متى يستوجب خوض أنتخابات عامة جديدة في العراق؟
حين تم إسقاط الدكتاتورية الغاشمة على أيدي القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية سعى المحتلون، وبدعم من قوى الإسلام السياسي وإيران وتأييد المرجعية الشيعية، بتنفيذ مسألتين على عجل كبير بعد تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، الذي كان البداية الفعلية لتشويه العملية السياسية من خلال الأخذ بإقامة نظام سياسي طائفي – أثني محاصصي فاسد ومتخلف، وكان بعيداً كل البعد عن إقامة الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي، وهما:
أولاً: وضع دستور عراقي على مقاس الأحزاب السياسية المتحالفة في الحكومة التي قادها الطائفي والمتخلف بامتياز إبراهيم الجعفري وحزب الدعوة الإسلامية المتخلف وعبر ممثلي الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية والقومية في ظل تلك الأوضاع الشاذة، إذ كان المفروض ان تتأخر كتابة الدستور قليلاً وعبر فترة انتقالية تزيد عن ثلاث سنوات ومن خلال مختصين بالقانون والدساتير العالمية وخبرة مناسبة وفي ظل حكومة مستقلة تعتمد في حقائبها الوزارية على كفاءات وليس على ممثلي الأحزاب التي وافقت على البنية الطائفية المحاصصية للسلطات الثلاث.
ثانياً: السرعة المفتعلة بإجراء الانتخابات العامة وفي ظل الأوضاع الشاذة وتأثير مباشر للقوى الإسلامية السياسية التي وضع تحت تصرفها السلطات الثلاث للدولة والمال والنفوذ الاجتماعي، إضافة إلى انتشار الجهل والأمية وضعف الوعي السياسي ودور المرجعية في دعم إنجاز الدستور والانتخابات بسرعة وتأييد مطلق للقوى والأحزاب الإسلامية السياسية.
وكانت النتيجة المنطقية لهذين العاملين وعزل القوى والشخصيات الديمقراطية وإضعافها، وقوع المجتمع العراقي منذ عام 2005 -2006 تحت هيمنة تحالف سياسي اثني – طائفي فاسد ومتخلف أدى إلى ما وصل إليه المجتمع من معاناة مريرة وقاتلة في الو قت الحاضر ، مما ادى الى انفجار انتفاضة الشبيبة الواعية ومن ثم كسب المزيد من فئات الشعب العراقي إلى جانب الانتفاضة المقدامة.
ان الانتفاضة تعبر عن نضوج في وعي المنتفضين والمنتفضات، ولكن هذا الوعي لم يصل الى المستوى المطلوب في صفوف المجتمع بحيث يغير ميزان القوى لصالح المنتفضين وينجز تغيير الوضع جذرياً. ومن هنا فأن اختيار رئيس وزراء جديد ومجلس وزراء جديد يتسم كلهم بالاستقلال الفكري والسياسي والوطنية والنزاهة والذهنية الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان والمواطنة الحرة والمتساوية لتقود البلاد في فترة انتقالية لمدة سنة على أقل تقدير للتخلص من قوى العملية السياسية الفاسدة وتكريس الوعي السياسي في صفوف الشعب ووضع مسودة دستور جديد وقانون انتخابي جديد وقانون جديد لمفوضية الانتخابات يعتمد المهنية والنزاهة والحرص على احترام إرادة الناخب والناخبة في عضويتها. عندها يمكن ضمان انتخابات اكثر حرة ونزاهة وبعيدة عن تأثير السلطة والمال والجاه والنفوذ العشائري والديني والطائفي والخشية الكبيرة من دور وتأثير سلطة الميليشيات الطائفية المسلحة وبقية قوى الدولة العميقة المجرمة القائمة حالياً في العراق والمنسقة مع الدولة الرسمية، لاسيما السلطة التنفيذية ومجلس النواب وخشية القضاء منها.
املي ان لا تتعجل القوى المقدامة في ساحة التحرير وبقية الساحات والشوارع المنتفضة بإجراء الانتخابات بعد تشكيل حكومة مستقلة ونزيهة مباشرة، اذ ان الأجهزة الإدارية والنفوذ والمال ما زالت كلها بيد الطغمة الحاكمة وهي فاعلة ومؤثرة لصالحها وسيعود الحكام الحاليون الى مجلس النواب ثانية، فإخراجهم من الأبواب يعيدهم من الشبابيك الى مجلس النواب والحكم ثانية، وهو ما لا يريده المنتفضون، إن من واجب قوى الانتفاضة ان تنشط وجود تنظيمات حذو وديمقراطية وتشكيل ائتلاف منها ومن غيرها للتأثير المنظم والموجه لصالح عملية التغيير الجذري المنشودة لصالح المجتمع والمواطنة.