عام ٌ سعيدٌ للوطنيين العراقيين محمد عارف أرجوكم، كفّوا عن الحديث حول العراق، لا تتحدثوا عما لا أستطيع التوقف عن مناقشته مع نفسي طوال الوقت. خطاب رئيس الجمهورية العراقية الأخير الذي ألقاه في السليمانية، لم يأت بمثل براعته السياسية وفصاحته اللغوية رؤساء العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة في عشرينيات القرن الماضي. والعربية ليست اللغة الأم للأكراد، فَلنقل هي «اللغة الأب»، فهم صارمون في إتقانها، ويبدو ذلك في حرص الرئيس برهم صالح، الكردي الأصل، على إعراب أواخر الكلم. وليس هذا سوى تفصيل صغير في ما تصفه أذكى شخصيات الاحتلال البريطاني «العراق كوميديا إغريقية تنتهي بتراجيديا». تذكر ذلك «إيما سكاي» في كتابها «الانحلال»، وعنوانه الثانوي «الآمال الراقية والفرص الضائعة في العراق». وفي الكتاب شهادتها الشخصية منذ توليها عام 2003 منصب ممثلة «سلطة التحالف المؤقتة» في كركوك، وعملها في الفترة بين عامي 2007 و2010 مستشارةً سياسيةً للجنرال «أوديرنو» رئيس أركان حرب القوات الأميركية في العراق. وتروي «سكاي» كيف أرسلتها حكومة «توني بلير» لإدارة محافظة كركوك دون أي تعليمات أو معلومات، سوى أن هناك من يستقبلها في مطار البصرة، وتأخذها طائرة عسكرية إلى كركوك. ولم يكن هناك من يستقبلها، ولا طائرة تأخذها! وتذكر «سكاي» أنها عندما غادرت العراق في إجازة كان يُفترض أن ترافق الجنرال «أوديرنو»، لكنها -لأسباب لا توضحها- انتهت إلى مرافقة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في رحلته للمشاركة في مؤتمر استثماري في لندن، على متن طائرته الخاصة التي أهدتها له إيران، ويقودها طيارون إيرانيون. وبين الركاب وزير الخارجية هوشيار زيباري، وبرهم صالح الذي كان إذ ذاك نائب رئيس الوزراء. وحطّت الطائرة في قاعدة القوة الجوية البريطانية «بريز نورتون» لعدم حصولها على الإذن بالهبوط في لندن. وتطلّعت «إيما سكاي» عبر النافذة، وقالت بالعربية: «بلادي»، وهي تلوح بجوازها البريطاني، و«رَنَّت خلفها أصوات عراقيين يرددون: «بلادي»، وهم يلوحون بجوازاتهم البريطانية أيضاً! لقد أرسلتُ لأصدقائي فيديو خطاب الرئيس صالح في السليمانية، وأرفقته بصورة صفحة من كتاب «الانحلال»، حيث تذكر «سكاي» تفاصيل مطالبة برهم صالح بمنح الأكراد كركوك: «أنتم علّمتموني ومنحتموني الجنسية البريطانية، أعطوني الآن كركوك». وبين من أرسلتُ لهم صورة الصفحة «كامران قرداغي»، الذي تولى منصب رئيس مجلس موظفي رئاسة الجمهورية في عهد جلال الطالباني. وكامران صديقي منذ أيام الدراسة في جامعة بطرسبرغ، عندما كان اسمها «لينينغراد»، وقد أجابني: «ليس برهم وحده، بل جميع زعماء الكرد، وغالبية الكرد، يعتبرون كركوك كردستانية». وأرسلتُ له فيديو يصور مضيف عشيرة عراقية عربية، ينصتون بحماس إلى شاعر يُلقي بالعراقية الدارجة: «أنا عندي رسالة تخص الأكرادْ. أريد أسِّدْ بيها القال والقيل. الكُرد مثل الملح يتخلّى عالزاد. والضيف الذي يجيهم يبجلوه تبجيل. وسُفرتهم للضيف يقدمون أربيل». ويضج حضور المضيف بالهتاف والترحيب. وقلتُ لكامران على الطريقة البغدادية المازحة: «مفارقة تاريخية أن ينقذ الكردُ العراق من الدمار». وعلى الطريقة الكردية: «الخط المستقيم أصغر مسافة بين نقطتين». قال كامران: «بس الكرد مثل السمكة، ماكول مذموم»! وفاجأتني رسالة عبر «المسنجر» من «إيما سكاي» حملت اسمها وعنوانها، سألتها: هل أنت مؤلفة كتاب «انحلال العراق»؟ قالت: أجل. وسألتها عن تولي برهم صالح رئاسة العراق، وكيف يرأس البلد شخص يتطلع بقوة إلى اقتطاع جزء منه؟ أجابت: لكنه شخص جيد! وعام سعيد للوطنيين العراقيين الذين رأوا كل شيء وخبروا كل شيء، وقد لا يختلف في ذاكرتهم عن برهم صالح إلا آخر شيء ذكرته عنه «إيما سكاي» في كتابها، عند زيارة سوق الطيور في كركوك: أشَرتُ إلى كتكوت وردي وأخضر وأزرق الألوان، وزقزقتُ ضاحكة، متذكرةً كيف شاهدت أول مرة كتاكيت متعددة الألوان في منزل برهم صالح عام 2003 * |