ضد من يخوض الشعب العراقي معركته العادلة؟
ليس فينا جميعاً من كان يتصور أن الشبيبة المقدامة قادرة، وفي لحظة تجلى حاسمة، أن يهتز النظم السياسي الطائفي الفاسد والمسنود بقوة هائلة من الخارج بهذه السرعة الزلزالية. كما لم يكن أحدنا يتصور أن النظام ذاته سيجد نفسه في وضع لم يسبق له مثيل ويهتز من الأعماق فيفقد صوابه تماماً. وليس فينا من كان يتصور أن هذا النظام الإسلامي السياسي المتطرف بأساليبه الفاشية في الحكم والتعامل الوحشي مع الشعب والرأي الآخر أن سيستسلم بسهولة ويتنازل عن الحكم ويسلمه للشعب المطالب بحقوقه المسروقة وبالوطن المنهوب والكرامة المجروحة.
ولكن الكثير منّا، وأقصد من عارض ويعارض هذا النظام السياسي الطائفي الفاسد بمختلف صيغ المعارضة، كان يدرك بما لا شك فيه أن هذا النظام، الذي رفض كل نداءات الشعب بتوفير الحرية والكرامة ولقمة عيش كريمة وفرصة عمل وكهرباء وماء ونقل ومواصلات واتصالات وصحة وتعليم عقلاني وبيئة نظيفة، سيمارس كل السبل المشروعة وغير المشروعة، الجزرة والعصا، الكذب، العادات والتقاليد البالية، وكذلك السلاح الحي والاغتيال والاختطاف والاعتقال والتعذيب والقتل الواسع النطاق، إضافة إلى الدين، الذي تحت غطاءه سرقوا أموال الشعب، في مواجهة قوى الانتفاضة الشبابية التي تحولت في فترة قصيرة جداً إلى انتفاضة شعبية متواصلة منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 حتى الوقت الحاضر (30/12/2019) وستستمر حتى تحقيق النصر.
لقد استخدمت الطغمة الحاكمة، الفاقدة للشرعية الفعلية بانتفاضة الشعب الجارية، الدولة بسلطاتها الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبكل أجهزتها القمعية، ومؤسسات وميليشيات الدولة الإرهابية العميقة، وقوى الدولة الجارة، إيران، المتحكمة بالطغمة السياسية الفاسدة الحاكمة بالبلاد، دفاعاً عن نظامها السياسي الطائفي والأثني الفاسد والمشبع بالحقد والكراهية ضد الشعب ومصالحه وطموحاته وأجياله القادمة.
يوجد في العراق الان معسكران متمايزان ومتناقضان يتصارعان: المعسكر الأول، معسكر الشعب، ويشمل:
أولاً: الفئات الشعبية الكادحة التي تعيش على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمحرومة من الحياة الإنسانية التي يفترض أن تتوفر للفرد، إنها الفئات العاطلة عن العمل أو العاملة على هامش الاقتصاد الوطني والتي تشكل نسبة عالية من أبناء وبنات الشعب العراقي، ‘نهم ضحايا الطائفة والفساد.
ثانياً: فئات البرجوازية الصغير المنتشرة في العراق ومنها الكسبة والحرفيين والمعلمين والمدرسين وصغار الموظفين والجمهرة العظمى من المثقفين والطالبات والطلاب وتلاميذ المدارس الثانوية الواعين بحقائق الوضع في العراق.
ثالثاً: الطبقة العاملة التي تعمل في قطاع النفط الخام والميناء والسكك الحديد والمعامل الحكومية المتوقفة عملياً والقطاع الخاص، إضافة إلى نسبة عالية تعمل في قطاعات الخدمات العامة والخدمات الإنتاجية أو أنها عاطلة عن العمل جزئياً أو كلياً.
رابعاً: فئات فقراء الريف والفلاحين المعدمين العاملين لدى كبار الملاكين والعائلات الإقطاعية القديمة التي استعادت قوتها وهيمنتها على الريف العراقي والزراعة العراقية.
خامساً: فئات البرجوازية المتوسطة الصناعية والزراعية وقطاع تجارة المفرد الداخلية وجمهرة من متوسطي الموظفين في البنوك الخاصة والحكومية.
تسنى لقوى الانتفاضة الجارية أن تعبئ جماهير واسعة من القوى الواعية من الأجزاء الثلاثة الأولى وتزجها في النضال من أجل قضية الشعب والوطن وتحت شعار “نازل أخذ حقي!”، في حين ما تزال الانتفاضة لم تعبئ بما يكفي من قوى الجزئين الآخرين، أي من الفلاحين والفئات المتوسطة التي تشكل قوة ضرورية لتغيير ميزان القوى لصالح الانتفاضة. ويبدو إن استمرار الانتفاضة يمكن أن يجلب لها المزيد من تلك المجموعتين السكانيتين وانخراطهما مع قوى الانتفاضة. ومن هنا تنشأ الحاجة لتكثيف العمل لا في الساحات والشوارع فحسب، بل وكذلك في الريف العراقي وبين الفلاحين الفقراء وصغار الفلاحين والمعدمين، وكذلك في صفوف أجهزة الدولة والفئات المتوسطة التي من مصلحتها تغيير الواقع الراهن لصالح المجتمع والتطور الاقتصادي.
أما المعسكر الثاني فيشمل كل القوى، ومن مختلف القوميات، التي ترى في النظام السياسي الطائفي والفاسد مصلحة لها في بقاءه واستمرار تدفق الأموال عليها وبقية الامتيازات التي تحققت لها خلال سنوات الاحتلال والحكم الطائفي الفاسد، وبالتالي فهي ترى في الانتفاضة تقويضاً لدولتها وسلطاتها الثلاث ومصالحها، لاسيما المالية، ونفوذها الاجتماعي والسياسي الداخلي والخارجي. ويشمل هذا المعسكر، الذي تحول إلى عدو للشعب عملياً، إلى المجاميع التالية:
أولاً: البرجوازية البيروقراطية والطفيلية الحاكمة التي تتربع على قيادة الدولة بسلطاتها الثلاث وأجهزتها المدنية والعسكرية وعلى رأس الدولة العميقة بمؤسساتها وميليشياتها الطائفية المسلحة. إنها الفئات الرثة التي تتجلى رثاثتها في مجالات الفكر والممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وفي علاقات تبعية خارجية جارحة لكرامة الشعب ولاثمة للسيادة والاستقلال الوطني. ونجد فيها قادة والكثير من كوارد الأحزاب الحاكمة وقادة الميليشيات الطائفية المسلحة والقيادات التي تشرف على وتقود قوى الجريمة المنظمة، لاسيما الاقتصادية والمالية والمتاجرة بالسلاح والبشر وأعضاء الإنسان والمخدرات والكحوليات والسوق الموازي…الخ.
ثانياً: بقايا كبار الملاكين والعائلات الإقطاعية القديمة، وكبار التجار الكومبرادور المعروفين بهيمنتهم على التجارة الخارجية وعداءهم المفضوح للتنمية الإنتاجية لاسيما التصنيع وتحديث الزراعة، إضافة إلى البرجوازية العقارية التي نهبت الكثير من الأراضي والعقارات من جهة، وتستغل المجتمع بهيمنتها على سوق بيع وتأجير السكن والبناء والعقارات من جهة أخرى. وتصطف معها البرجوازية المالية التي تهيمن على نسبة عالية من الأموال وعلى المصارف الخاصة والسياسة المالية للدولة العراقية وعلى البورصة ومزاد العملة الصعبة.
هذه القوى المناهضة لأي تغيير في العراق قد تسنى لها خلال السنوات المنصرمة تحقيق ما يلي:
- الهيمنة وبمختلف السبل غير المشروعة على نسبة عالية جداً من حجم الأموال التي تحققت للعراق من بيع نفطه، كما توفرت للميزانيات السنوية مبالغ مالية كبيرة وصل مجموعها للفترة بين 2003 – 2019 حوالي 1160 مليار دولار$.
- إعاقة أي توجه فعلي للتنمية الاقتصادية والبشرية، ولاسيما التصنيع وتحديث الزراعة وحماية البيئة، كما إنها لم توفر حتى للقطاع الخاص فرصاً مناسبة لاستثمار رؤوس أمواله في الصناعة الوطنية وفتح فرص لتشغيل الأيدي العاطلة عن العمل.
- حاربت الإنتاج الصناعي والزراعي المحليين بمختلف السبل، لاسيما إغراق الأسواق العراقية كلها بالسلع الإيرانية والتركية على التوالي، ومن ثم من الصين ودول أخرى، وغالباً ما تكون نوعيتها عموماً أسوأ السلع، وهي أرخص من السلع المنتجة محلياً رغم اختلاف النوعية لصالح بعض المنتجات المحلية.
- هيمنة القطاع الأجنبي، لاسيما الإيراني والتركي، على عقود البناء والإعمار ودخول المقاولين العراقيين كوسطاء وسماسرة أو الجهة الثالثة أو الرابعة لتنفيذ المشاريع بعد بيعها المتتابع لقاء رشوة مالية كبيرة.
- عدم توفير فرص عمل في القطاعات الإنتاجية، مما أجبر المسؤولين الفاسدين على فتح باب التعيين في دوائر الدولة، المدنية والعسكرية والأمنية، مما جعلها مشبعة جداً وتعاني من بطالة مقنعة شديدة واستنزاف مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة لصالح الرواتب والامتيازات لكبار موظفي الدولة والوزراء والنواب وحماياتهم…إلخ.
- إهمال شديد لمصالح المجتمع وظروف حياته والتي تجلت في تراجع شديد للخدمات بكل قطاعاتها، كالصحة والتعليم والكهرباء والماء والنقل والاتصالات.. والذي أدى إلى مزيد من التذمر والغضب.
- إشاعة الصراع القومي والديني والطائفي في البلاد في محاولة لتنفيذ سياسة “فرق تسد” الاستعاري.
إن الصراع الدائر في المجتمع حالياً ليس قومياً، ولا دينياً، ولا مذهبياً، بل هو صراع بين هذين المعسكرين وعلى مسألتين مهمتين هما:
أولاً: إنقاذ الشعب من الطغمة الحاكمة والقوى التي تدعمها داخلياً وخارجياً بإجراء التغيير في النظام السياسي المشوه القائم وفي العملية السياسية المشوهة الجارية والتصدي للطائفية، التي يتستر بها أعداء الشعب، ومن الفساد السائد الذي التهم ثروات البلاد.
ثانياً: إنقاذ الوطن من الهيمنة الخارجية على القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة التي ثلمت وما تزال الاستقلال والسيادة الوطنية وكرامة الشعب ومصالحه الأساسية.
من هنا تبلور وانطلق بوعي كبير شعار “نازل أخذ حقي” وشعار “أريد وطن”.
إن المعركة محتدمة بين المعسكرين وستزداد سخونة خلال الأيام والأسابيع القادمة، وقد واجهنا ذلك لما حصل لرئيس الجمهورية الذي رفض تكليف مرشح قوى الإسلامي السياسي الحاكمة المتطرفة والفاسدة، أسعد العيداني، لرفض الشعب له، رغم الضغوط التي سلطت عليه من إيران وأتباعها الراكعين للخامنئي في البلاد. وهي اليوم تشن حملة ضده بطلب مباشر من إيران وممثلها قاسم سليماني، رغم إنها هي التي وافقت على ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية.
الانتفاضة بحاجة ماسة إلى قيادة تمارس التنسيق الفعلي بين التنسيقات، بحاجة إلى قيادة فاعلة ومعترف بها من المنتفضين والمنتفضات وقادرة على تأمين وحدة الإرادة ووحدة العمل لقوى الانتفاضة في سائر أنحاء البلاد، إنه الطريق الأكثر ضمانة لتحقيق النصر على الأعداء المنظمين جيداً، رغم الصراعات على السلطة والمال والجاه فيما بينهم، إنهم ماسكون بزمام الدولة بسلطاتها الثلاث وأجهزتها القمعية والدولة العميقة حتى الآن، والتي لا بد من تفكيكها وتخلص الشعب منها.
إن النصر سيكون لصالح المنتفضين البواسل والمنتفضات الباسلات، والاندحار سيكون في المحصلة النهائية لأعداء الشعب من كل الأصناف والاتجاهات العدوانية.