الكرد واللغة العربية
على الرغم من المشهد المأساوي الحزين الذي يعيشه العراق منذ الفاتح من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، حيث جابهت السلطات الحكومية حركة الاحتجاج السلمية الشعبية بالحديد والنار، فثمة جوانب مبشّرة، خصوصاً في ما يتعلق باستعادة الوعي الوطني ويقظة الهويّة الوطنية العراقية العابرة للطوائف والإثنيات، ولا سيما ارتفاع نبرة العيش المشترك والمصير الموحد. والأمر لا يقتصر على ساحات الاحتجاج التي شملت، إضافة إلى بغداد، تسع محافظات عراقية هي: الحلّة والديوانية وكربلاء والنجف والسماوة والكوت والناصرية والعمارة والبصرة، فقد امتد الأمر ليشمل تضامن عدد من المثقفين الكرد مع أشقائهم المثقفين العرب، إضافة إلى تضامن سكان المناطق الغربية مع وسط وجنوب العراق.
وإذا كان ثمة تساؤل مشروع أساسه: كيف السبيل لاستعادة العلاقات الإيجابية العربية – الكردية في العراق؟ فلعلّ الشعار الذي أطلقه اليسار العراقي في ثلاثينات القرن الماضي «على صخرة الاتحاد العربي – الكردي تتحطّم مؤامرات الاستعمار والرجعية»، هو الأحوج والأكثر إلحاحاً هذه الأيام، ولا سيّما في الفضاء الثقافي الذي تشكل اللغة جوهره وروحه، بعد شروخ حصلت في تلك العلاقات بسبب الأنظمة الديكتاتورية والقمعية وممارساتها الشوفينية والعنصرية، فضلاً عن محاولات الاختراق والتداخلات الخارجية الإقليمية والدولية، تلك التي لا تضمر للعراق وأهله عرباً وكرداً ومن سائر القوميات أي ود وخير.
وقد جاء احتفال جامعة السليمانية باليوم العالمي للغة العربية في ال 18 ديسمبر / كانون الأول، والذي تقرر بعد صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3190 في عام 1973 (الدورة الثامنة والعشرون)، والذي بموجبه تم الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية من لغات الأمم المتحدة، ليؤكد أهمية تعزيز العلاقات الثقافية والإنسانية بين العرب والكرد. علماً بأن منظمة اليونسكو «منظمة الثقافة والعلم والتربية» التابعة للأمم المتحدة تحتفل منذ عام 2012 بيوم اللغة العربية بعد صدور قرارها رقم 190 أكتوبر / تشرين الأول 2013.
وعلى الرغم من المحاولات المُغرِضة لإبعاد الكرد عن اللغة العربية وآدابها وتدريسها، بغض النظر عن مبرّراتها، فإنها ألحقت ضرراً بليغاً بالثقافة الكردية ومنعت الكرد من التواصل مع أشقائهم العرب، ولا سيما الجيل الجديد، فضلاً عمّا ستتركه من عزلة عليهم في علاقتهم مع عرب العراق من جهة، ومع امتدادهم العربي من المحيط إلى الخليج من جهة أخرى، وهو ما أدركته، مؤخراً، العديد من الأوساط الثقافية والأكاديمية والسياسية، ولعلّ مبادرة منتدى الفكر العربي ومؤسسه الأمير الحسن بن طلال تصبّ في هذا التوجه، خصوصاً في إيجاد آلية مستمرة للحوار العربي – الكردي.
إن اللغة العربية لغة عالمية يتحدث بها أكثر من 430 مليون نسمة وهؤلاء يتوزعون على أقطار الوطن العربي، ويمتد تأثيرها إلى بلدان مجاورة وبعيدة، لأنها لغة القرآن، وهي لغة حيّة وقابلة للتجديد، بما فيها من مترادفات وطباق وجناس ومجاز وسجع وتشبيه وفنون وبلاغة وفصاحة وغيرها، وهي من اللغات الأربع الأكثر استخداماً للإنترنت، والأكثر انتشاراً ونمواً، وفوق ذلك، فالعربية لها أهمية خاصة لدى المسلمين، لأن الصلاة لا تتم إلا بها، وهي في الوقت نفسه لغة شعائرية في عدد من الكنائس المسيحية في العديد من البلدان العربية.
وإذا كانت الصين تحتفل بيوم اللغة الصينية تخليداً لذكرى مؤسس أبجديتها سانج جيه، وروسيا اعتمدت يوم ميلاد شاعرها ألكساندر بوشكين يوماً للغة الروسية تكريماً له، أما بريطانيا، فإنها تعتبر عيد ميلاد وليم شكسبير يوماً للغة الإنجليزية، وكثيراً ما يردّد التشيك أن «جدهم» الروحي اللغوي كومنيسكي، فهل يحق لنا نحن العرب أن نحتفل بيوم ميلاد الشاعر المتنبي، ليكون يوماً للغة العربية حسب المفكر السوري جورج جبور؟
إن احتفال جامعة السليمانية بيوم اللغة العربية يشكل أهمية خاصة للشعب الكردي في عدّة محاور، منها أن الكثير ممن كتبوا في اللغة العربية كانوا من الكرد، بمن فيهم الشعراء أحمد شوقي، وجميل صدقي الزهاوي، ومعروف الرصافي، فلم تمنعهم أصولهم الكردية من الكتابة الإبداعية باللغة العربية، كما أسهم علماء الكرد في كتابة التاريخ، وإثرائه باللغتين العربية والكردية، وهناك علماء كرد يشكّلون تراثاً ضخماً باللغة العربية مثلما ساهموا في بناء الحضارة العربية، ولذلك فإن العودة إلى تعلّم اللغة العربية وإعادة تدريسها لغة أساسية ثانية، إضافة إلى الكردية، فيه منفعة ومصلحة الكرد قبل العرب، لأنها لغة عالمية، وهو ما تم وضعه في عدد من البرامج الأكاديمية الجامعية، مؤخراً، وهو الأمر الذي يساعد في تعزيز التعاون والتبادل الثقافي من جهة والعيش المشترك من جهة أخرى.
جدير بالذكر أن الاحتفال جرى في قاعة البروفيسور عز الدين مصطفى رسول إحدى أهم الشخصيات الكردية التي كتبت باللغة العربية، وكان تحت شعار «الكرد يحتفلون باللغة العربية صوناً للتعايش».