الطائفية تلفظ آخر أنفاسها
أي فكرة طائفية، (بصرف النظر عن متانة نظرياتها…. إن كانت لها نظرية ..!) هي جزء من فكرة أكثر شمولاً، إن كانت طائفية دينية، أو تمترسا وراء عشائرية وأفخاذ وعروق، وهذه تقسم الناس وقضاياهم الاجتماعية والسياسية الملحة إلى مجاميع وتضعف من قوتهم وهديرهم الشعبي، وتفسد القضية الكبيرة وتحول الشعارات الطبقية / الاجتماعية العامة إلى شعارات فئوية / مطلبية صغيرة ..هي صغيرة مهما تعالى الصراخ والزعيق تحت لافتاتها.
وبوسعنا أن نسوق أمثلة لا حصر لها، ولكن ذلك سيكون على حساب استهلاك الوقت والجهد، ولكن لنسوق بعضها إثباتاً للحجة، فالمسلمين اليوم مثلاً يتعرضون لحرب لم تعد خفية، صريحة وواضحة، والكل يعلم أن عدم التركيز عليه، والتغافل عنه اليوم، لا يعني أنه نفذ بجلده، بل أن استهدافه هو مشروع مؤجل فقط، ولكن الأطراف الدولية تعمد إلى تقسيمهم إلى وجبات ليس إلإ …. ليسهل التهامهم على وجبات .. والطائفية تسهل لهم ذلك ..
الكل يعلم أن هناك مستحقات وطنية وقومية واجتماعية عاجلة، ولا تحتمل التأجيل، ولكن من يؤجلها فعلاً ويضعها فوق الرفوف العالية هو الصراعات الهامشية التافهة في مؤداها .. فيبقى المواطن لا يلقى علاج آدمي في مستشفيات تصلح للبشر، ويبقى أبن الموطن خارج المدرسة النظيفة الصالحة للتعليم، وتبقى الحقوق الوطنية / الاجتماعية بعيدة المنال، والوطن يخسر يوميا المزيد من مقوماته، وحقوقه… لأن الناس مشغولون بموضوعات لا قيمة لها حيال هذه الموضوعات الخطيرة …
الطائفية تقول للمواطن العراقي (وربما في غير العراق أيضا) : أنس وطنك وحقوقك الوطنية، وتجاهل قوميتك وثقافتك، تجاهل جوعك وبؤسك، وممنوع أن تتحدث عن حقوقك الاجتماعية… كل هذا مقابل ماذا …؟ تساءلوا من الرابح …؟
حدث مرة في اجتماع طابعه سياسي، وكان الحضور من الشخصيات السياسية المعروفة والتي كان لها وزنها في ساحات النضال الوطني، ولكن طالما الموسيقى تعزف مارشات طائفية، لذلك تضاءل وزن القادة السياسيين المعروفين في تاريخ العراق، ليبرز بقوة حراب الأجنبي دور أشباح طائفية ترتدي العمامة حيناً، والدشداشة حيناً، ولكن في جميع الأحوال لا برنامج ..! نعم لا برنامج سياسي واجتماعي، ولكن طروحات الاجتماع كانت تصب في مؤداها لموضوعة طائفية، وتسويقاً لها، ولما تصدينا وطرحنا قضايا اجتماعية لها علاقة بقوت الناس، وحقوقها الوطنية، وهي لا تفرق بين المواطنين، هب منتفضاً أحد اقطاب الجلسة وقد أدرك أني أمسكت بمفتاح الأزمة الحقيقي … وفعل كل شيئ ليعيد حرف المناقشة إلى سفسطائيات لا طائل منها … كان ذلك عام 2003 / 2004، وما زالت السفسطائيات تلهي الناس عن حقوقهم وعن قوتهم وبلادهم …
ولكن الوضع تغير بعد 1 / تشرين / 2019 .. وولت الشعارات السخيفة إلى الأبد …..!
الشخصية الطائفية ضعيفة لجهة المكونات الثقافية بل تلامس درجة الأمية .. ولم أصادف في حياتي مثقفا طائفياً. ولكن هناك استثناءات، فهناك من المثقفين من يقبل التعامل بالطائفية، وهو يفعل ذلك لأمرين: إما لتحقيق مكتسبات مادية، أو ليضمن لنفسه موقعاً قيادياً لا يناله بين القيادات المحترمة …. ليس هناك احتمال ثالث ..! أما الاستماع إلى ببغاوات الطائفية، الذين يحرضون على القتل والكراهية ويعلمون فنون الشتائم ذلك فأمر يبعث على القرف والغثيان ..!لا تنطوي على أية درجة من الثقافة والفائدة ..! وأكلة صحن لبلبي أنفع منها بمئة مرة ….!
انتفاضة تشرين أنهت هذه الخزعبلات أيضاً ..
لنشيد مجتمعات راقية مقياس الجودة فيها، يتمثل بكم ونوع ما ينتجه المرء، ذكر كان أم أنثى .. وبكفاءاته وقدراته، بعلمه، وبإنتاجيته، وخدمته وإخلاصه للوطن .. وليس بقدر ثرثرته، ونفاقه .. والفنون في تملقه للسلطات .. دولة لا تخطف مواطنيها ولا تغتالتهم بكواتم الصوت .. دولة تحاسب المسؤول قبل المواطن إذا سرق … وفي نظام مرتب دقيق سوف لن يكون لهؤلاء دور ……
وهو ما تبشر به انتفاضة تشرين ….