وشم التدين…
تسترضعه أحافير الويلات كأنه الإبن الضال في بيئة يسودها زرق الإبرعنوانا للخلاص… عادة ما يقف الى أول جانب من الزقاق الطويل المظلم حيث الرغبة في دخول المتاهة بعد أن عَلّمت عليه أكف دوت على صدغه فأورثته الحقد… يأتي حيث المتاهة ليزرق نفسه بالعالم الوردي، يطوف بعدها وهو لا يدرك أن حياته لا تتغير فمنقوع البؤس لا يعطيه سوى فسحة يتلذذ بعد زرقها صائحا… معتقدا أنها الخلاص، عادة يراها من مرت على يعطيه الوهم متعة لوهلة..
في مرة وهو ينتظر دوره للدخول رأى شخصا ضخم الجثة موشوم في جميع ما ظهر من جسمه، لم تخلو بقعة لجلد غير مدبوغ.. دفعه الفضول وقد رأى وشم عنكبوت كبير أسود على ذراعه الأيمن أما الايسر فكان موشوم برأس تمساح، دفع بنفسه لأن يقترب… ليسأله فضوله، سرعان ما شزر فيه الموشوم وقد أحمرت عيناه كأنه يريد أن يلتهمه فبادره بالقول:
إنهما وشمان يميطان اللثام عن شدة وصلابة من يحملها، فلا شك أن لهما حكاية أحب أن أسمعها لو تكرمت وقبل أن تنفعل او تتصرف بعدوانية أستميحك العذر رجاء… للجلوس معك
استغرب الموشوم!! أي رجل هذا الذي يراه، إنه يخاطبه بأدب فمن يكون؟! فلسان حاله لا يتعدى قيء على قارعة طريق قرب حانة سكر، أمسكه من كتفه معلقا… إزرق وأتبعني..
لم يتواني كشف ذراعه لتزرق وقد ألقم فم الجارور بالمال سرعان ما استشعر نفسه يطير حيث يرغب ليكون سيدا في بيئته، أقترب ممن أشار عليه لأن يتبعه، جلس الى جانبه وقد مرر لسانه على شفاهه كأنه يقول لها: تذوقي طعم العالم الآخر إنني أعيش وإياكِ ايامي كلها في نشوة الضياع هاته.. وجد نفسه يضاهي صاحب الوشم رجولة وقد عاد سؤاله…
هيا قل لي ما سر العنكبوت والتمساح وأحب أن ارى مثلهما على ذراعيي.. ما قولك؟
الموشوم: مهلا يا رجل ما عرفتك إلا اللحظة وفجأة تريد ان تنال مثلهما، إن لصاحبهما قصة ليس من السهل كسبهما إلا بفعل تكتسب أحقيته، فأصحاب العنكبوت والتمساح شأنهما كمنظمة تكسب عيشها بما لا يرضيك…
الرجل: دعك من كل هذا فما يرضيني أو لا يرضيني لا يعنيك اريد ان تقص علي حكايتهما ولا تجعلني أريك وجه الوشم الآخر الذي أحمله على صدري فقد مر علي من أمثالك المئات من الموشومين فلا يغرنك هالتي وشكلي هيا عجل..
الموشوم: لم يعجبه ما ردده عليه لكن الرجل يتحدث بجرأة لم يعهدها من قبل.. فرضخ لعدم النزاع وأراد إبهاره فرد… حسنا أسمع
كنت ضالعا في عملي غير مقتنع بما أجنيه.. كالبعير أحمل ذهبا وأأكل العاقول، أرغمتني الحياة على تقبل الوضاعة فوالدتي التي أرعاها ومرضها ذلني، حاولت كثيرا ان اتقبل قدري رغما عني بسببها، فألزمت نفسي أن أكون صدغا ليد من يطعمني العمل… الى أن توفت، ساهم من يعرفني في مصاريف مواراتها القبر دون شاهد او علامة كأني واريت عبئا ساقني لأكون عبدا ذليلا لحقير فاجر… كنت قد جلست يومي والثاني حزنا عليها، لم أكتري لقمة عيشي، ثم خرجت بعدها حتى أرى ماذا يمكنني أن افعل كي أغير من إذلال نفسي؟ رجعت الى عملي كناقل للمخدرات التي أعرف خطورتها والتعامل معها ولا أعرف غيرها، رآني صاحب العمل الذي دفعه بطشه وتكبره لأن يلقاني بصفعة على صدغي دون سبب قائلا:
أين كنت يا أبن الكلب؟ تفاجأت!! مما دفع بعيني لأن تدمع دون شعور قلت لقد توفت والدتي بالامس… ضحك ورد بصوت يسمعه الجميع وهل لك أم يا كلب؟ إنها دموع التماسيح يا حيوان، وعلمي أن أمهات أمثالك كالعنكبوت ما ان يجوع ذكرانها حتى يأكل صغاره بما فيهم الأناث لأنه يعلم أنهم إبناء حرام مصفى لا يحق لهم العيش، هيا اغرب عن وجهي وأكمل عملك دون ان تتغيب بعد الآن…
التمساح، العنكبوت إذن أنا من فصيلتهما لذا جن جنوني، ثار غضبي غير أن صاحب لي أجهز على غضبي بالسكون وقادني ليلا الى هذا المكان، ثم قص علي الكثير من الامور بعدها أنضممت الى عالم العنكبوت والتمساح، في يوم ذهبت الى موقع عملي وكان صاحب العمل وحيدا إلا من رأس حمايته وقد رُتِب الوضع على ذلك الاساس… دخلت مشمرا عن ساعدي مزهوا بوشم التمساح والعنكبوت.. فما أن رآني رأس حمايته حتى دفع بي صارخا أين أنت ذاهب يا ابن الحرام؟ لا أدري كأن سخط الكون أخرج ماردا فشججت رأسه بضربة من الساطور الذي كان معي سرعان ما خر غارقه بدمه… كان غزيرا جدا لطخ وجهي وثيابي دون ان اتيح لصاحب العمل بالحركة او الهرب أمسكت به وهو يحاول ان يفك أصابعي التي امسكت برقبته دون جدوى فالضغينة والحقد احكما عليها وقلت له:
ها انا اتحول الى تمساح بوشمي هل ترى الدموع التي تتساقط حزنا عليك؟ أم أنك ترى رأس هذا العنكبوت الأسود الذي سيلتهم حياتك؟
حاول ان يحدثني بشيء لم اسمعه، خارت قواه أخذ يخرج من فمه زبد ما أكله، سارعته بضربة أنهت معاناته وأنهت معاناتي الى الابد… بت بطلا في نظر من رافقني وصرت من أتباع منظمة التمساح والعنكبوت نبكي كالتماسيح على من نقتلهم كي نعيش في رغبة عالم الكهوف العنكبوتية والدخان هذه هي قصة الوشوم أتراك تريد مثلها فأنا اجدك جادا في كسبهما راغبا في إنضمامك معنا…
الرجل: حقا أن قصة وشومك غريبة وتشبة وشوم التدين والتأسلم غير أني لا أريد حياتك، فأنا دخلت هذه البيئة هربا من وشم آخر، النفاق، الدجل المحيطين بي من رجالات الدين بعد أن غرزوا إبرهم المخدرة في عقول الكثيرين قبل دمائهم فأفسدوها صرنا نعيش عالم العقوبات والثواب في اليوم أو الساعة ألف مرة، فالحلال والحرام والكفر والإلحاد والزندقة والجريمة ما هي إلا مواقيت آنية ليست ثابتة، تتغير مع متغيرات الحالة والحاجة فمباح لهم وللسلاطين النكوص بل ما أنزله الله وترتيق الفتق الكبير بفتاوى لم يشهدها او يقلها من كان نبيا، أنهم خلفاء الله فمنهم الداعية والمفتي، الشيخ والسيد، المسلم والمتأسلم وما هي إلا عناوين دنيوية ألغوا بها صفة الخالق المعبود الواحد الى صفة الرب والمعبود الدنيوي الواحد والخالق.. تجرعت صورة الخداع والرياء يختانون أنفسهم يسوقون أجساد محرمة الى تجارة دعر وفجور ينادون بالعقيدة والدين ولا يسمعون سوى الصراخ والعويل من بهتان ما ينادون به… إني يا صاحب الوشم وشمت جسدي بكل القيم الفاسدة التي كنت يوما ضالعا عالما فيها، فبعد أن تأفينت الدين وتراهات الباطل مقارعا الحق أفسدت بما أؤمن وحتى لا أخسر حياتي زرقت نفسي بأفيون عالم الهروب حيث منفى الخلاص من الوهم الى وهم آخر… إني يا موشوم موشوم مثلك بالتمساح والعنكبوت وزدتها وشما آخر…
الموشوم: ما شكل هذا الوشم دعني أراه، فإن راق لي دعيت إليه
الرجل: لا عليك أنت موشوم به أصلا ما دمت مسلما وقد وشمنا به منذ الجاهلية، أجدادنا من قبل، ثم أنجبت آبائك في عالم الاسلام الذي يَجُب عما قبله، فلا تلومن نفسك أو نفسي على ما تفعله وأفعله لقد أرضعونا الفجور والكفر والزندقة كصغار العناكب، لنكون لقمة سائغة يتباكى من ابتلعنا بدموع التماسيح.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي