الضاد تتآكل في صيغتها البليغة ومستواها الحضاري
أدباء ومثقفون بحثوا واقع اللغة العربية في يومها
العالمي..وطرحوا العديد من التوصيات في ندوة اليوم
صحيفة اليوم
عقدت جريدة اليوم (السعودية) ندوة لمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، شارك فيها عدد من المفكرين والباحثين والمختصين وقد وجهت لهم عدة أسئلة وفي ما يلي أجوبة الدكتور عبد الحسين شعبان في مشاركته في تلك الندوة.
س 1- ما أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية وتقف حاجزاً بينها وبين الجيل الجديد؟
ج1 – دعني في البداية أبيّن أهمية الاحتفال بيوم اللغة العربية 18 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام ، وقد تقرّر الاحتفال بهذا اليوم بعد إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 3190 في العام 1973(الدورة الثامنة والعشرون) والذي بموجبه اعترف باللغة العربية كلغة رسمية من لغات العمل في الأمم المتحدة. وقد مهّد لهذا القرار التاريخي كل من المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة الثقافة والعلم والتربية التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، وفي اكتوبر (تشرين الأول)2012 احتفلت اليونسكو للمرّة الأولى بهذا اليوم واعتمد كيوم عالمي في 23 اكتوبر (تشرين الأول) 2013.
وتعد اللغة العربية من أقدم اللغات السامية وهي إحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، ويتحدث فيها نحو 430 مليون نسمة وهؤلاء يتوزعون على ما يسمى بـ ” الوطن العربي”، إضافة إلى بلدان مجاورة ، وهي لغة القرآن التي يتم الصلاة بها، كما أنها لغة حيّة وقابلة للإضافة والتجديد بما فيها من مترادفات وتضادات وطباق وجناس ومجاز وسجع وتشبيه، إضافة إلى فنون البلاغة والفصاحة وغيرها، علماً بأنها من اللغات الأربع الأكثر استخداماً في الانترنيت والأكثر انتشاراً ونمواً.
التحدي الأول الذي تواجهه اللغة العربية هو الاعتراف الدولي بمكانتها والتداول بها وقدرتها على التساوق مع التطورات الدولية، أما التحدي الثاني فهو استعداد أبنائها والناطقين بها، ولاسيّما الجهات المعنية من أصحاب القرار لاعتبارها جزءًا أساسياً من هويّة العرب، الأمر الذي يتطلب اعتمادها في المخاطبات والفاعليات الرسمية الدولية، أي كلغة عمل بما يحتاج إلى توفير ترجمات وإعداد لوائح وفهارس ومدوّنات.
وبعد كل ذلك فاللغة العربية مثل اللغات الحية خاضعة للسيرورة التاريخية وتتطور بتطور الزمن، لاسيّما في إثرائها وتخصيبها واستعيابها للحمولات الثقافية الإنسانية، وكذلك في التخلص من الشوائب والنتؤات التي لحقت بها. وهذا يحتاج إلى ترصين الوعي بأهميتها وقدرتها الإبداعية ، من جانب الناطقين بها وعدم النظر اليها بالمقارنة مع اللغات الأخرى بصورة أدنى.
س 2- ما الجدوى أو المنفعة الحقيقية للاحتفال باليوم العالمي باللغة العربية؟
ج2- الجدوى تكمن في الدلالة المعرفية والعلمية من جهة وفي المكانة التي تحتلها اللغة العربية من جهة أخرى، ولعلّها مناسبة لتأكيد أهمية اعتماد اللغة وتطويرها وجعلها أكثر مرونة وحيوية للتواصل بين أبنائها والناطقين بها من جهة، ومن جهة أخرى عنصر تفاعل وتفاهم وتعاون مع الآخر، وهي أداة سلمية ومدنية للعلاقة الإنسانية.
س3 – ما مدى تأثر اللغة العربية بتداخل اللهجات الشعبية مثل: المصرية والعراقية والمغربية والخليجية والسورية؟
ج3 – يبرز بين الحين والآخر اتجاه يدعو إلى تكييف اللغة العربية لتصبح أكثر استعمالاً وقرباً بين النطق والكتابة، وذلك من خلال اللهجات التي تستخدم حسب المناطق، وأعتقد أن هذا التوجه خطراً وقد واجه معارضة شديدة، فهو يضعف الشعور بالانتماء لأمة واحدة، فضلاً عن ذلك فإنه سيضعف المشتركات التي تقوم عليها اللغة باعتبارها عنصر تقارب وتواصل بين أولاد العمومة والهويّة الموحّدة ، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين وقد لعب المسيحيون دوراً كبيراً في الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر دورهم في سوريا ولبنان والعراق ومصر وغيرها.
س4 – كيف تقيمون واقع اللغة العربية في الواقع العربي؟
ج4- الواقع ليس بمستوى الطموح، وثمة نواقص وثغرات وعيوب ومثالب لا بدّ من التخلّص منها، فثمة من ينظر باحتقار إلى لغته العربية ويعتقد إن الحديث باللّغات الأخرى، لاسيّما الإنكليزية أو الفرنسية ، هو دليل تمدّن ورقي ، في حين أن جمالية اللغة العربية واتساع معانيها وعمق دلالاتها تؤكد غناها وقدرتها على التعبير، ناهيك عن اتساق مضامينها مع وسائلها.
وكلّما كان الواقع العربي يمتاز بالقوة والمنعة والقدرة على تحقيق التقارب بين دوله وشعوبه والسير في دروب التنمية المستدامة بجميع حقولها، كلّما استطاع أن يؤكد دور اللغة العربية.
ونلاحظ اليوم بالرغم من التصدّع والتشظي، إلا أن الاهتمام باللغة العربية يزداد عالمياً، وهناك توجه ، بل واندفاع عالمي لتعلّم اللغة العربية، نظراً لأهمية العالم العربي الاستراتيجية والجيو سياسية والاقتصادية ناهيك عن دور العرب الثقافي والتاريخي وفي بناء الحضارة البشرية.
س5 – ما أسباب ضعف اللغة العربية من ناحية الشباب؟
ج 5- هناك أسباب موضوعية وأخرى ذاتية لا تشجع الشباب العربي على الاهتمام باللغة العربية، منها ضعف الواقع العربي كما أشرنا، ومنها تقليد بعض الجامعات والمدارس العليا، الجامعات والمدارس الغربية من خلال المناهج التعليمية ولغة التدريس، الأمر الذي يؤدي إلى عزوف الشباب عنها، وكذلك عدم اهتمام المدارس الحكومية باللغة وطرق تدريسها وتأهيل المعلمين والمدرسين للقيام بهذه المهمة من جهة أخرى بطريقة محبّبة للطلبة، لا تؤدي إلى نفورهم.
وبالطبع فإن الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والثورة العلمية- التكنولوجية والطفرة الرقمية ” الديجيتل” والذكاء الاصطناعي، وغيرها تحتاج إلى أن يتكيّف العرب معها ويستخدمونها بطريقة تساعد على تعزيز اللغة العربية ومكانتها.
س 6- هل تعاني اللغة العربية من أزمة؟
ج 6- الأزمة خاصة وعامة ، وخصوصيتها ناجمة عن عدم الاهتمام العربي بها وتفضيل اللغات الأخرى عليها، وعامة بمعنى أنها تحتاج إلى أدوات لرفع شأنها وإعلاء مكانتها ، لاسيّما وهي جزء حيوي وأساسي من الهوّية، والمعالجة تحتاج إلى الاعتراف بالأزمة والعمل على تجسير الفجوة وردم الهوّة بحيث تكون اللغة العربية في المكانة الأولى التي تستحقها، خصوصاً لأبنائها والناطقين بها وتتوفر لها الوسائل والأساليب التي تعزز من هذا الدور. وهذا يحتاج إلى توافق بين الإرادة السياسية من جهة وبين المناهج التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، لكي تقوم بهذه المهمة.
س 7- هناك معايير اجتماعية متداولة أن الحديث باللغات الأجنبية دلالة على التحضير.. كيف تعلقون على ذلك؟
ج 7- تعلّم اللغات الأجنبية دليل تمدّن وتواصل وتفاعل مع العالم، وهو وسيلة سلمية للتفاهم والتعاون بين الأمم والشعوب والبلدان، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب لغتنا الأصلية، وهي لغة جميلة ومعبّرة، ولعلّ إهمال اللغة العربية والاهتمام بلغات أخرى سيؤدي إلى الاغتراب والتعالي على المجتمع، فكيف يمكن المشاركة في عملية التنمية والبناء، إذا كان ابن البلد مغترباً حتى وإن كان في وطنه.
س8- ما التوصيات أو المقترحات أو المبادرات التي يمكن توجيهها للجهات ذات العلاقة من أجل التمسك والارتقاء باللغة العربية؟
ج8- من التوصيات والمقترحات الأساسية هي ضرورة الاعتناء بجودة الصياغة اللغوية ودقة التعبير والابتعاد عن التنميط والزخرفة اللفظية، وينبغي أن تكون اللغة المستخدمة مطواعة تستجيب لمتطلبات العصر ومستجداته، بعيداً عن الجمود والتحجر، بحيث يتم التعبير عن النبض الحقيقي للحياة وترجمة سلوك ومواقف الحراك الاجتماعي ، لاسيّما بتقبّل الجديد من المفردات والاشتقاقات، فاللغة فكر في الوقت نفسه ولعلّ تطوير هذا الفكر ضرورة لا غنى عنها.
وكان مؤتمر فكر 17 قد انعقد في الظهران مؤخراً وعبّر في أحد محاوره عن أهمية اللغة ودورها في تهيئة المستلزمات لتجديد الفكر العربي الطموح للتواصل مع العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي.
ويمكن للغة أن تكون أداة اقتصادية ، بل أحد الأسس لتطوير العلاقات الاقتصادية ، وسبق لها أن ساهمت بمثل هذا الدور عن طريق القبائل العربية وكانت رافعة مهمة لنشر اللغة العربية وتعلّم اللغات الأخرى، بل إنها كانت في صلب العمليات التجارية، لاسيّما في طريق الحرير وما بعده.
مثلما يمكن أن تكون أداة في التبادل الثقافي والأدبي والفني وكل ما يتعلق بالعمل الإبداعي كما هي في السابق.
ويمكنها اليوم ، وهذا ضرورة وليس ترفاً، أن تصبح لغة الحوسبة وعالم الكومبيوتر ، بتدفق المعلوماتية بغزارتها المعرفية وتنوّعها، فالعالم بين أيدينا ويمكن أن نحوّله إلى عالم رحب ويتّسع للجميع بتبادل وتفاعل من خلال لغتنا العربية مع اللغات الأخرى.
لذلك لا بدّ من مواجهة محاولات تحقير العرب من خلال الاستنكاف من لغتهم، ومثل هذه التحديات الاستعلائية العنصرية التي تريد فرض الهيمنة تدرك إدراكاً عميقاً الترابط الوثيق والمحكم بين اللغة والهوية وبين اللغة والدين، وهي تعلم علم اليقين كيف أن اللغة العربية ساهمت في رفد العالم بالعلوم من هندسة ورياضيات وفيزياء وطب، فضلاً عن أنها كانت لغة الفلسفة والعقل والفكر والحضارة ، وهذا ما ينبغي أن ندركه كعرب ونتصدى له بحيث تتضافر جهود العلماء والمفكرين والباحثين العرب والحريصين على اللغة العربية للحفاظ على روحها وتطويرها وتحسينها بحيث تصبح أرقى وأجمل سواء في مستوى التخاطب العادي أو على المستوى العام، علماً بأنها لغة مفتوحة وقابلة للإضافة وغير مغلقة أو جامدة، بل هي تتفاعل وتتلاقح مع لغات أخرى، ولا بدّ من اعتماد اللغة الفصحى كأساس مشترك بين العرب.
ولكي ينهض العرب فلا بدّ من عدد من الإجراءات السياسية والميدانية والتربوية والإعلامية من خلال كوادر متخصصة وسياسة تعليمية عصرية، وتنقية اللغة العربية من الشوائب العامية ووضع تحديدات للألفاظ الأجنبية وتوظيف ما هو علمي منها بطريقة منهجية بحيث يتم استيعابها، إضافة إلى تفعيل مجاميع اللغات العربية والعمل على تقاربها والتنسيق والتعاون فيما بينها، بعيداً عن دائرة الصراعات السياسية القطرية في كل بلد.
في الختام يمكن القول أن اللغة العربية هي أهم رابط وأقواه تاريخياً يشدّ العرب ويجمعهم إلى بعضهم وهي السجل الذي يختزن تاريخهم وذاكرة الأجيال ويحتفظ بأسسه الثقافية التي تشكل محور الهوّية .