كتاب ( انهيار العراق المفاجىء و تداعياته )
كتاب “انهيار العراق المفاجىء ”
لـ ( طاهر توفيق العاني ) هذه حقيقة ما جرى خلال (35) عاماً من حكم البكر وصدام
سُررتُ جدا بصدور كتاب الأستاذ “طاهر توفيق العاني” عضو مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية والوزير السابق في عهدي الرئيسين “احمد حسن البكر” و “صدام حسين” الموسوم « انهيار العراق المفاجىء و تداعياته » عن دار الحكمة في لندن بــ 288 صفحة من القطع الكبير ومصدر سروري وترحيبي أن قياديا كبيرا كالعاني سيضيف إلى تلك الحقبة معلومات جديدة ويكشف عن خفاياها وأسرارها ويحلل بعض ألغازها لا سيما وان الحقبة البعثية الثانية تولاها قياديان بعثيان أولهما الرئيس البكر للفترة من 1968 إلى 1979 ثم تولى صدام الفترة الثانية من 1979 حتى سقوطه في 2003 .
وفي كلا المرحلتين تولى السيد العاني مراكز مهمة وخطيرة ربما أولها سكرتيرا لرئيس الجمهورية لأكثر من أربع سنوات كما تولى أمانة سر فرع بغداد للحزب لأربع سنوات أيضا وهو من الفروع الحزبية المهمة جدا آنذاك ولا تناط مسؤوليته إلا لكادر حزبي محترف وشجاع ومخلص وقديم ثم عضوا في القيادة القطرية لتسع سنوات وعضوا في مجلس قيادة الثورة لثماني سنوات ووزيرا للصناعة ورئيسا للمجلس الزراعي الأعلى ومحافظا لنينوى وسكرتيرا للجنة شؤون الشمال وسكرتيرا للجان الحزبية.
بالطبع صدور كتاب أو تقرير أو رأي لأي قيادي من حقبة البعث الثانية ضروري جدا لخدمة الحقيقة التاريخية برغم وجود تيار قوي بين البعثيين لا يَسمح بوجود كتابات نقدية او تاجيل عملية النقد الى ما شاء الله وهذا التيار بالتأكيد يخشى مواجهة النقد والحقيقة التاريخية ويرفض الاعتراف بالتجاوزات والجرائم والاخطاء التي اقترفتها القيادة السابقة ويؤكد اصحاب هذا التيار ان ما يمر به العراق من تدهور مريع في جميع جوانب الحياة لا يسمح بنقد تجربة حكم البعث لانها كانت تجربة رائدة وناجحة مع وجود اخطاء قياسا بالحكومات التي تولت حكم العراق بعد عام 2003 بل وان هناك تيارا آخر اشد تعصبا من التيار الاول لا يسمح بنقد سلوك وسياسات الرئيس السابق صدام ويتهم من يمارس هذا اللون من النقد بالعمالة والخيانة !
إزاء كل هذا يأتي كتاب الاستاذ “طاهر العاني” بمثابة ضوء قوي جدا يكتسح امامه طيات وأمواجا من الرفض و بالطبع يمكن تفسير تصلب وعناد ورفض التيار « الصدامي » في نقد حكم الرئيس السابق او تناوله باي شيء لان اغلب من يمثل هذا التيار هم من « القيادات » الفاشلة والمهزومة والمندحرة عام 2003 والتي تتحمل المسؤولية التاريخية والاخلاقية الكاملة عن تسليم العراق للامبريالية الامريكية وضياع الدولة العراقية وسرقتها من قبل الاحزاب المرتبطة بمصالح اميركا وبعض دول الجوار .
هذا التيار وقياداته يصابون بالجنون لاية عملية نقد لحقبة البعث الثانية ولا يسمحون لاي قيادي بعثي سابق بالكتابة في هذا المجال لذلك اعد ما كتبه الاستاذ العاني عملا جريئا وشجاعا وينم عن عقلية عراقية مخلصة ومناضل بعثي يحب افكاره ويلتزم بها وهو في الوقت نفسه يدين ممارسات النظام السابق وديكتاتورية الرجل الواحد وحكم العائلة الواحدة , لقد تصدى البعض لكتاب العاني بمسوغات غير مقنعة ولا علاقة لها باخطاء المرحلة واتضح ان النقد برمته هو عبارة عن خلافات عائلية غير معني بها العراقي وليست طروحات سياسية ناضجة ولها علاقة مباشرة او غير مباشرة بحقبة الحكم السابق .
احدهم ممن فتحت له ابواب الصحيفة ونشرت له رده برغم عدم موضوعية اغلب ما جاء فيه حيث اتسم الرد بالصبغة الخلافية العائلية للأسف وهذا ما ادركه كثير من القراء الذين اتصلوا بي وابدوا انزعاجهم من النقد الشخصي اللا موضوعي لكتاب العاني , هاجمني قبل أيام بالموبايل وعدني مستفيدا من الحكومة لأنني رفضت ان انشر له أكاذيب وافتراءات جديدة ضد الآخرين في محاولة بائسة منه ليفند مجزرة الخلد التي جرت عام 1979 وليقول ان المعدومين يستحقون الموت لانهم تآمروا على صدام من خلال اختلاق حادث غير موثق ولا شاهد عليه الا المتحدث نفسه .
ألخص ما جاء في كتاب العاني وما سجله قلمه من انطباعات واحكام نقدية شجاعة وجريئة تضع كتابه في اولوية الكتب التي تناولت حقبة البعث الثانية بالنقد الموضوعي فالرجل ليس طارئا على الدولة والحزب فهو من كبار قيادييها لسنوات طوال في عهدي البكر وصدام وبالطبع يجب ان اشير الى ان بعض العراقيين وهم غير بعثيين تحولوا الى « صداميين » اكثر من صدام حسين نفسه من باب الانتهازية والتملق الرخيص بينما واقع حال هؤلاء لا يمت باية صلة للرئيس السابق ونظامه وحزبه .
كتب الأستاذ “طاهر العاني” :
_ لقد كرست الزمرة المحيطة بصدام حسين وهم من أقاربه ظاهرة الارهاب الفكري ولم تسمح باي طرح لا يروق لها . ( الصفحة رقم 8 )
_ أتت الحرب مع ايران لتحول حزب البعث الى جيش شعبي لا يفهم من حزبه الا القواطع وضبط الهاربين من الخدمة العسكرية ومراقبة الاسواق وحراسة دور المواطنين من اللصوص . ( الصفحة رقم 9 )
_ لقد دفعني الى نشر هذا الكتاب ما لاحظته من زيف وضحالة في كتابات البعض اذ احتوت على ادعاءات واكاذيب وقلب وتشويه للحقائق وظلم لها . ( الصفحة رقم 9 )
_ لاحظت ان بعض القياديين يمتد حزنا في الداخل ولكنهم يتذمرون في الخارج وهذه الازدواجية اصبحت مرضا يعاني منه معظم المحيطين بصدام وقد لاحظت ان عزة الدوري كان اشد المنتقدين قساوة خصوصا لبطانة الرئيس صدام وانه كان يستشيط غضبا لتجاوزاتهم ولكنه بعد عام 1991 تحول الى جوقة المداحين . ( الصفحة رقم 10 )
_ تركت المؤتمر القطري التاسع الذي اتهمت فيه بانني اغالي في التدين والتشدد الاخلاقي. ( الصفحة رقم 14 )
_ إن زوبعة آذار 2003 هل كانت عقابا لنا لاننا تجاوزنا قيم واخلاق الحزب التي هي مستوحاة من قيم الدين واخلاقه وها نحن ذهبنا لان فئة ضالة منا ذهبت اخلاقهم. ( الصفحة رقم 24 )
_ لقد فقد الرئيس صدام ومن ثم النظام بأكمله الكثير ممن كانوا يؤيدون النظام ويعتبرون انفسهم جزءا منه نتيجة القسوة التي لم تفرق بين عدو للنظام وبين مساند له ولقد فقد النظام من قادته وجماهيره ما يفوق ما قتله او اعدمه من اعدائه ولقد انعزل النظام في السنوات الاخيرة لعوامل متعددة كان من ضمنها سهولة الحكم بالاعدام على مواقف وقضايا لم تكن تستحق هذه القساوة الامر الذي استفز الكثير من الحزبيين حتى ان البعض بعد الاحتلال قال : “إن ميشيل عفلق أسس الحزب وصدام قتل الحزب” . ( الصفحة رقم 25 )
_ إيمان الحزبيين بان دخول الكويت كان قرارا متعجلا وغير مدروس النتائج بشكل كاف. ( الصفحة رقم 27 )
_ سوء اختيار بعض المسؤولين أثار غضب الجهاز الحزبي إذ لا مؤهل لهم الا قرابتهم لرئيس الجمهورية مثل “علي حسن المجيد” عريف في القاعدة الجوية بكركوك و “حسين كامل” مفوض شرطة ونال كل منهما رتبة فريق ركن أما شقيقاه فقد كانا مفوضي شرطة فأصبحا وزيرين أحدهما للأمن والثاني للداخلية وقد تخليا عن صدام في محاكمة إعدام التجار . ( الصفحة رقم 28 )
_ أما بالنسبة للرئيس صدام فانه يظهر انه لم يهيئ لنفسه مكانا امنا يكفل له امنه الشخصي ويمكنه من قيادة الحزب والمقاومة ولكنه اختار مكانا قريبا من مدينته وكانت خاضعة لرقابة مشددة ولكن يظهر ان قصر فترة مشاركته في النضال السري قبل 1968 جعله قليل الخبر وانه اعتمد على حسه الامني الذي يفتخر به ولكنه نسي ان هذا الحس كان مبنيا على القسوة والشدة التي لم تعد متوفرة لديه . ( الصفحة رقم 29 )
_ لم تكن لصدام بطانة من المناضلين المخلصين فالذين كانوا قريبين منه عندما كان يحكم تخلوا عنه عندما اختفى وعندما القي القبض عليه نتيجة وشاية أحد افراد حمايته وهو ابن مدينته وقد اراد الله بحكمته ان يثبت ان الاعتماد على ابناء العشيرة او المدينة لا يشكل حماية وامنا للشخص. ( الصفحة رقم 30 )
_ كيف لا ننتقد تجربة نجم عنها قيام القيامة على رؤوس العراقيين. ( الصفحة رقم 31 )
_ تناول السيد العاني في الفصل الثاني ذكرياته عن الرئيس “احمد حسن البكر” وكتب عنه انصع الصفحات وتناول اسلوبه في الحكم والادرة وتواضعه وزهده وعفته وصرامته وقوته وشرح بعض المواقف التي اختلف فيها البكر مع صدام ( الصفحة رقم 39 ) و ما بعدها.
_ وفي المبحث الثاني من الفصل نفسه تناول شخصية الرئيس الاسبق “صدام حسين” وسرد المؤلف حوادث ومواقف كثيرة تخص صدام التي كان فيها العاني شاهدا عليها قبل 17 تموز وبعدها ( الصفحة رقم 59 )
_ يقول العاني : من المؤكد ان الرئيس صدام قد اصابه الغرور فجعله يستهين بكل من حوله دون حسابات بعيدة المدى ( الصفحة رقم 71 )
_ ويذكر العاني ان صدام حسين كان مقتنعا تماما حتى بدء العدوان بانه لن يكون هناك قتال على الارض وان الامريكان سوف يرسلون طائراتهم ويوجهون صواريخهم نحو اهداف منتخبة ثم يذهبون الى بيوتهم كما قال وان امريكا لن تسعى لاحتلال العراق ( الصفحة رقم 84 )
تألف الكتاب من سبعة فصول تتضمن عدة مباحث وملحق الكتب والرسائل.
_ لا بد لي ان اقول ان ما نتحدث عنه من وجود للقيادة الجماعية واختيار الافضل من قبل المجموع لم يكن الا كلاما في الهواء فالمناصب توزع حسب اجتهاد رئيس الدولة وبدفع وتاثير الحاشية الجاهلة وغير النظيفة دون حساب للكفاءة والتاهيل المهني او اية معايير لشغل مناصب الدولة/ ( الصفحة رقم 137 )
_ كان رصيد عزة الدوري لدى صدام انه كان له دور كبير واساسي في استقالة البكر . ( الصفحة رقم 137 )
_ إن مجلس قيادة الثورة لم يكن الا اكذوبة للقيادة الجماعية وانه لا وجود فعليا له . ( الصفحة رقم 138 )
_ لا أستطيع ان اصف حكم العراق انه كان حكم شخص واحد بل هو حكم العائلة وهو اسوأ من حكم الفرد ( الصفحة رقم 147 )
_ ان الاحصائيات تبين ان عدد من اعدم او قتل من قادة حزب البعث على يد نظام البعث يفوق عدد من قتل او اعدم من قياديي حزب الدعوة . ( الصفحة رقم 159 )
و أخيراً هناك اكثر من إشارة واضحة وصريحة يذكرها الاستاذ طاهر العاني حول موقفه من المؤامرة المزعومة التي فبركها صدام ضد رفاقه في القيادة القطرية والكادر المتقدم للتخلص منهم ويقول العاني : ( ولكن لم يثبت ذلك اي وجود مؤامرة لا في حينه ولا بعدها حتى تولدت القناعة لدى اكثر الحزبيين بأن الموضوع مفبرك للتخلص من بعض البعثيين القياديين البارزين لإتاحة الفرصة للانفراد بالسلطة وهذا ما تحقق لاحقا ( الصفحة رقم 167 )
ويضيف العاني : “وقد يكون بعض الذين اتهموا بالتآمر واعدموا قد تحدثوا في مجالسهم الخاصة عن حماسهم للوحدة ولكن لا شيء يشير إلى وجود مؤامرة كما اعلن ” ( الصفحة رقم 167 )
وهذا قيادي مرموق عاصر البكر وصدام ينفي وجود مؤامرة ويؤكد ان ما حصل في تموز 1979 كما ذهبنا اليه في كتابنا “مجزرة الخلد” محاولة من صدام للانفراد بالحكم وبالفعل ان صدام برغم نفوذه في عهد البكر لم يستطع ولن يستطع تمرير مخططاته او اسناد مناصب خطيرة الى اقاربه بوجود هذا الكادر الحزبي القوي الذي تخلص منه في يوم واحد .