلفة أقل من قيمتها بكثير لأنها كانت تستهدف عامة الناس. ومع ذلك فقد أشار أورويل إلى أن مالك الصحيفة “فرانسيو كوني” يملك أيضا صحيفتي لو فيغارو و”لي قواليوس” اللتان يعارضهما عامة الشعب. اقترح أورويل أن الصحف الرخيصة الثمن ليست أكثر من وسيلة للدعاية ومعارضة الإشاعات، كما توقع أيضا أن العالم قد يرى قريبا صحف مجانية والتي من شأنها أن تدفع الصحف اليومية المشروعة للتوقف عن العمل.
لعبت الحرب الأهلية الأسبانية الجزء الأهم في توضيح مبدأ أورويل الاشتراكي. كتب أورويل إلى كونولي سيريل في برشلونة (8 حزيران 1937):”لقد رأيت أشياء رائعة وأنا الآن أؤمن حقا بالاشتراكية لكني لم أفعل ذلك من قبل أبدا. ترك أورويل كاتولونيا القوية المعادية للستالينية وانضم إلى حزب العمال المستقل وتم إصدار بطاقته في (13 يونيو 1938) وذلك بعد أن شهد نجاح المجتمعات الفوضوية النقابية مثل: ما حدث كتالونيا اللاسلطوية، وما تبعه من قمع وحشي للنقابات الفوضوية، ومكافحة الاتحاد السوفيتي للأحزاب الشيوعية الستالينية والثوار الشيوعيين. تأثر أورويل بشدة بالانتقادات التروتسكية والفوضوية للاتحاد السوفيتي والتي تركز على الحرية الفردية. في الجزء الثاني من كتاب ” الطريق إلى ويجان بير” الذي نشر من قبل نادي الكتاب اليساري، قال أورويل: ” الاشتراكي الحقيقي هو الذي يرغب بشدة في رؤية انهيار الطغيان ليس مجرد تصويره ذلك على أنه أمر مرغوب “. كما ذكر أيضا في كتاب “لماذا أكتب” (1946): “لقد تم كتابة كل سطر كتبته منذ عام 1936 بشكل مباشر أو غير مباشر ضد الشمولية ولأجل الاشتراكية الديمقراطية على حسب فهمي لها”. كان أورويل من مؤيدي الاتحاد الأوروبي الاشتراكي كما ورد في مقال 1947 عن موقفه “تجاه الوحدة الأوروبية” والتي ظهرت للمرة الأولى في صحيفة “بارتيسان ديفيو” .
«وكان البعد الحاسم الآخر لاشتراكية أرويل اعترافه بأن الاتحاد السوفيتي لم يكن اشتراكياً. وخِلافاً للعديد من الجهات الأخرى، بدلاً من التخلي عن الاشتراكية اكتشف مرةً الرعب الشديد لحكم الستالينية في الاتحاد السوفيتي، ليتخلى بذلك أرويل عن الاتحاد السوفييتي، وفي المقابل بقيت الاشتراكية وأصبح هو أكثر التزاماً بقضية الاشتراكية أكثر من أي وقت مضى، إذ كتب في مقاله 1938 ” لماذا انضممت إلى حزب العمال المستقل “، التي نشرت في التابعة للزعيم الجديد – ILP – كتب:
” في السنوات الماضية، تمكنت من جعل طبقةً من الرأسماليين يدفعون لي بعضاً من الجنيهات في كل أسبوع لأكتب كتب ضد الرأسمالية. لكني لن أخدع نفسي فهذا الوضع سوف يستمر للأبد….فالنظام الوحيد الذي يسمح بجرأة على حرية التعبير هو النظام الاشتراكي. فإذا تَفشت الانتصارات سوف ينتهي عملي ككاتب – للعلم- عندها أكون انتهيت بصفتي الفعالة فقط. ومن شأنِ ذلك في حد ذاته أن يكون سبباً كافياً للانضمام إلى الحزب الاشتراكي “، في نهاية المقال كتب يقول: ذلك لا يعني بأنني فقدت كل الثقة في حزب العمل، وأملي كبير بأن حزب العمل سيفوز بأغلبية واضحة في الانتخابات العامة المقبلة “.
وقد كان أورويل معارضاً لإعادة التسليح ضد ألمانيا النازية، لكنه غير رأيهُ فيما، حين قيام الحرب. ثم قام بمغادرة ILP بسبب معارضتها للحرب وتبنى موقف سياسي لـ ” الوطنية الثورية “. في كانون1 1940 كتب في تريبيون (حزب العمل الأسبوعية): ” نحن في فترة غريبة من التاريخ، التي من المفترض أن تكون الثورة وطنية، والوطني ثورياً ” “خلال الحرب، كان أورويل من أكبر المنتقدين للفكرة المعروفة لتحالف الأنجلو السوفياتي وأنه سيصبح هو أساس لعالم ما بعد الحرب من السلام والازدهار. في عام 1942، وفي تعليقه على صحفي موالي لوجهات نظر الاتحاد السوفيتي، قال: ” كل المؤيدون، بدلوا ولائهم من هتلر لستالين ”
في ظل اللاسلطوية، كتب أورويل في طريقه إلى ويجان باير: ” لقد عملت نظرية فوضوية، تفيد بأن جميع الحكومات شريرة (هذه لب نظرية الفوضوية)، العقوبة لا تضر أكثر من الجريمة، ثقوا بأنهم يستطيعون التصرف بطريقة لائقة فقط إذا تركتوهم وشأنهم ” وأكمل على كل حال وجادل وقال ” من الضروري دائماً حماية الناس المسالمين من العنف في حال تواجدهم في أية مجتمع، حيث الجريمة يمكن أن تكون مثمرة، يجب أن تملك قانون إجرامي قاسي وإدارته بلا رحمه “.
في رده بتاريخ 15 تشرين2/ 1943 لدعوة للتحدث عن التحالف البريطاني لصالح حرية أوروبا، ذكر بأنه لا يتَّفق مع أهدافها. واعترف بأن ما قالوه كان ” أكثر صدقاً من الإشاعة الكاذبة المتواجدة في غالبية الصحافة ” لكنه أضاف أنه لا يستطيع بأن ” يضُّم صوتهُ إلى هيئة المحافظين في الأساس الذي تدعي الدفاع عن الديمقراطية في أوروبا، ولكن لا شيء يمكن قوله عن الإمبريالية البريطانية. وذكر صاحب المقطع الختامي: ” أنا أنتمي إلى اليسار ويجب العمل بجانبه، كما أنَّني أكرهُ الدكتاتورية الروسية ونفوذها السام في البلاد ”
انضم أورويل لطاقم تريبيون كمحرر أدبي، ومن ذلك الوقت حتى موته كان مع الجناح اليساري (على رغم مصاعب التفاهم معهم) – العمل الداعم للديمقراطية الاشتراكية -.في 1 سبتمبر 1944، وفي خضمِ انتفاضة وارسو، أعرب أورويل في التريبيون، عن عدائه ضد تأثير التحالف مع الاتحاد السوفييتي USSR بسبب الحلفاء قائلاً: “هل نتذكر بأن لعدم الأمانة والجبن ثمن “.
لا تتصور بأنك على نهاية السنوات تستطيع بأن تكون (لاعقاٍ للأحذيه) داع للنظام السوفييتي، أو أي نظام آخر، وبشكلٍ مفاجئ تعود للصدق والمنطق، مرهً عاهرة، وهي دائماً كذلك.” وفقاً لـ Newsinger، بالرغم من أن اورويل كان دائماً ناقداً 51-1945 للعمل الحكومي المعتدل، بدأ دعمهُ لها يجذبهُ لليمين السياسي. إلاَّ أن ذلك لم يدفعه إلى تَقبُّل المحافظين الإمبريالية، أو ردة الفعل، ولكن ليدافع وإن كانت خطيرة للعمل الإصلاحي.”
كتَب في ربيع عام 1945 مقالة طويلة عنوانها ” معاداة السامية في بريطانيا ” سجل لليهود المعاصر، ذكر أورويل فيها: ” بأنَّ معاداة السامية كانت بازدياد في بريطانيا، وهذا كان غير عقلاني ولن تذعن له الحجج”. وناقش بأن من الممكن بأن يكون ذلك مفيد لاكتشاف لماذا المُعادون للسامية يجب أن يَبتلعوا مثل تلك السخافات، على موضوع مُعين في حين يبقى معقولاً للآخرين.” كتب أيضاً بأنهُ: ” لغاية 6 سنوات، من المعجبين الإنجليز بهتلر أبدعوا في عدم معرفه تواجد داخاو وبوخنفالد، وأنَّ العديد من الإنجليز لم يسمعوا أي شيء عن إبادة اليهود الألمان والبولنديين خلال الحرب الحالية. تسبب معاداتهم للسامية جريمة كبيرة ليستردوا وعيهم.”
في (1984)، كتب بعد فترة قصيرة من الحرب، حيث وصف أورويل شغف تجنيد المعادية السامية ضد أعدائهم، غولدشتاين. دافع أورويل علناً عن P.G. Wodehouse ضدَّ تهمة تعاطُفهِ مع النازيين، والدفاع كان مبنياً على نقص في اهتمامه وتجاهله للسياسة.
وقد قامت جماعة الاستخبارات البريطانية مكونةً الفرع الخاص، بالحفاظ على ملف أورويل لأكثر من 20 سنة من حياته. الملف الذي تم نشره بواسطة الأرشيف الوطني، يذكر بأنه وفقاً لمحقق ما، أنَّ أورويل يمتلك ” آراء شيوعية متقدمة، وقال بعض من رفاقه الهنود أنهم رأوه مرات عديدة باجتماعات شيوعية “. لاحظ المكتب الخامس من قسم المخابرات في وزارة الداخلية أن عدد جليّ من كتاباته الآخيرة – الأسد ووحيد القرن- ومساهمته للندوة الحديثة أنه لم يكن مع الحزب الشيوعي ولم يرتبط به.
تأثيره على الكتابة واللغة
في مقالته التي كتبها في عام 1946 والمعنونة بـ ” السياسة واللغة الإنجليزية ” كتب اورويل عن أهمية الوضوح اللغوي بحجة انه يمكن استخدام الكتابة كأداة للتلاعب السياسي لأنها تحاكي أنماط التفكير لدينها فنتقبلها:
ــ لا تستخدم أبدًا الاستعارة أو التشبيه أو أي صيغة بلاغية أخرى اعتدت أن تراها بشكلها النهائي.
ــ لا تستخدم أبدًا كلمات طويلة حيث يمكنك استخدام أخرى قصيرة لها نفس المعنى.
ــ إذا أمكنك الاستغناء عن كلمة من النص، افعل ذلك.
ــ لا تستخدم أبدًا صيغة المبني للمجهول حيث يمكنك استخدام المبني للمعلوم.
ــ لا تستخدم أبدًا كلمة أجنبية أو كلمة علمية أو كلمة ذات رطانة إن أمكنك التفكير بكلمة يومية نظيرة لها.
ــ كسر هذه القواعد أسرع من قول أي شيء همجي بصراحة.
يقول أندريو إن روبين “أدعى أورويل بأنه يجب أن نكون منتبهين إلى أمرين بحدٍ مساوٍ: الأول أن طريقة استخدامنا للغة قيّدت قدرتنا في الفكر النقدي، والثاني أن الطرق السائدة للتفكير أعادت تشكيل اللغة التي نستخدمها”.الوصف الأورويلي تضمن المواقف والأنظمة التي تحكم بها بواسطة الإشاعات، المراقبة، المعلومات المضللة، تكذيب الحقيقة، والتلاعب بالماضي. في روايته (1984) أورويل شرح الحكم الشمولي والذي يتحكم بالأفكار عبر تحكمه باللغة، وجعله بعض الأفكار غير قابلة للتصور الحرفي. هناك كلمات وعبارات من (1984) دخلت إلى لغة الجمهور. اللغة المخادعة هي لغة مبسطة وتفتقر إلى الوضوح مصممة لجعل التفكير المستقل أمر مستحيل. التفكير المزدوج يعني احتواءها على فكرتين متناقضتين في نفس الوقت. شرطة الأفكار أولئك الذين يقمعون كل الأفكار المعارضة. بروفيلد، هو عملية التهجين والتصنيع للأدب السطحي، الأفلام والموسيقى، والتي تستخدم للتحكم وتلقين السكان من خلال أساليب الانقياد والطاعة. الأخ الكبير، هو الديكتاتور الأعلى والذي يراقب الجميع. (يعتقد بأنها شخصية وهمية المراد منها تحريك الجماهير والسيطرة عليهم) قد يكون أورويل هو أول من استخدم مصطلح الحرب الباردة في مقالته ” أنتم والقنبلة الذرية ” التي نشرت في صحيفة المنبر التاسع عشر من شهر أكتوبر عام 1945.
الروايات
- 1934 – أيام بورما.
- 1935 – ابنة القسيس.
- 1936 – دع الزنبقة الخرز.
- 1939 – الخروج إلى المُتَنفس.
- 1945 – مزرعة الحيوانات.
- 1949 – ألف وتسعمائة وأربعةٌ وثمانون.
الكُتب التي بُنيت على تجاربه الشخصية
بالرغم من أن معظم روايات أورويل مستوحاة من تجاربه الشخصية، خصوصا ” أيام بورما ” على وجه التحديد، إلاَّ أنَّ الأعمال التالية قُدِّمت على أنها سردٌ وثائقي، عوضا على أن تكون مجرد روايات خيالية.
- 1933 – الانحطاط والتشرد في باريس ولندن.
- 1937 – الطريق إلى رصيف ويجان.
- 1938 – الحنين إلى كاتالونيا
وفي عام 1973 قام الكاتبان الأمريكيان ستانسكي ووليامز بإنتاج عمل روائي دون سابق إِذن عن بداية حياة اورويل ولم يتم التعاون في هذا العمل مع سونيا برونيل.
وفيما بعد قامت سونيا بتفويض برنارد كرك وهي أستاذة يسارية تدرس العلوم السياسية في جامعة لندن للقيام بإكمال السيرة الذاتية لأورويل كما دَعت أصدقائهُ للتعاون في إنجاز هذا العمل قام كرك بجمع عدد كبير من المواد التي كتبت في أعمال أورويل والتي نُشرت عام 1980، ولكن أدّى تشكيكه في دقة الوقائع في كتابات أورويل الشخصية الأولى إلى خلاف بينه وبين برونيل والتي حاولت بدورها منع نشر الكتاب. وقام كرك بالتركيز على وقائع حياة أورويل عوضاً عن التركيز على شخصيته فقدّم منظوراً سياسياً لحياته وأعماله بشكل رئيسي.
وبعد وفاة سونيا برونيل نُشِرت أعمالٌ عِدة عن أورويل في الثمانينات وشهِد عام 1984 صدور ” أوريليانا ” Orwelliana الذي يحتوي على مجموعة من المذكرات التي كتبها كوبرد وكريك وستيفن وادهمز.
وفي عام 1991 نشر ميشيل شيلدن وهو بروفسور أمريكي متخصص في الأدب سيرة ذاتية لأورويل، وبحث عن تفسير لشخصيته من خلال تركيزه على الجانب الأدبي في أعماله، كما أنه عامل أولى كتابات أورويل الشخصية كسيرة ذاتية تحكي تفاصيل حياته. كما قدم شيلدن معلومات جديدة استقاها من العمل الذي قدمه كريك، وادعى أن أورويل كان يسيطر عليه هوس مرضي بفشله وعدم كفاءته.
وفي عام 2000 تم الانتهاء من كتابة ‘ الأعمال الكاملة لجورج اورويل، لبيتير دايفجن وتم نشرها، والذي جعل أرشيف أورويل متاحاً للجميع. وكان جيفري مييرز وهو كاتب سيرة أمريكي مخضرم، من أوائل المستفيدين من هذا العمل. ونَشر كتاب في عام 2001 قام بالتحقيق فيه عن الجانب المظلم لأورويل، كما شكَّكَّ في صورته المثالية التي إشتهر بها. وفي عام 2002 نُشر كتاب بعنوان ” لماذا نهتم بأورويل ” للكاتب كريستوفر هيتشينز.
وشهدت الذكرى المئوية لمولد أورويل عام 2003 نشر العديد من السير الذاتية الأخرى، على يد كُلاً من: جوردون بوكرودي جي تايلور وكِلاهُما كاتبان وأكاديميان في المملكة المتحدة. اهتم تايلور بأسلوب إدارة المرحلة والذي إتَّسم به سلوك أورويل، كما سلَّط بوكر الضوء على شعور أورويل العميق بأهمية الأدب، واللياقة، والذي اعتبره الحافز الرئيسي لمعظم كتاباته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ